13/03/2022 - 20:15

كيف تحمي صحّتك النفسيّة من سيْل الأخبار العارم؟

من السهل أن تشعر بالعجز في خضم المتابعات الإعلامية المرعبة، ولكن باستخدام بعض الإستراتيجيات، يمكن أن يكون لديك تأثير إيجابي على رفاهيتك وكذلك على الأشخاص الآخرين القريبين والبعيدين منك.

كيف تحمي صحّتك النفسيّة من سيْل الأخبار العارم؟

(توضيحية- Pixabay)

المصدر: موقع SELF المتخصِّص في الصحّة النفسيّة. ترجمة: أنس سمحان.


تفرض عليك حياتك في القرن الواحد والعشرين المُغرق بالاتصالات والإنترنت، التعرّض لفيضان إخباري مندفع وغير منقطع، ونغرق على إثر هذا في العناوين الرئيسة والصور والقصص حول العديد من الأحداث الإخبارية المزعجة غالبًا في وقت حدوثها في العالم. نعم يمكن للاطلاع على ما يحدث من حولنا والتواصل معه أن يساعدنا على فهم العالم الذي نعيش فيه والمشاركة فيه بشكل أفضل، ولكن لا يخفى على أحد أن الانغماس في الأخبار قد يكون مُضرًا بصحتك النفسية، خاصةً أثناء المتابعة الإعلامية المكثفة حول أمورٍ مثل الحروب والصراعات، والكوارث البيئية، والانتخابات السياسية والعنف الجماعي، وتهديدات الصحة العامة والكوارث الاجتماعية.

وتقول دانا روز جارفين، الأستاذ المساعدة في جامعة كالفورنيا، والتي تدرس كيفية تأثير التعرض للصدمة على الصحة الجسدية والنفسية: "تخبرنا كثير من الأبحاث بارتباط التعرض العالي والمستمر لوسائل الإعلام ومع تكرار الأحداث، بالاضطرابات النفسية". وقد وثقت ورقة بحثية نُشرت عام 2020 في مجلة Health Psychology التابعة للجمعية الأميركية لعلم النفس هذا التأثير، حيث ربطت زيادة تعرّض وسائل الإعلام في أعقاب الأحداث المأساوية، مثل 11 سبتمبر أو العنف الجماعي، إلى اضطرابات نفسية أعلى إلى جانب أعراض جسدية أخرى سيئة.

التعرّض العالي والمستمر لوسائل الإعلام مرتبِط بالاضطرابات النفسية (Pixabay)

كيف لنا إذن أن نتعامل مع الأخبار خلال أوقات المتابعات الإعلامية المتزايدة، وعندما يبدو أن ما يحدث في العناوين هو حديث الناس جميعًا؟ كيف نحقق التوازن بين البقاء على اطلّاع والمشاركة من ناحية، وبين الاعتناء بأنفسنا ذهنيًا وعاطفيًا من ناحية أخرى؟ لا إجابات بسيطة هنا، ولكن توجد الكثير من النصائح والأفكار الممتازة التي يمكن أن تساعد حقًا.

وفي ما يلي 13 طريقة للتعامُل مع التغطيات الإعلامية المجهِدة نفسيًا، بناءً على نصيحة مدعومة من الخبراء:

1. أعطِ جسدك الطعام والماء الذي يحتاجهما

سنصل إلى إستراتيجيات التفاعل مع الأخبار نفسها بعد قليل، ولكن ينبغي لنا التطرق أولا لأساسيات الرعاية الذاتية التي تُنسى بسهولة وقت الانغماس في المتابعات الإعلامية. يعدّ الغذاء والماء من الاحتياجات الأساسية لجسد الإنسان، وعدم الاهتمام بهما يمكن أن يُمارس ضغطًا إضافيًا على جسمك، وبالتالي على صحتك النفسية. قد يثبط الإجهاد بشكل عام شهيتك، وقد تجعلك المتابعة الحثيثة للأخبار تنسى تجهيز وجبات الطعام وشرب الماء الكافي، مما يجعلك تشعر بتدهور صحتك النفسية مع مرور الوقت، لذا، وبغض النظر عما يحدث في العالم الآن، ادعم نفسك من خلال جعل تغذية جسمك وشرب الماء أولوية قصوى. جرب أن تأكل وتشرب بجرعات خفيفة ومتقطعة عند شعورك بالإجهاد والتعب.

2. افعل ما بوسعك لتنال قسطًا كافيًا من الراحة

يُعدّ النوم أيضًا من الاحتياجات الأساسية للإنسان، وتؤدي عدم تلبيتها إلى تفاقم عبء الإجهاد عليك. كلّما قلّ عدد ساعات النوم التي تنالها، صرتَ أكثر عرضة للقلق والسلبية، وكما تخبرنا د. أندريا بونيور، أخصائية علم النفس الإكلينيكي ومؤلفة كتاب "تخلص من سموم أفكارك": "إذا كنت لا تنام بما فيه الكفاية، فسيرى جسمك كل شيء على أنه تهديد لحمايتك". وهذا ينطبق على عناوين الأخبار وحتى على الأحداث البعيدة، سواء كنت تتصفح الأخبار السيئة بعد منتصف الليل، أو إذا كنت مُجهدًا بشكل عام.

كلما ارتحت أكثر، كنت أفضل تجهيزًا للتعامل مع دورة الأخبار المجهدة. اقرأ عن أساسيات النوم وطقوسه وابحث عن تطبيقات النوم لتساعد نفسك في الحصول على قسط أفضل من الراحة خلال الليل، وفكّر في أخذ قيلولة إذا استطعت. غالبًا ما يكون الحديث عن الحصول على قسط كافٍ من الراحة الجيدة أسهل من فعله، خاصةً عندما تكون مُتعبًا ومُجهدًا. لكن الأمر يستحق المحاولة.

3. خصِّص وقتًا للتخلص من التوتّر ولأنشطة الرعاية الذاتيّة

يُعدّ هذا، إلى جانب تلبية احتياجاتك الأساسية، وقتًا حاسمًا للاعتماد على المنافذ التي تساعد في تبديد أو توجيه الضغط المتزايد والذي غالبًا ما يصاحب المتابعة الإعلامية المستمرة. ما نحاول قوله إنه من المفيد ممارسة الرعاية الذاتية، والقيام بأنشطة تعزز الشعور بالراحة في عقلك وجسدك. تعمل أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين، ولا توجد طريقة صحيحة للقيام بذلك.

"خصِّص وقتًا للتخلص من التوتّر" (Pixabay)

بعض الأفكار: جرب التأمل الموجَّه أو اخرج للتشمس أو استنشاق والهواء النقي أو حاول الاعتراف بمشاعرك أو اخبز كعكة في المطبخ، أو خذ حمامًا ساخنًا، أو جرب البكاء، أو أخرج للمشي، أو اصرخ في وسادة، أو اشترِ دفتر تلوين، أو اكتب دفتر يومياتك، أو مارس بعض تمرين التنفس الواعي، أو خذ لنفسك مساحة لتفرح وتضحك، اتصل بصديقٍ لك، أو اذهب إلى نادي الرياضة وفرّغ إجهادك عبر تحريك جسدك.

4. تذكّر أن المزيد من المعلومات ليس بالضرورة أفضل

من الطبيعي أن تشعر بالقلق خلال المواقف المقلقة أو المخيفة أو سريعة التطور، ومن المفهوم أن نحاول التعامل مع هذا القلق من خلال البحث عن الراحة واليقين ومحاولة التحكم في كل شيء، عبر تلقّي المزيد من المعلومات، كما توضح جمعية القلق والاكتئاب الأميركية (ADAA). لكن الاعتقاد بأنه يمكننا التحكم بالموقف أو معرفة ما سيحدث في المستقبل من خلال جمع المزيد والمزيد من المعلومات وقراءة المزيد من القصص والمزيد من التغريدات؛ هو اعتقاد خاطئ.

(Pixabay)

لن تمنحك الأخبار المستهلَكة أبدًا، الشعور بالأمان الذي قد تبحث عنه كما تشير جمعية القلق والاكتئاب الأميركية، ولا يمكن للأخبار أن تجيب عن جميع أسئلتك، بل ومن المحتمل أن ترى تراجعًا في تحكمك بالموقف كلما قرأت أكثر، نظرًا لأن الكثير من المعلومات ستكون زائدة عن الحاجة. لذلك قد يكون من المفيد أن تتقبل وجود الكثير من الأمور الخارجة عن سيطرتك بحسب جمعية القلق والاكتئاب الأميركية، وأن عليك التركيز على الأشياء التي لديك تحكم فيها، مثل الاعتناء بنفسك، وإعادة تشكيل عادات استهلاك الأخبار لديك، ومساعدة الآخرين.

5. التزم ببعض مصادر الأخبار الموثوقة

من المفيد لعقلك أن يكون له حِمية متنوعة من وسائل الإعلام التي تغذي بها نفسك، ولكن إذا شعرتَ أن السيل عارم، فتذكر أنك لست بحاجة إلى قراءة كل ما يتم عرضه عبر الإنترنت، خصوصًا المحتوى القائم على الإثارة والترويج للخوف والمعلومات المضللة.

"المزيد من المعلومات ليس بالضرورة أفضل" (Pixabay)

وتشير عالمة الأوبئة في كلية الصحة العامة بجامعة ألاباما في برمنغهام، بيرثا هيدالغو، في حوار لها مع SELF، إلى أنه "من المهم العثور على المصادر التي توفر المعلومات التي يحتاج الجمهور لسماعها بطريقة غير مسعورة وغير مثيرة للذعر"، لذا حاول الالتزام بعدد قليل من مصادر الأخبار الموثوقة التي تقدم لك الحقائق فقط.

6. الاشتراك في النشرات البريدية

تٌعدّ النشرات البريدية، التي تقدمها العديد من المنافذ الإخبارية، طريقة ملائمة للحصول على ملخص منتظم للأخبار الرئيسة من مصادر موثوقة. عندما يتم تسليم الأخبار إليك بطريقة محدودة وبشكل منتظم، يمكنك تمامًا تجنب البحث اللامتناهي عن الأخبار الجديدة، إذ إن الاطلاع على النشرات، أسهل بكثير من تحديث صفحات الأخبار كل بضع دقائق، كما أنها تعد طريقة فّعالة للبقاء مُطلّعًا مع حماية صحتك النفسية حماية استباقية.

7. نظّم ما تتلقاه من معلومات وأخبار

إذا كنت تعلم أنك ستتصفح المواقع، فجرب أن تجري بعض التعديلات المدروسة على صفحات الأخبار والمنشورات والتغريدات، والتي ستعمل بدورها على تحسين تجربتك. قد يعني هذا إلغاء متابعة حسابات معينة تزيد من معدل توترك عبر استخدام اللغة المثيرة للقلق أو عبر الصور الرسومية. اكتم بعض الوسوم (الهاشتاغات) في تويتر، أو قلل عدد المنافذ الإخبارية والمراسلين الذين تتابعهم.

نظّم وقتك وساعات نومك (Pixabay)

تتمثل إستراتيجية أخرى في إضافة أنواع أخرى من المحتوى إلى صفحتك الرئيسة على مواقع التواصل الاجتماعي بحيث تكون مختلطة ومتكاملة بشكل أكبر. يمكنك متابعة المزيد من الحسابات التي تقدم محتوى مشجعًا، سواء كانت تلك القصص الإخبارية الإيجابية، أو المقالات المدروسة، أو المحتوى المضحِك، أو الداعم للصحة النفسية، أو صفحات الحيوانات اللطيفة.

8. اطلب من شخص تثق به أن يقدّم لك ملخّصات الأخبار

يمكنك تقليل وقت تعرضك للشاشات وأن تمنح نفسك بضع دقائق من التواصل الاجتماعي المريح (الواقعي)، من خلال تلّقي أخبارك من شخص تحبه وتثق به. وتقول المعالجة وصاحبة مؤسسة "ماعت" للخدمات النفسية، د. عافية مبيليشكا: "لا تشاهد كل قصة إخبارية، أو حتى أيا منها، إذا استطعت.

اطلب من صديق أو أحد أفراد الأسرة تلخيص أخبار اليوم لك"، أو اتصل هاتفيًا بشخصٍ تحبه وتثق فيه لتساعدا بعضكما في هضم الأخبار ومعالجتها معًا.

9. ضع حدودًا أساسية لنفسك

جرِّب وضع قواعد صغيرة وبسيطة لتعيين بعض الحدود حول تعرضك لوسائل الإعلام. على سبيل المثال، قد تجعل الساعة الصباحية الأولى خالية من الأخبار، أو أن تتحقق فقط من موجز الأخبار، أو تفقد موجز الأخبار الاجتماعية في أوقات معينة محددة خلال اليوم.

امنح نفسك تواصلا واقعيا (Pixabay)

اجعل غرفة نومك أو طاولة المطبخ منطقة خالية من الأخبار/ أو من استخدام الهاتف، ضع القواعد التي تشعر أن بإمكانك تطبيقها.

10. ضع حدودا زمنيّة لوسائل التواصل الاجتماعي وتطبيقات الأخبار

بمجرّد الانتهاء من تصفحك المتواصل للأخبار السيئة، قد يبدو اتخاذ القرار الواعي بإغلاق التطبيق أو النافذة شبه مستحيل. لحسن الحظ، يمكن أن تساعدك التكنولوجيا في اتخاذ هذا القرار بنفسك في وقت مبكر (قبل أن تضيع في الدوامة). يمكنك تعيين حدود استخدام صارمة في وسائل التواصل الاجتماعي أو تطبيقات الأخبار باستخدام إعدادات هاتفك (توصية أخرى من دكتور مبيليشاكا).

(Pixabay)

كما توجد أيضًا تطبيقات تمنع تشتيت الانتباه وإضافات للمتصفحات يمكنك استخدامها لمنع نفسك من تصفح الأخبار خلال فترات معينة أو بمجرد بلوغك حدًا زمنيًا محددًا.

11. أوقف إشعارات الهاتف المحمول

هذه إستراتيجية واضحة، ولكنها غالبًا ما تُستخدم بشكل غير كافٍ، والتي اقترحتها د. ريانا إليز أندرسون، وهي أستاذة مساعدة في قسم السلوك والتثقيف الصحي في جامعة ميشيغان، تنصح كذلك بوضع بعض المسافة المادية بينك وبين هاتفك عن طريق وضعه في غرفة أخرى، على سبيل المثال، لمساعدتك على مقاومة رغبتك في تصفحه، ويوجد تكتيك آخر لاستخدام الإشعارات بشكل أكثر إستراتيجية، أي عبر تشغيل الإشعارات لشخص واحد أو مصدرين إخباريين محددين، وإيقاف تشغيل كل شيء آخر. يمكنك بهذه الطريقة أن تطمئن إلى أنه سيتم تنبيهك بشأن تحديثات الأخبار المهمة مع التخلي عن تفحص هاتفك باستمرار.

12. امنح لنفسك الفرصة لتبتعد عن الإنترنت بكليّته مؤقتًا

نعم، يُسمح لك بإيقاف تشغيل الأخبار والابتعاد عن تلفزيون الواقع أو حذف تطبيقاتك لمدة يوم أو يومين مع فصل الإنترنت والتركيز على أشياء أخرى. غالبًا ما نشعر بالذنب بشأن استخدام الإلهاء والإنكار عندما تكون الأمور صعبة، ولكن يمكن أن تكون هذه آليات تكيّف صحيّة لاستخدامها مع إستراتيجيات أخرى.

أنت وشخص تثق به ساعدا بعضكما في هضم الأخبار ومعالجتها معًا (Pixabay)

يوجد فرق كبير بين دفن رأسك في الرمال والاستخدام الإستراتيجي للإلهاء أو الهروب من الواقع لأخذ استراحة من الأخبار. وتقول الدكتورة بونيور: "يحتاج بعض الناس إلى إعادة ضبط ذهني، إذ يمكن أن يساعدك ذلك على إعادة شحن طاقتك حتى تتمكن من الاستمرار في المشاركة على المدى الطويل".

13. ابدأ خطوة خطوة

من السهل أن تشعر بالعجز في خضم المتابعات الإعلامية المرعبة، ولكن باستخدام بعض الإستراتيجيات التي نُوقشت أعلاه، يمكن أن يكون لديك تأثير إيجابي على رفاهيتك وكذلك على الأشخاص الآخرين القريبين والبعيدين منك. عندما تهتمّ بصحتك النفسية، يصير بإمكانك مساعدة الآخرين. والتفكير في الإجراءات الصغيرة الملموسة التي يمكنك اتخاذها الآن، ويساعدك ويساعد الناس من حولك بالاهتمام والانتباه. ربما يمكنك على سبيل المثال، أن تجعل صوتك مسموعًا أكثر من خلال العمل السياسي (من خلال الاتصال بممثل أو حضور احتجاج)، والتبرع إلى منظمة غير ربحية ذات سمعة طيبة لمساعدة الأشخاص المتضررين من الأزمة بشكل مباشر، أو المساعدة في منظمة محلية لا علاقة لها بما يجري في الأخبار. يمكن أن يساعدك القيام بشيء ما في العالم الحقيقي خارج زوبعة وسائل الإعلام، على إخراجك من دائرة الأخبار المجهدة، ولو لفترة وجيزة فقط، وإفادة الأشخاص الذين يعانون، واستعادة إحساس صغير، ولكنه حقيقي بدورك وقيمتك في العالم من حولك.

اقرأ/ي أيضًا | وماذا لو خسرت روسيا؟

التعليقات