أصبحت مواقع التواصل الاجتماعيّ جزءًا لا يتجزّأ من حياتنا اليوميّة، سواء في الطريقة الّتي نتواصل بها أو نتفاعل، أو حتّى نفكّر من خلالها، وقد غيّرت مواقع التواصل الاجتماعيّ الطريقة الّتي تعمل بها عقولنا، إذ كان لها تأثير عميق وكبير على الصحّة العقليّة والعاطفيّة، كما أثبتت دراسات عديدة أجريت في هذا المجال.
وأفادت دراسات أنّ مواقع التواصل الاجتماعيّ، خلقت لغة اتّصال جديدة بين البشر، مبنيّة على الاختصارات والرموز التعبيريّة بكافّة أشكالها. هذه اللغة الجديدة، جعلت التواصل أسرع وأكثر كفاءة، لكنّها في المقابل، قلّلت من جودة التواصل بين البشر، وبعد سنوات من استخدام هذه التطبيقات والمواقع، أصبح العديد من الأشخاص يفضّلون التواصل عبرها، بدلًا من إجراء محادثات وجهًا لوجه، ممّا أدّى إلى تراجع المهارات الاجتماعيّة، بالإضافة إلى زيادة القلق الاجتماعيّ.
وقال باحثون، إنّ مواقع التواصل الاجتماعيّ أيضًا خلقت ثقافة الإشباع الفوريّ، بعد أن اعتاد الناس على تلقّي ردود الفعل الفوريّة والتحقّق من صحّة من خلال الإعجابات والمشاركة والتعليقات، وقد أدّى ذلك إلى ثقافة الترويج الذاتيّ والنرجسيّة، ويسعى الأشخاص الآن باستمرار إلى التحقّق من الصحّة من خلال مواقع التواصل الاجتماعيّ وهم على استعداد لفعل كلّ ما يتطلّبه الأمر لكسب الإعجابات والمتابعين. وقد أدّى ذلك إلى انخفاض احترام الذات وزيادة القلق والاكتئاب.
كما خلقت مواقع التواصل الاجتماعيّ أيضًا ثقافة المقارنة، حيث أفادت دراسات أنّ مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعيّ، أصبحوا يقارنون أنفسهم باستمرار بالآخرين، وهو ما أدّى إلى أن يحكم الناس الآن على أنفسهم بناء على إعجاباتهم ومتابعيهم، بدلًا من إنجازاتهم وصفاتهم الشخصيّة. وقد أدّى ذلك إلى انخفاض في تقدير الذات وزيادة في القلق والاكتئاب. بالإضافة إلى تأثير الشبكات الاجتماعيّة على الطريقة الّتي نستهلك بها المعلومات، إذ يتلقّى الناس الآن معظم أخبارهم ومعلوماتهم عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ. وقد أدّى ذلك إلى انخفاض في التفكير النقديّ وزيادة في انتشار المعلومات المضلّلة.
أبرز الدراسات حول تأثير مواقع التواصل الاجتماعيّ على الصحّة العقليّة
تمّ إجراء العديد من الدراسات لفحص تأثير مواقع التواصل الاجتماعيّ على العقل، حيث استخدمت هذه الدراسات مجموعة متنوّعة من طرق البحث، بما في ذلك والتجارب والدراسات الطويلة، للتحقيق في تأثير مواقع التواصل الاجتماعيّ على مختلف جوانب الصحّة العقليّة.
وفحصت إحدى الدراسات الّتي أجراها باحثون في جامعة بنسلفانيا، العلاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعيّ والرفاهية، وتضمّنت الدراسة 143 مشاركًا تمّ تعيينهم عشوائيًّا، إمّا للحدّ من استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعيّ، أو لمواصلة استخدام وسائل التواصل الاجتماعيّ كالمعتاد لمدّة ثلاثة أسابيع، وأظهرت النتائج أنّ المشاركين الّذين حدّوا من استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعيّ شهدوا انخفاضًا كبيرًا في الاكتئاب والشعور بالوحدة مقارنة بأولئك الّذين استمرّوا في استخدام وسائل التواصل الاجتماعيّ كالمعتاد.
وفي دراسة أخرى أجراها باحثون في جامعة كاليفورنيا وإيرفين وجامعة بنسلفانيا، فحصّت العلاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعيّ والقلق، وتضمّنت الدراسة 1،787 مشاركًا أكملوا استطلاعات الرأي حول استخدامهم لوسائل التواصل الاجتماعيّ ومستويات القلق، حيث أظهرت النتائج أنّ المشاركين الّذين استخدموا وسائل التواصل الاجتماعيّ بشكل متكرّر كان لديهم مستويات أعلى من القلق مقارنة بأولئك الّذين استخدموا وسائل التواصل الاجتماعيّ بشكل أقلّ تكرارًا.
كما فحصت دراسة طوليّة أجراها باحثون في جامعة بيتسبرغ العلاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعيّ والاكتئاب لدى الشباب، وشملت الدراسة 1787 مشاركًا تمّت متابعتهم على مدار عامين، حيث أظهرت النتائج أنّ المشاركين الّذين استخدموا وسائل التواصل الاجتماعيّ بشكل متكرّر كان لديهم مستويات أعلى من الاكتئاب مقارنة بأولئك الّذين استخدموا وسائل التواصل الاجتماعيّ بشكل أقلّ تكرارًا. وفي دراسة أخرى أجراها باحثون في جامعة ميشيغان العلاقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعيّ والتعاطف، تضمّنت 72 مشاركًا تمّ تعيينهم عشوائيًّا إمّا لاستخدام فيسبوك أو لقراءة المقالات الإخباريّة لمدّة 20 دقيقة، أظهرت نتائجها أنّ المشاركين الّذين استخدموا فيسبوك لديهم مستويات أقلّ من التعاطف مقارنة بمن قرأوا المقالات الإخباريّة.
وأشارت مختلف الدراسات الّتي أجريت، إلى أنّ مواقع التواصل الاجتماعيّ، يمكن أن يكون لها تأثيرات كبيرة على الصحّة العقليّة والعاطفيّة، منها الاكتئاب والقلق وانخفاض احترام الذات.
التعليقات