26/12/2020 - 15:00

حكاية لقاح "فايزر- بايونتيك": من مائدة الإفطار إلى التطعيم!

يجلس زوجان باحثان إلى المائدة صباح نهار شتوي لتناول الفطور في مطبخ منزلهما في ألمانيا. يومها اتفق أوغر شاهين، المدير التنفيذي لشركة التكنولوجيا الحيوية الألمانية "بايونتيك"، وزوجته أوزلام توريجي، على أمر واحد: "ضرورة إطلاق" أبحاث لتطوير لقاح ضد فيروس كورونا

حكاية لقاح

لقاح فايزر (أ. ب.)

يجلس زوجان باحثان إلى المائدة صباح نهار شتوي لتناول الفطور في مطبخ منزلهما في ألمانيا. يومها اتفق أوغر شاهين، المدير التنفيذي لشركة التكنولوجيا الحيوية الألمانية "بايونتيك"، وزوجته أوزلام توريجي، على أمر واحد: "ضرورة إطلاق" أبحاث لتطوير لقاح ضد فيروس كورونا المستجد، الذي ظهر في الصين.

وكان أوغر شاهين قرأ للتو مقالا علميا يصف التفشي الكبير لهذا الفيروس في مدينة ووهان. وتقول زوجته "استنتج من ذلك بأن هناك احتمالات كبيرة بأن تكون جائحة على الأبواب".

وبدأت نقطة انطلاق مغامرة ستفضي إلى تطوير أول لقاح ضد كوفيد-19 يرخص في العالم الغربي. وهو إنجاز تم التوصل إليه خلال فترة زمنية قياسية.

وفي 24 كانون الثاني/يناير، قرر الزوجان تخصيص كافة موارد شركتهما التي كانت تتركز حتى الآن على العلاجات المناعية لمرض السرطان، لتطوير علاج للالتهاب الرئوي الفيروسي مجهول المصدر.

وعامل السرعة أساسي في هذه العملية التي اطلق عليها اسم "سرعة الضوء".

وأكدت توريجي "منذ ذلك التاريخ (...) لم يمر يوم لم نعمل فيه على هذا المشروع".

وبعد أربعة أيام في 28 كانون الثاني/يناير أكدت ألمانيا تسجيل أول حالة معروفة لانتقال العدوى بين البشر على الأراضي الأوروبية.

وبعد أقل من اسبوعين كشفت منظمة الصحة العالمية لأول مرة اسم الوباء الجديد: كوفيد-19.

وبدأ الربيع يحل على مدينة ماينز حيث مقر شركة "بايونتيك" عندما تحول الوباء الذي تفشى في الصين إلى أزمة صحية عالمية.

وأرغم ازدياد الحالات الحكومات على إغلاق الحدود والمدارس والمؤسسات الثقافية والرياضية والإدارات. وبات العالم في عزلة.

وباشرت شبكة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تقف وراء نجاح الاقتصاد الألماني، أنشطتها لرفع التحدي الجديد.

وعلى مسافة قريبة من "بايونتيك"، كثفت إحدى المؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تأسست قبل 130 سنة وتيرة انتاجها.

ورغم أنه غير معروف، تبين أن الأخصائي في زجاج "شوت" طرف أساسي في صناعة الأدوية بفضل زجاجاته المستخدمة بالملايين في الأبحاث السريرية حول الفيروس.

والزجاج الذي ينتجه وبات اختصاصه، مطلوب بقوة لقدرته على تحمل درجات الحرارة القصوى من 80 درجة تحت الصفر إلى 500 درجة. وهي ميزة ستكون أساسية إذ أنه يجب تخزين لقاح "فايزر-بايونتيك" في حرارة 70 درجة مئوية تحت الصفر.

وبحلول نهاية 2021 ينوي مصنع زجاج شوت انتاج زجاجات تكفي لملياري جرعة لقاح.

وواجهت الشركة كوفيد-19 حتى داخل مقارها. وسرعان ما تفشى الفيروس في مركز انتاج مهم في مترنيخ ببافاريا بعد إحدى حفلات الجعة، لتصبح المنطقة أول بؤرة لانتشار كوفيد-19.

ونتيجة إغلاق الحدود، لم يتمكن عمال يتحدرون من جمهورية تشيكيا من "لقاء أصدقائهم أو أسرهم لأسابيع".

وفي كافة انحاء العالم منعت الجائحة الطائرات من التحليق وحولت المطارات التي تعج عادة بالمسافرين إلى مبان مقفرة وكئيبة.

وفي مركز الشحنات الدوائية، التابع لخدمة "لوفتهانزا" للشحن في مطار فرانكفورت، يتسارع النشاط ويتصاعد التوتر.

ويستعد أكبر مركز أوروبي لنقل الأدوية، الذي تولى نقل 120 ألف طن من الأدوية العام الماضي، لنقل الملايين من جرعات اللقاح.

ويملك المركز مساحة مكيفة تقدر بـ12 ألف متر مربع مخصصة لهذا النوع من المنتجات. ودرجات الحرارة المطلوبة تؤمن في حاويات خاصة بواسطة كتل من الثلج الجاف، ثاني اكسيد الكربون بشكله الصلب في درجات حرارة تبلغ 78.9 تحت الصفر.

و"فرابورت" الشركة المشغلة لمطار فرانكفورت ليست المؤسسة الوحيدة التي تستثمر في مجال التبريد.

وفي ولاية بادن-فورتمبيرغ (جنوب غرب) دخلت "بايندر" وهي شركة ألمانية غير معروفة صغيرة إلى متوسطة الحجم، على الساحة.

ما هو اختصاصها؟ انتاج "ثلاجات فائقة البرودة" تكون درجة الحرارة فيها "أكثر برودة من القطب الشمالي" بحسب الاعلام الألماني. بالتالي يمكن لدرجات الحرارة ان تصل حتى 90 درجة مئوية تحت الصفر.

وقامت مؤسسة "توتلينغن"، التي تعد من الشركات الرائدة في السوق، أولا بتزويد المختبرات ثم الوسائل اللوجستية وباتت تتعاون مع السلطات الألمانية لتجهيز مراكز التلقيح.

وأعلنت المكلفة المكتب الإعلامي، آن لينز: "كل شيء بدأ في آب/أغسطس عندما تلقينا طلبات من شركات الخدمات اللوجستية (...) وأكدت أن 'علينا تجهيز مراكزنا المخصصة للتخزين بثلاجات'".

وأضافت "مذاك ازداد الطلب لدرجة أصبحنا نعمل على مدار الساعة ونوظف ونبحث عن مزيد من الموظفين".

وفي 18 تشرين الثاني/نوفمبر بعد 10 أشهر على إطلاق مغامرتها العلمية، أعلنت "بايونتيك" مع شريكها الأميركي "فايزر"، أن لقاحها ضد كوفيد-19 فعال وآمن بنسبة 95%. وهي نسبة قريبة من شركة "موديرنا" التي تتنافس معها لتطوير التقنية نفسها لمواجهة الوباء.

وعلى وقع هذه الأنباء تحسنت البورصات العالمية، واستعاد العالم أجمع الأمل.

لكن في مدينة ماينز من غير الوارد الانجرار وراء الحماسة. وقال شاهين ممازحا في حديث لوكالة "فرانس برس": "على كل الحال الاحتفال بالشامبانيا ليس من عاداتنا".

وأثناء احتساء فنجان من الشاي، يفكر الزوجان وهما في العقد الخامس من العمر وأبناء مهاجرين أتراك، "بما حصل حتى الآن وكل ما سيحصل مستقبلا".

وفي الثاني من كانون الأول/ديسمبر، كانت بريطانيا أول بلد غربي يجيز بشكل طارىء استخدام لقاح "فايزر-بايونتيك".

وتلتها في هذه الخطوة الولايات المتحدة والسعودية وسنغافورة. وبدأ صبر ألمانيا التي ضربتها بقوة موجة ثانية من حالات كوفيد-19، ينفذ.

ومارست ضغوطا على الوكالة الأوروبية للأدوية، الهيئة الناظمة، لتتخذ قرارا بشأن اللقاح والذي كان مقررا في 29 كانون الأول/ديسمبر على أبعد تقدير.

وفي 21 من الجاري أعطت الوكالة الأوروبية للأدوية الضوء الأخضر للقاح، قبل أكثر من أسبوع من الموعد المحدد. واعلن الاتحاد الأوروبي بدء حملة التلقيح في 27 منه.

وفي مركز هامبورغ أكدت السلطات الصحية أنها مستعدة في حين بدأت "بايونتيك" عمليات تدريب على الإنترنت مع أطباء وممرضات. وتجيب الشركة على أكثر من ألف سؤال من الفرق الطبية.

وانطلقت أولى الشاحنات المحملة بجرعات اللقاح من مصنع "فايزر" للإنتاج في بلجيكا، الأربعاء.

وتتجه الشاحنات إلى مراكز التوزيع الـ25 التي حددتها السلطات الفدرالية الألمانية، التي ستنقلها لاحقا إلى مناطق البلاد ال294 بحسب بايونتيك.

وسيواكب عناصر شرطة مسلحون القوافل على طول الطريق. وتتخوف ألمانيا من عمليات تخريب محتملة بعد أن ازداد عدد الرافضين للقاح وأولئك الذين لا يؤمنون بوجود الفيروس، منذ الصيف.

وفي مرحلة أولى سيتم تلقيح الأشخاص الأكثر عرضة للخطر الذين تزيد أعمارهم عن ثمانين عاما.

وتفشى الفيروس بقوة في عدد من دور رعاية المسنين ويبقى عدد الوفيات اليومية مرتفعا.

وتعتبر المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، أن كل لقاح سينقذ حياة بشرية. وتقول: "عندما نرى عدد الأشخاص الذين توفوا جراء هذا الفيروس ندرك حينها عدد الأوراح التي سينقذها اللقاح".

وفي برلين كما في مناطق أخرى ستتوجه فرق طبية متنقلة الأحد إلى دور لرعاية المسنين لبدء أول عمليات التلقيح.

التعليقات