27/03/2023 - 11:23

بين العلم والوهم: تقنيّات التعافي للرياضيّين

كما تابعنا في كأس العالم في قطر، يكافح اللاعبون التعب والإرهاق مع كلّ مباراة يلعبونها، لذلك استعنا ببعض الخبراء في هذا المجال، وسألناهم عن أفضل ممارسات التعافي والاستشفاء، وأيّها أفضل وأنسب

بين العلم والوهم: تقنيّات التعافي للرياضيّين

(Getty)

يجلس نجم البرتغال كريستيانو رونالدو في غرفة مبرّدة لحوالي 60 درجة تحت الصفر، أمّا كريم بنزيمة فيلجأ للحجامة، ونجوم كرة قدم آخرين يغمرون أجسادهم في المياه الجليديّة بعد المباريات، وغيرهم يستعينون بأسطوانات بلاستيكيّة لتدليك أطرافهم، أو بارتداء مشدّات لعضلاتهم.

هذه الممارسات مفهومة، وإن كانت غريبة بعض الشيء، خاصّة وأنّ التعافي والاستشفاء حيويّ للرياضين والرياضيّات، وبدونها سيستنزف المجهود الشاقّ والمتكرّر طاقة العضلات، ويتلفها مع إضعاف أداء الرياضيّ عمومًا، سواء كنت لاعبًا مبتدئًا يلعب لأوّل مرّة كأس العالم أو عداء في منتصف العمر يتدرّب لماراثون الربيع المقبل. ولكن أيّ هذه الممارسات يدعمها العلم فعلًا وأيّها مجرّد خرافات، ولا تتجاوز فائدتها الجانب النفسيّ؟ وهل لبعضها آثار سلبيّة؟

كما تابعنا في كأس العالم في قطر، يكافح اللاعبون التعب والإرهاق مع كلّ مباراة يلعبونها، لذلك استعنا ببعض الخبراء في هذا المجال، وسألناهم عن أفضل ممارسات التعافي والاستشفاء، وأيّها أفضل وأنسب.

الحمّامات الجليديّة

الحمّامات الجليديّة هي أحواض مملوءة بالماء والثلج، يستعملها الرياضيّون عادة لمدّة 10 أو 15 دقيقة خاصّة بعد بذل مجهودات جبّارة سواء في مباراة أو جلسة رياضيّة مرهقة. ويظنّ الكثير أنّ هذا الحمّام البارد يبطئ تلف العضلات، ويخفّف من التهاب المفاصل والأطراف، بل ويساعدهم على أداء أفضل في المستقبل. لذلك تنتشر حمّامات الجليد في كلّ مكان، ونجدها في غرف تبديل الملابس للفرق الرياضيّة، وتحظى أيضًا بشعبيّة بين العدّائين وراكبي الدرّاجات وغيرهم.

لا تدعم الدراسات العلميّة هذه الممارسات الاستشفائيّة، ففي دراسة أجريت عام 2014 بعنوان «فوائد الغمر بالماء البارد بعد التمرين وأوهامها»، غمر المشاركون أنفسهم بعد تمرين شاقّ في أحواض ماء متجمّد أو فاتر، فقط ليشيروا لاحقًا لأعراض جانبيّة مثل التورّم والالتهاب، بل والإرهاق. ولم يختلف الحمّام الجليديّ عن غمر الجسد بماء عاديّ من ناحية جسديّة واستشفائيّة، بل هناك مؤشّرات إلى أنّ تكرارها يضعف بناء العضلات.

يخبرنا جوناثان بيك، الأستاذ في جامعة كوينزلاند للتكنولوجيا في أستراليا، الّذي أجرى بعض الأبحاث حول هذا الموضوع، أنّ بعض رافعي الأثقال ممّن استحمّوا بالماء المجمّد أشاروا «لمكاسب أقلّ في كتلة العضلات» بعد الحمّام مقارنة بالرافعين الآخرين، إذ يبدو أنّ درجات الحرارة الباردة تعيق عمليّة إعادة بناء الأنسجة العضليّة المشدودة في أثناء التمرين.

الإضافة الوحيدة والأكيدة للحمّامات الجليديّة هي الشعور بألم أقلّ بعدها، إذ يشير روبرت هيلدال، عالم التمرينات الرياضيّة في جامعة بريغهام يونغ في مدينة بروفو بولاية يوتا، والّذي شارك في كتابة مراجعة بحثيّة حول تقنيّات التعافي بأنّ «الجزء الأكبر من الأدلّة يشير إلى أنّ تسكين الألم هو التأثير الأبرز للاستحمام بالماء المجمّد.»

ماذا عن العلاج بالتبريد؟

وهو علاج يدخل فيه الشخص لغرفة خاصّة يتمّ تبريدها عادة إلى أقلّ من 150 فهرنهايت (65 درجة) تحت الصفر، وهي درجة حرارة تقارب درجة حرارة سطح القمر، ويبقى الرياضيّ في الغرفة لمدّة دقيقة أو دقيقتين. يروّج كلّ من ليبرون جيمس وستيف كاري والعديد من لاعبي كرة السلّة وكرة القدم الأمريكيّة الآخرين للعلاج بالتبريد من أجل التعافي، كما يفعل البرتغاليّ رونالدو ذو 37 عامًا.

في نهائيّات كأس العالم في قطر، أفادت التقارير إلى أنّ النجمين البرازيليّين نيمار ودانيلو لجأوا إلى غرف العلاج بالتبريد بعد أن تعرّضا لضربة مؤلمة في الكاحل في الجولات الأولى من البطولة، ليعودوا لتشكيلة البرازيل في مباراتهم بالدور ربع النهائيّ.

يعتقد أنّ العلاج بالتبريد يقلّل من وجع العضلات والتهابها، ويخلّص العضلات من بعض السوائل والموادّ الأخرى، لتكون أجساد الرياضين متأهّبة للمباراة أو التدريب القادم. لكن للأسف الأدلّة لا تؤيّد هذه الطموحات، ففي دراسة أجريت عام 2019، لم تكن هناك اختلافات جادّة بين العلاج بالتبريد بعد التمرين الشاقّ أو الاسترخاء الطبيعيّ كالجلوس من ناحية تقليل علامات الالتهاب أو تلف العضلات.

خلصت مراجعة علميّة مستقلّة وشاملة لعام 2015 إلى أنّه لا يوجد «أدلّة كافية» للعلاج بغرف التبريد، خاصّة في تسريع التعافي الجسديّ، ومن الضروريّ الإشارة لنقطة مهمّة في هذا الجانب، إيّاكم وارتداء ملابس مبلّلة في أثناء العلاج، ففي عام 2011، أصيب العداء الأمريكيّ جاستن جاتلين بقضمة صقيع شديدة في قدميه بعد دخوله غرفة العلاج بالتبريد بجوارب متعرّقة. وكذلك الحال مع لاعب أوكلاند رايدرز أنطونيو براون الّذي جمّد قدميه في عام 2019 عندما لم يرتد الجوارب الواقية، ولحسن الحظّ كلاهما تعافى في نهاية الأمر.

الحجامة وأثرها

اشتهرت الحجامة في الدوائر الرياضيّة مع البطل الأولمبيّ الأمريكيّ مايكل فيلبس في أولمبياد 2016 في البرازيل، وتتضمّن طريقتها أكواب شفط صغيرة تلتحم بالجسد مثل العلقة، ويفترض أنّها تسحب الدم والسموم من الأنسجة، ممّا يعزّز الشفاء الجسديّ والتعافي، تاركة ورائها حلقات أرجوانيّة صغيرة على الجلد، وقد نشر مرّة نجم ريال مدريد كريم بنزيمة، صورة له على تويتر مغطّى بحلقات الحجامة.

لا يقدّم لنا العلم أدلّة قويّة على نجاعة هذه الممارسة العلاجيّة باستثناء الجوانب النفسيّة الإيجابيّة لها، حيث وجدت دراسة أجريت عام 2021 على أشخاص يعانون من آلام الظهر أنّ الحجامة «ليست أفضل» في تقليل الألم أو تحسين الوظيفة البدنيّة من تجربة أخرى وضعت فيها أكواب وهميّة على الظهر بدون أيّ شفط، كما وضّح لنا هوغو خاريو ألميدًا سيلفا، طالب الدكتوراه في الجامعة الفيدراليّة في ريو غراندي دو نورتي في البرازيل، الّذي أشرف على الدراسة.

هل المشدّات والملابس الضاغطة مفيدة؟

يحبّ الرياضيّون الملابس الضاغطة والمشدّات كما تابعنا في مباريات كأس العالم، والأمر نفسه في كلّ رياضة ونشاط بدنيّ تقريبًا. يخبرنا جوناثون ويكلي، المحاضر في مركز أبحاث الأداء الرياضيّ والتعافي والإصابات والتقنيّات الجديدة في الجامعة الأستراليّة الكاثوليكيّة في بريزبين، أنّ الدراسات الّتي تبحث في نجاعة الملابس الضيّقة والمشدّات وتقليل آلام العضلات «ملتبسة لحدّ كبير.»

وأضاف إلى أنّ معظم الأبحاث تظهر «أنّها لا تقدّم أيّ فائدة حقيقيّة للتعافي أو الأداء البدنيّ الأفضل،» لكن بالنسبة لبعض الرياضيّين، فإنّهم يشعرون بالفعاليّة معها، وتابع ويكلي: «إذا شعر شخص ما بإرهاق أقلّ معها، فمن المحتمل أن يكون هذا مفيدًا، وقد يحسن الأداء.»

أسطوانات التدليك خيار جيّد

المذهل أنّ تقنيّات التعافي الأنجع هي الأقلّ تقنيًّا، مثل أسطوانات التدليك الصلبة، حيث يقوم الرياضيّ بتدليك العضلات المتعبة بقوّة لبضع ثوان فوق أنبوب من الرغوة المضغوطة، وتساهم العمليّة في تخليص العضلات من الآلام، كما ساعدت الرياضين في تجهيزهم للتمرين بشكل أفضل وفقًا لدراسة أجريت عام 2014 على رجال انتهوا من تمرين مرهق قبلها، وكذلك الحال في دراسات أخرى أدّت لنتائج مشابهة من ناحية أداء رياضيّ أفضل، لكن بدون أن تشير أيّ منها بدقّة إلى الإضافة الّتي تقدّمها بالضبط للأنسجة العضليّة.

يقول ديفيد بيه، عالم التمرينات في جامعة ميموريال في نيوفاوندلاند في كندا، الّذي بحث في هذه الأسطوانات: «تشير أدلّة كثيرة للآثار الإيجابيّة الجسديّة لأسطوانات التدليك الصلبة.

لدينا كذلك مسدّسات التدليك الشائعة، وهي خيار شهير للتدليك واستعملها عدد من اللاعبين في مباريات كأس العالم. ووجدت دراسة صغيرة عام 2021 أنّ الجهاز كان فعّالًا مثل الأسطوانات في تقليل تصلّب عضلات الساق بعد تمارين المقاومة العضليّة الشاقّة.

الحليب بالشوكولاتة والقيلولة

يتّفق العلماء على أنّ الأساسيّات مثل الراحة والتغذية هما أيضًا مفتاح التعافي الرياضيّ السليم والناجع، لذلك من الضروريّ شحن الجسم بالسوائل والطاقة في أسرع وقت بعد التمارين، بمزيج من الكربوهيدرات والبروتين لإعادة شحن الجسد والمساعدة في إعادة بناء العضلات بعد تمزّقها.

يشير مايكل نوردفال، الأستاذ في جامعة ماريماونت في فيرجينيا، إلى أنّ «الحليب بالشوكولاتة خيار رائع»، وقد أجرى مع زميله أليكسي وونغ وآخرين تجربة على لاعبات جامعيّات في رياضة الريشة الطائرة باستعمال مشروب الحليب بالشوكولاتة قليل الدسم ومشروب ثاني ضمن دراسة طويلة في عام 2022ـ وكانت النتيجة بأنّ أداء اللاعبات صار أفضل بكثير بعد شرب الحليب بالشوكولاتة.

وأخيرًا، تكاد تكون القيلولة من أفضل الطرق للاسترخاء بعد التمارين الرياضيّة الشاقّة، إذ خلصت مراجعة بحثيّة أجريت عام 2021 إلى أنّ قيلولة ما بعد الظهر يمكن أن تكون «مفيدة للرياضين على عدّة مستويات،» وهو ما ينضح به العديد من الخبراء لأداء رياضيّ أفضل.

التعليقات