13/05/2019 - 12:16

الشيزوفرينيا: مرض نفسي يُخطئ الناس التعامل معه

تثير المصطلحات التي استخدمها معجم الطب النفسي على مدار العقود الماضية، لوصف حالات "المرضى" التي يتعامل معها الأطباء في المجال طوال الوقت، أفكارا مُسبقة حول الأشخاص الخاضعين للعلاج وسُبل العلاج المُتبعة معهم، لكنها اتخذت رواجا أكثر مما تحمله معانيها

الشيزوفرينيا: مرض نفسي يُخطئ الناس التعامل معه

توضيحية (pixabay)

تثير المصطلحات التي استخدمها معجم الطب النفسي على مدار العقود الماضية، لوصف حالات "المرضى" التي يتعامل معها الأطباء في المجال طوال الوقت، أفكارا مُسبقة حول الأشخاص الخاضعين للعلاج وسُبل العلاج المُتبعة معهم، لكنها اتخذت رواجا أكثر مما تحمله معانيها.

وكتب الممرض البريطاني السابق، نيثان فيلر، والذي تخصص في مجال الطب النفسي قبل أن يُصبح روائيا، مقالة في صحيفة "ذي غارديان" البريطانية، شرح من خلالها مسيرته مع أحد المرضى الذي رفض باستمرار تناول الدواء الموصوف لحالته، وكيف غيّر ذلك نظرته للمجال برمته.

وذكر فيلر قصّته القصيرة مع "إميت"، وهو اسم مستعار لمريض كان في المؤسسة النفسية التي عمل بها الأول، مبررا رفض الأخير المُصاب بالشِيزُوفْرانيَا، تناول الدواء الذي وصفه له الطبيب، مؤكدا على أن الدواء سام ومضر.

وقال فيلر إن اللحظة الفاصلة التي أبعدته عن عمله السابق كممرض في هذا المجال، كانت عندما حقن "إميت" بحقنة الدواء بشكل إجباري بعد أن قام عدّة ممرضين بتثبيته، منتقدا هذا الإجراء الروتيني المُتبع في معظم أنحاء العالم، والمثير للجدل بسبب إتاحة استخدام العنف والقوة مع المرضى النفسيين.

ما هي الشيزوفرانيا؟

أصر الكاتب على توضيح مغالطة يقع فيها الناس عادة عندما يقومون بوصف أو تحليل المُصابين بالشيزوفرانيا، أو حتى بالتعامل معهم، مشددا على أن هذا المرض لا يعني انقسام الشخصية، ولا تعدد الشخصيات، لكنه قال أيضا إن شرح المرض شائك، حيث أن هناك نقاشات عدّة في أوساط علماء الطب النفسي والجينات والوراثة والأعصاب وغيرها من الحقول الطبية المرتبطة، حول مُسببات المرض والمخاوف بشأن تصنيفاته وسُبل علاجه، بل أن النقاش أيضا يشكك بتشخيص الشيزوفرانيا.

وبدأ فيلر بالإشارة إلى أن اللغة المُستخدمة في معجم "الأمراض العقلية"، مثيرة للجدل، بما في ذلك التعبير "أمراض عقلية"، حيث أن الجدل حول أي مصطلح يرتبط بشكل عام بمدى طبيّته.

وأشار إلى أنه إذا اعتبرنا أن استخدام خدمات الصحة العقلية وأن الأفكار المؤلمة والمشاعر الحزينة، والتي من المُفترض أنها عبارة عن تفاعلات للخلايا العصبية في الدماغ، هي مؤشرات على المرض، وأن المرض النفسي هو كأي مرض جسدي آخر، فذلك يعني أن مُعظم الناس يُمكن أن نصفهم بـ"المرضى".

لكن في حال اتبعنا التوجه السائد الذي يتبناه معظم العاملين في المجال، والأشخاص العاديين، والتي تتلخص بأن أفكارنا المُقلقة والمخيفة، والتغيرات المتطرفة في مزاجنا، والسلوكيات غير المعتادة التي نمارسها أحيانا، ليست أعراض لأي مرض بقدر ما تمثل ردا طبيعيا على صدمة غير محلولة، أو تفاصيل حياتية مؤلمة، أو حتى الفقر، فإن اعتبار الأشخاص الذين يعانون من أمور كهذه "مرضى"، سيحدث مشكلة كبيرة. لذا بدأ الأطباء بوصف الأشخاص الراغبين بعلاجات لهذه الظواهر، بـ"متلقي الخدمات النفسية"، وهو مصطلح جيّد لحياديته، لكن فيلر يتساءل عما يعنيه هذا المصطلح بالنسبة للأشخاص المحتجزين داخل المصحات النفسية ضد إرادتهم، هل يُمكن وصفهم بمجرد "متلقي خدمات"؟

ولفت فيلر إلى أن الصراع اللغوي بين توصيفات الأشخاص في مجال الصحة النفسية، هي أساس المجال. فعلى أرض الواقع، تنبع مُعظم تشخيصات الأمراض في علم النفس، من الكلمات التي يستخدمها المختصون لوصف الحالات التي يواجهونها، وقلة قليلة من هذه الحالات يتم فحصها عبر اختبارات الدم أو التحليلات الدماغية أو أي وسيلة علمية دقيقة أخرى.

لكن اللغة المُستخدمة في التشخيص النفسي، لديها القدرة على تغيير حياة الناس كليا، سواء كان ذلك إيجابيا أو سلبيا. وأشار الكاتب إلى أن هذا الخلاف الموجود حول وصف "المريض"، يأخذ زخما أكبر وأكثر خطورة عندما يوصف الشخص بـ"الشيزوفرينيا".

وقال فيلر إن هناك معركة "شرسة" بين مدرستي الطب النفسي السائدتين، علم النفس والطب العقلي، حول تسمية هذا النوع من الأمراض النفسية. لكن "الذهان"، الذي يُعتبر عموما، سمة مميزة للشيزوفرينيا، هو أكثر المفاهيم الخاطئة الشائعة. ورغم أنه مصطلح غير دقيق، إلا أنه في أبسط حالاته الذهنية، يصف ظاهرة فقدان الشخص الاتصال بالواقع، أو فقدان الاتصال بما يعتبره معظم الناس حقيقة.

ولا يُعتبر مرضا بحد ذاته، لكنه قد يكون أحد أعراض مرض ما. والكثير من البشر قد يختبرون الذهان في مرحلة ما خلال حياتهم، إن كان ذلك جرّاء الإصابة بالخرف، أو على شكل ردود أفعال على الضغط الشديد أو الصدمة أو غيرها، وفي الحالة الأخيرة، فإن معظمنا سينظر إليها على أنها طريقة للتأقلم مع الأزمات الحياتية الصعبة. 

ومن غير المهم ما هي الحالة التي تُسبب للشخص هذه الظاهرة، فإنه يشعر بها عادة عن طريق الهلوسة والأوهام. وفي حالة مريض فيلر السابق، فإنه من الممكن وصف قناعة "إميت" بأن الممرضين كانوا يتآمرون عليه من أجل إجباره على تناول الدواء، بالوهم، لكن يُمكن وصفها أيضا، برد فعل مفهوم لما كان يحدث له.

وأشار فيلر إلى أن معظم الناس المُشخصين بأنهم مصابون بالشيزوفرانيا يعانون من هذا النوع من الانفصال عن الواقع، وغالبًا، لكن ليس دائما، يؤدي هذا الشعور إلى سلوكيات غريبة بينما يحاول المُصاب بالمرض التأقلم مع عالمه العدائي المتخيل.

وأكد فيلر أن الذهان قد يكون سمة رئيسية للشيزوفرانيا، لكنه لا يعبر عن الصورة الكاملة للمرض الذي يُمكنه أن يشمل أعراض أخرى، كتفكك عملية التفكير؛ والتلعثم في الكلام؛ والسلوك غير المنظم؛ والاستجابات العاطفية غير اللائقة؛ وضعف الانتباه والانكفاء على الذات.

وقال فيلر الذي تفرغ للكتابة عن مواضيع الصحة النفسية بعد أن انتقل من المجال العملي في الطب النفسي إلى البحثي، إن ما نُطلق عليه اسم "مرض عقلي" هو عبارة عن حالة فوضوية قد يكون فهمها في غاية الصعوبة، لكن ذلك لا يعني أن يتوقف المرء عن المحاولة.

وأضاف أنه أدرك أنه بحاجة إلى التفكير أكثر في مفاهيم مثل الأفكار المسبقة حول الشيزوفرينيا، ولماذا قد تكون الحملات المضادة لهذه الأفكار حول المرض، غير مجدية؛ وفي التشخيص النفسي وعيوب الأساليب العلمية المتبعة فيه؛ وبأسباب "المرض العقلي"، وكيف يُمكن أن تكون الحالات التي "تستدعي العلاج"، غير مرتبطة بالحالة النفسية للفرد؛ وفي الأوهام والهلوسات، التي تخطر لأي إنسان؛ وفي الأدوية النفسية ونجاعتها، وعيوب الأدلة التي تبرر استخدامها مع المرضى أو وصفها لهم.

 


 

التعليقات