02/05/2021 - 23:02

الجائحة داخل الجائحة

إن الرسالة واضحة: إذا لم نتحرك الآن للحد من استخدام المضادات الحيوية، فإننا نكون بذلك نشجع على حدوث جائحة جديدة، ولكن عكس كوفيد -19 فلا يوجد لقاح يمكن أن ينقذنا.

الجائحة داخل الجائحة

في الهند حيث يتسارع تفشي الجائحة (أ ب)

إن الخوف من وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) قد تسبب في زيادة المبيعات بدون وصفة طبية، كما تسبب في زيادة مبيعات الوصفات الطبية داخل المستشفيات فيما يتعلق بالمضادات الحيوية، ما يشعل جائحة صامتة في أعقاب جائحة كوفيد-19.

عالميا، ارتفع استخدام المضادات الحيوية في المستشفيات بشكل كبير منذ بداية جائحة كوفيد-19، وعلى الرغم من أن الدراسات تظهر أن 8% فقط من المرضى المصابين بكوفيد-19 الذين يتم إدخالهم للمستشفيات، يعانون كذلك من التهابات تتطلب مضادات حيوية فإنه يتم إعطاء تلك المضادات لنسبة 70% منهم. بالإضافة إلى ذلك فإن العديد من الناس الذين يشعرون بالقلق من أعراض محتملة أو فعلية لكوفيد-19، ومن التقارير العالمية المتعلقة بالجائحة؛ قد صاروا يشترون المضادات الحيوية بدون مراجعة أحد العاملين في مجال الرعاية الصحية.

إن هذا يشعل أزمة عالمية تتعلق بمقاومة المضادات الحيوية حيث تتطور البكتيريا وتصبح لديها مناعة ضد تلك الأدوية وعليه يجب أن نتحرك بسرعة -من خلال السياسات العالمية والقوانين الوطنية والعمل المحلي- من أجل السيطرة على ما أشارت إليه منظمة الصحة العالمية على أنه أحد التهديدات الصحية الرئيسية العشرة للبشرية.

في مكان خُصِّص لإحراق جثث الموتى بالهند (أ ب)

إن المضادات الحيوية تعالج الالتهابات التي تتسبب بها البكتيريا وليس لديها أي تأثير على فيروس مثل سارس-كوف -2 والذي يسبب كوفيد-19. إن الاستخدام المفرط لتلك المضادات يتسبب فقط في تسريع ظهور مقاومة المضادات الحيوية والتي سوف تحد من قدرتنا على معالجة الأمراض الشائعة. إن الالتهابات البسيطة مثل الالتهاب الرئوي أو التهاب المسالك البولية والتي يمكن معالجتها حاليا بشكل سريع من خلال المضادات الحيوية الشائعة قد تصبح من المستحيل معالجتها، أو قد تصبح مميتة.

إن هذا ينطبق بشكل خاص على العديد من الدول الأفريقية والأميركية الجنوبية والآسيوية حيث هناك قدرة محدودة على الوصول إلى العاملين في مجال الرعاية الصحية، ولا توجد قيود على مبيعات المضادات الحيوية.

وفي الهند ارتفعت مبيعات المضادات الحيوية بشكل فلكي في السنوات الأخيرة وهذا يعود بشكل كبير إلى المشتريات بدون وصفة طبية والتي لا تخضع لأي تنظيم بما في ذلك أدوية غير معتمدة، وبالمثل يمكن شراء المضادات الحيوية في كينيا بدون وصفة طبية.

إن البكتيريا التي تطور مقاومة للمضادات الحيوية المتعددة مسؤولة عن التسبب في التهابات صعبة العلاج والتي تزيد من احتمالية الوفاة بمقدار ثلاث مرات مقارنة بالالتهابات التي تتسبب بها بكتيريا غير مقاومة. إن البيانات من عدة بلدان –بما في ذلك الصين ومصر- تشير إلى أن نحو 50% من الالتهابات التي تتسبب بها البكتيريا في وحدات العناية المركزة مقاومة لعدة مضادات حيوية.

وفي الولايات المتحدة الأميركية، هناك تقديرات بأن حوالي ثلاثة ملايين شخص يصابون بالتهاب مقاوم للمضادات الحيوية كل عام مما يؤدي إلى أكثر من 35 ألف وفاة سنويا.

إن هناك احتمالية أكبر أيضا أن تنتشر البكتيريا المقاومة للأدوية من شخص لآخر، كما إنها تُعرف بالتسبب بتفشي الأمراض على نطاق واسع في المستشفيات. إن العديد من أجنحة علاج كوفيد-19 حول العالم تعاني حاليا من هذه المشكلة.

كأخصائية في الأمراض المعدية تعمل في الصفوف الأمامية لإدارة كوفيد-19 وتقود أيضا علاج الالتهابات المقاومة للأدوية في كينيا، واجهت صعوبات في كثير من الأحيان من أجل علاج مرضى يعانون من التهابات بكتيرية حادة طورّت مقاومة لجميع المضادات الحيوية المتوفرة.

إن العديد من الأدوية التي تم تطويرها مؤخرا والتي لديها إمكانية لمعالجة البكتيريا المقاومة تكون في الغالب مكلفة جدا وغير متوفرة في العديد من البلدان. إن تلقي مثل هذه الأدوية المضادة للبكتيريا لمدة 10 أيام في كينيا على سبيل المثال يكلف حوالي 10،000 دولار أميركي، مما يعني أنها في غير متناول معظم المرضى.

(أ ب)

في واقع الأمر، إن العديد من المرضى الذين يدخلون المستشفى لتلقي علاج كوفيد-19 يقولون إنهم قد استخدموا أحد المضادات الحيوية أو أكثر في المنزل، في محاولة لعلاج بعض من الأعراض التي أصابتهم، وغالبا فإن استخدام تلك الأدوية قد جعلهم يشعرون بأنهم يتلقون العلاج مما جعلهم يأخرون ذهابهم للمستشفى.

قد يجادل البعض بأن السماح باستخدام غير مقيد للمضادات الحيوية؛ يمكن أن يمكّن أولئك الذين يجدون صعوبة في رؤية طبيب من الوصول للعلاج، وقد يكون أرخص بالنسبة للفقراء، ولكن علاج مقاومة المضادات الحيوية بسبب ذلك يعتبر مكلفا، ويحتمل أن تتسبب تلك المقاومة للمضادات الحيوية بخسائر في الأرواح.

ما الذي يجب أن نفعله من أجل توجيه ضربه استباقية لهذه الجائحة القادمة؟ يتوجب على منظمة الصحة العالمية وغيرها من الوكالات العالمية الأخرى التحدث بصراحة وبشكل أقوى وأوضح بكثير، ضد استخدام المضادات الحيوية في حالات كوفيد-19 ما لم يتم وصف تلك الأدوية على وجه التحديد لالتهاب بكتيري آخر.

بالإضافة إلى ذلك يتوجب على الحكومات الوطنية تشديد القيود على مشتريات المضادات الحيوية بدون وصفة طبية. إن الدلائل تشير إلى أن إدخال القوانين وتطبيقها من أجل الحد من تلك المبيعات يمكن أن تكون فعالة لو تم استدامة تلك الجهود مع مرور الوقت.

إن الطلب من الصيدليات عرض إشعار مكتوب يشير إلى أن بيع المضادات الحيوية إلى الزبائن بدون وصفة طبية يعتبر أمرا غير قانوني، له تأثير إيجابي في تخفيض مبيعات المضادات الحيوية.

يجب أن تتبنى المستشفيات ما يسمى بإستراتيجيات إدارة المضادات الحيوية لتقليل الوصفات الطبية غير الضرورية. إن هذه الإجراءات يمكن أن تقود إلى تقليل استخدام وتكلفة المضادات الحيوية والتقليل من مخاطر الالتهابات المقاومة للمضادات الحيوية في المستشفيات.

إن الإستراتيجيات الفعالة قد تتضمن تطوير إرشادات لإدارة الالتهابات الشائعة، وتقييد استخدام المضادات الحيوية في الالتهابات الفيروسية وتعزيز قدرات المختبرات -وخاصة في البلدان محدودة ومتوسطة الدخل-، وذلك من أجل مساعدة الأطباء على تحديد البكتيريا الصحيحة من أجل معالجتها، وتوفير التعليم المستمر لجميع الأطباء.

أخيرا، فإنه على الأفراد -وعلى الرغم من مخاوفهم المفهومة المتعلقة بكوفيد-19- أن لا يخاطروا بأن يلحقوا الأذى بأنفسهم من خلال استخدام المضادات الحيوية بدون داعٍ.

إن الرسالة واضحة: إذا لم نتحرك الآن للحد من استخدام المضادات الحيوية، فإننا نكون بذلك نشجع على حدوث جائحة جديدة، ولكن عكس كوفيد -19 فلا يوجد لقاح يمكن أن ينقذنا.


* لويس أتشينغ أومباجو: مختصة في الأمراض المعدية في جامعة نيروبي، وزميلة في معهد "إسبين".

يُنشَر المقال بالتعاون مع "بروجيكت سنديكيت".

التعليقات