18/04/2023 - 19:28

كيف يؤثر الفقر والحرمان على دماغ الإنسان وتركيبته؟

حسب الدراسة، فإنّ واحدة من أهمّ الطرق الّتي يؤثّر بها الفقر على الدماغ البشريّ هي من خلال تأثيره على نموّ الدماغ، وخاصّة خلال مرحلة الطفولة المبكّرة مع عواقب محتملة طويلة الأمد، وهذا ما توصّلت إليه توصّلت متزايدة من الأبحاث

كيف يؤثر الفقر والحرمان على دماغ الإنسان وتركيبته؟

(Getty)

أعلنت دراسة حديثة نُشرت في مجلّة "نيتشر نيوروساينس" الأميركيّة، عن أنّ الأطفال الذين يعيشون في فقر، لديهم كميّات أقلّ بكثير في المادّة الرماديّة في منطقة الدماغ المرتبطة باللغة والذاكرة واتّخاذ القرار، مقارنة مع الأطفال من العائلات ذات الدخل المرتفع.

ويعدّ الفقر مشكلة اجتماعيّة مستمرّة تؤثّر في ملايين الأفراد حول العالم. والذي يعرف بأنّه حالة من الحرمان الماليّ، ونقص في الوصول إلى الموارد والفرص الأساسيّة، وغالبًا ما يكون مصحوبًا بالاستبعاد الاجتماعيّ والتهميش، بينما يفهم عمومًا أنّ للفقر تأثيرًا كبيرًا على الصحّة الجسديّة والعاطفيّة للفرد، إلّا أنّه يتمّ الاعتراف به بشكل متزايد على أنّه له تأثير عميق على الدماغ البشريّ.

وحسب الدراسة، فإنّ واحدة من أهمّ الطرق الّتي يؤثّر بها الفقر على الدماغ البشريّ هي من خلال تأثيره على نموّ الدماغ، وخاصّة خلال مرحلة الطفولة المبكّرة مع عواقب محتملة طويلة الأمد، وهذا ما توصّلت إليه توصّلت متزايدة من الأبحاث.

ومن الممكن أن يكون لهذه التغييرات الهيكليّة في الدماغ آثار مهمّة على الأداء المعرفيّ والتحصيل الأكاديميّ، حيث وجدت دراسة مشابهة أخرى نشرت في مجلّة "تنمية الطفل" أنّ الأطفال الّذين يعيشون في فقر سجّلوا درجات أقلّ في اختبارات الأداء الإدراكيّ، بما في ذلك الذاكرة العاملة والانتباه، مقارنة بالأطفال من الأسر ذات الدخل المرتفع.

بالإضافة إلى تأثيره في نموّ الدماغ، فإنّ للفقر أيضًا تأثيرًا كبيرًا على الأداء المعرفيّ، وخاصّة الأداء التنفيذيّ، وهو المسؤول عن التخطيط واتّخاذ القرار والتحكّم في الانفعالات، حيث وجدت دراسة نشرت في مجلّة "ديفلوبمنتال ساينس" العام الماضي، أنّ الفقر مرتبط بالعجز في الأداء التنفيذيّ، بما في ذلك الذاكرة العاملة، والمرونة المعرفيّة، والتحكّم المثبّط، ويمكن أن يكون لهذه النواقص في الأداء التنفيذيّ آثار كبيرة على التحصيل الأكاديميّ والنجاح الاجتماعيّ والاقتصاديّ وأنّ أوجه القصور في الأداء التنفيذيّ في مرحلة الطفولة المبكّرة كانت مرتبطة بانخفاض التحصيل الدراسيّ والدخل في مرحلة البلوغ، حتّى بعد التحكّم في معدّل الذكاء ودخل الأسرة.

يرتبط الفقر أيضًا ارتباطًا وثيقًا بنتائج الصحّة العقليّة السيّئة، بما في ذلك زيادة معدّلات الاكتئاب والقلق واضطرابات الصحّة العقليّة الأخرى. وجدت دراسة نشرت في مجلّة علم النفس الشاذّ أنّ الفقر مرتبط بارتفاع معدّل انتشار اضطرابات الصحّة العقليّة، حتّى بعد السيطرة على عوامل الخطر الأخرى مثل العرق والتعليم والحالة الاجتماعيّة.

يعدّ الإجهاد المزمن والعزلة الاجتماعيّة ومحدوديّة الوصول إلى الموارد من الآليّات الرئيسيّة الّتي يؤثّر من خلالها الفقر على الدماغ والصحّة العقليّة. ومع ذلك، هناك سياسات واعدة وتدخّلات للرفاهية الاجتماعيّة يمكن أن تساعد على معالجة هذه الأسباب الجذريّة للفقر وتعزيز الحراك الاجتماعيّ والاقتصاديّ.

وتسلّط هذه النتائج الضوء على أهمّيّة السياسات والبرامج الّتي تهدف إلى معالجة الفقر وتعزيز الحراك الاجتماعيّ والاقتصاديّ. على وجه الخصوص، يقترحون أنّ الاستثمار في برامج التعليم والتنمية في مرحلة الطفولة المبكّرة، بالإضافة إلى توفير الدعم الماليّ للأفراد والأسر الّذين يعيشون في فقر، يمكن أن يكون له فوائد كبيرة في نموّ الدماغ، والأداء المعرفيّ، والصحّة العقليّة.

وتتمثّل واحدة الأساليب الواعدة في الاستثمار في برامج التعليم والتنمية في مرحلة الطفولة المبكّرة، والّتي ثبت أنّ لها تأثيرًا إيجابيًّا على النموّ المعرفيّ والدماغيّ للأطفال من خلفيّات محرومة، وبحسب الدراسة، فإنّ الأطفال الّذين شاركوا في برنامج تعليم عالي الجودة في مرحلة الطفولة المبكّرة حصلوا على درجات ذكاء أعلى، ومعدّلات أعلى للتخرّج من المدرسة الثانويّة، ومعدّلات سجن أقلّ، مقارنة بالأطفال الّذين لم يشاركوا في مثل هذه البرامج.

ويعدّ الاستثمار في برامج التعليم والتنمية في مرحلة الطفولة المبكّرة، فضلًا عن توفير الدعم الماليّ للأفراد والأسر الّذين يعيشون في فقر، خطوة حاسمة نحو الحدّ من تأثير الفقر على الدماغ وتعزيز النتائج الإيجابيّة للأفراد والمجتمعات.

التعليقات