05/12/2016 - 18:15

محمّد غازي بعد الخمّاش: "نوى" تواصل إحياء موسيقى ما قبل النكبة

جاءت تسمية الوليدين الأوّلين لـ "مجموعة نوى للموسيقى العربيّة" بـ "هنا القدس"، كما أشار جلال، تذكّرًا واعتزازًا بإذاعة "هنا القدس"، الإذاعة الفلسطينيّة الأولى التي تأسّست عام 1936؛ وقد ضمّ الإصداران ألحانًا لاثنين من الموسيقيّين الفلسطينيّين الروّاد كما ذكرنا سابقًا، روحي الخمّاش ومحمّد غازي، اللذين كانا يعملان في إذاعة "هنا القدس" وإذاعة "الشرق الأدنى" في يافا، وذلك بعد جمع الكثير من إرثهما الموسيقيّ من الدول العربيّة...

محمّد غازي بعد الخمّاش: "نوى" تواصل إحياء موسيقى ما قبل النكبة

من عرض "هنا القدس 2" في رام الله

'هنا القدس 2'؛ الإنتاج الموسيقيّ الثاني لـ 'نوى – المؤسّسة الفلسطينيّة للتنمية الثقافيّة'، وهو يضمّ مجموعة قليلة من أصل 161 لحنًا للملحّن والمطرب الفلسطينيّ محمّد غازي (1922-1979)، الملقّب بعميد المطربين. ليست هذه الألحان كلّ ما تملكه 'نوى' في أرشيفها لموسيقيّين فلسطينيّين روّاد، لهم حظّهم من الشتات الفلسطيني، وللوطن العربيّ حظّ بموسيقاهم.

حفلٌ في رام الله

تأكيدًا على أنّ التراث الفلسطينيّ ليس مقصورًا على الفولكلور، ومن خلال المشاركة في فعاليّات يوم التراث الفلسطينيّ الذي تنظّمه وزارة الثقافة الفلسطينيّة منذ عام 1997، أعادت 'مجموعة نوى للموسيقى العربيّة' إنتاج ألحان محمّد غازي وبعضًا من ألحان روحي الخمّاش، في عرض موسيقيّ ضمّ 17 عازفًا فلسطينيًّا شابًّا، أدّوا مقامات موسيقيّة عربيّة كلاسيكيّة، كمقام نهاوند ولامي وكرد ورست وبيات، صحبتهم جوقة غنائيّة تضمّ 10 مغنّين شباب، صدحت أصواتهم بالموشّحات والابتهالات والقصائد لمجموعة من الكتّاب العرب، أطربوا الحضور الذي ملأ قاعة قصر رام الله الثقافيّ يوم 13 تشرين الثاني (نوفمبر) 2016.

من حفل 'هنا القدس 2' في رام الله

ضمّ العرض الموسيقيّ ثماني مقطوعات موسيقيّة ومغنّاة، كانت في معظمها جزءًا من الإصدار الثاني لـ 'نوى'، لكنّ المجموعة ارتأت إضافة بعض القطع الموسيقيّة من 'هنا القدس 1'، والذي يضمّ مقطوعات موسيقيّة للملحّن روحي الخمّاش، بهدف التنويع في الذوق الموسيقيّ والتعرّف إلى أكثر من نمط غنائيّ، بالإضافة إلى إعادة التذكير بالإصدار الأوّل للمجموعة، كما أشار المشرف العامّ لمؤسّسة 'نوى' وأحد مؤسّسيها، نادر جلال.  وقد جاء هذا العرض في رام الله بعد عامين من إطلاق ألبوم 'هنا القدس 1' عام 2014، والذي قُدّمَ حينها عبر ثلاثة عروض في فلسطين وعرض في تونس، إلّا أنّ العروض توقّفت لصعوبات ماليّة، والآن تمكّنت 'نوى'، بدعم من 'مؤسّسة عبد المحسن القطّان' و'جمعيّة النداء الموحّد'، من تنظيم هذا العرض، وقد سبقه عرضان في بيت لحم والخليل، بالإضافة إلى ثلاثة عروض أخرى ستُنَظَّمُ في مدن فلسطينيّة مختلفة.

حثّ على المعرفة

بالإضافة إلى العرض الموسيقيّ لمجموعة 'نوى'، ضمّ العرض الموسيقيّ بثًّا لفيلم توثيقيّ حول الموسيقيّ الفلسطينيّ محمّد غازي، يسجّل في أقلّ من خمس دقائق شهادات لنقّاد موسيقى وكتّاب ومطربين فلسطينيّين وعرب حوله، واحدًا من مؤسّسي الحركة الموسيقيّة في لبنان، الدولة التي هُجِّر إليها، وألحانه والنهضة الموسيقيّة الفلسطينيّة التي شكّلت إضافة نوعيّة للموسيقى العربيّة نتيجة تهجير الموسيقيّين الفلسطينيّين في النكبة. كما شمل الحدث معرض صور ضمّ 22 صورة لفنّانين فلسطينيّين قبل عام 1948.

من حفل 'هنا القدس 2' في رام الله

ولا يمكن تجاهل حقيقة أنّ العرض الموسيقيّ لم يطرب الآذان فقط بموسيقاه، لكنّه شكّل كذلك إضافة مهمّة من حيث المعلومات الذي قدّمها حول أسماء المقامات المعزوفة، وأسماء الكتّاب أصحاب الكلمة في الألحان قُدِّمَت على المسرح، كما كان في جزء منه حثّ على الدرس والتبحّر في معرفة إرث موسيقيّ فلسطينيّ تنقطع عنه الأجيال الجديدة ولا تعرف أنّها تنتمي إليه.

روح شبابيّة

ضمّت 'مجموعة نوى للموسيقى العربيّة' 27 موسيقيًّا ومغنّيًا شابًّا، من مختلف أنحاء فلسطين التاريخيّة، قدّموا بتمكّن كبير موسيقى عربيّة كلاسيكيّة، أضاف لها الفنّان باسل زايد بعض التوزيعات التي تضفي جماليّة على العرض الحيّ، دون أن يمسّ بالألحان الأصليّة. وكانت القيادة الموسيقيّة لعازف القانون خليل خوري، بينما عَرَّفَ المستمعين بأسماء المقطوعات الموسيقيّة وكتّابها عازف العود إبراهيم نجم.

عزف على آلة البزق جلال نادر، ومحمّد خمايسة على الناي، وشاركهم العزف على الكمان كلّ من ماهر الشافعي، وعلاء إسحق، ومحمّد غوشة، ومحمّد كزرون، ومحمّد الرجوب، وعلى آلة فيولّا سامر راشد، وراشد زعرور، وحنين الرجوب، وعلى آلة تشيلّو هبة العمري، وعلى الكونتراباص إيليني مستكلم، وعلى الإيقاع كلّ من حسين أبو الربّ، ومحمّد الغول، ومعن الغول. أمّا الجوقة الغنائيّة فكان على رأسها مدرّب الغناء، الفنّان علاء عزّام، الذي غنّى بشكل منفرد قصيدة 'جاءت بقلب مظلم' و'خبّر غزال الحيّ'، كما ضمّت الجوقة محمّد مصطفى، وأحمد الجمل، وأحمد مزعرو، وحنّة الحاجّ حسن، وجورج غطّاس، وريم المالكي، ومنى بكري، ونغم حدودي، وإحسان سعادة، الذين غنّى بعضهم بشكل منفرد.

'هنا القدس'

جاءت تسمية الوليدين الأوّلين لـ 'مجموعة نوى للموسيقى العربيّة' بـ 'هنا القدس'، كما أشار جلال، تذكّرًا واعتزازًا بإذاعة 'هنا القدس'، الإذاعة الفلسطينيّة الأولى التي تأسّست عام 1936؛ وقد ضمّ الإصداران ألحانًا لاثنين من الموسيقيّين الفلسطينيّين الروّاد كما ذكرنا سابقًا، روحي الخمّاش ومحمّد غازي، اللذين كانا يعملان في إذاعة 'هنا القدس' وإذاعة 'الشرق الأدنى' في يافا، وذلك بعد جمع الكثير من إرثهما الموسيقيّ من الدول العربيّة حيث هُجِّرا عام 1948؛ العام الذي أُجهضت فيه بدايات النهضة الموسيقيّة الفلسطينيّة.

إذاعة 'هنا القدس' التي تأسّيت عام 1936

البحث مسار أوّل

تعمل 'نوى' على 'ترميم الذاكرة الجمعيّة للفلسطينيّين من بوّابة الموسيقى'، كما أشار جلال، وعلى إعادة التعريف بالهويّة الفلسطينيّة لهؤلاء الروّاد من الموسيقيّين، والذين سُجِّلَتْ إسهاماتهم الموسيقيّة بأسماء الدول العربيّة المضيفة لهم، حيث تلقّفتهم إذاعاتها في لبنان والعراق وغيرها بعد النكبة. وفي سبيل تحقيق ذلك، تعمل 'نوى' على ثلاثة مستويات؛ يتعلّق المستوى الأوّل بالبحث والجمع لإرث الموسيقيّين الفلسطينيّين من تسجيلات ونوتات وصور، إضافة إلى حياة هؤلاء الموسيقيّين، والتي تشكّل جميعها مادّة فيها من الغنى ما يسمح بالكثير من الإنتاجات الملحّنة والمغنّاة والمكتوبة والمصوّرة والسينمائيّة، وغيرها.

هذا الغنى، إلى جانب البعد الوطنيّ الذي يحمله هذا المشروع، لا يخفّف من وطأة الجهد الهائل والمتطلّبات الماليّة الكبيرة التي تستلزمها رحلة البحث والتوثيق لأكثر من واحد وستّين اسمًا من موسيقيّين ومغنّين فلسطينيّين على أجندة 'نوى'، كما أشار جلال، وقد كانت حصيلة بداية رحلة البحث الحصول على بعض أوراق نوتة موسيقيّة للملحّن روحي الخمّاش، والتي قادت 'نوى' إلى العراق بالتعاون مع باحثين هناك، حيث جُمِعَ 250 عملًا للخمّاش من طلّابه وزملائه من الموصل حتّى البصرة.

الملحّن روحي الخمّاش

أشار جلال إلى أنّ الوصول إلى عائلات الموسيقيّين يعدّ أفضل الطرق للحصول على الأرشيف الموسيقيّ للملحّنين الفلسطينيّين، ففي تجربة 'نوى' في الحصول على أرشيف الملحّن محمّد غازي، اجتمع أقاربه من الدرجة الثانية حاملين جهاز التسجيل الخاصّ به وأسطواناته وغير ذلك، وقد تبرّعوا بها لصالح المؤسّسة.

لا تواجه 'نوى' في رحلة بحثها العقبات المادّيّة فقط، بل تواجه أيضًا صعوبات فنّيّة تتعلّق بافتقار الإذاعات العربيّة للأرشيف، وعدم وجود تسجيلات إذاعيّة ما قبل عام 1948، وأحيانًا تفرّق هذه التسجيلات على أفراد من هواة جمع الأسطوانات والبكرات القديمة، وقد تكون محفوظة بطريقة سيّئة لا تسمح بمعالجتها أو ترميمها.

حياة جديدة

أمّا المستوى الثاني من عمل 'نوى'، فيتعلّق بالتنقيح والأرشفة، إذ يُنَقَّح الصوت، في حال كانت النسخة صوتيّة، وتُصنع نسخة أصليّة منها وتؤرشف في أرشيف المؤسّسة. بعد تجربة الجمع الأولى لأعمال روحي الخمّاش، برز السؤال الأهمّ لدى 'نوى' حول مصير هذا الأرشيف؛ وإن كان الطرح الأوّل هو توثيق النوتات الموسيقيّة في كتاب لحفظها، إلّا أنّ التأثير الأكثر عمقًا يكون مع إعادة بثّ هذه الموسيقى في الفضاء الصوتيّ، ومنحها حياة جديدة تصل للجمهور كما للموسيقيّ والباحث، وهذا كان سبب اختيار إعادة إنتاج هذه الأعمال صوتيًّا، فتأسّست 'مجموعة نوى للموسيقى العربيّة' على الرغم من صعوبة العثور على عازفين شباب يستطيعون التعامل مع هذا النوع من الموسيقى الكلاسيكيّة.

الملحّن محمّد غازي

وهذا ما قاد 'نوى' إلى المستوى الثالث من العمل، وهو إعادة الإنتاج والترويج، عبر إعادة كتابة النوتات الموسيقيّة ومن ثمّ تسجيلها صوتيًّا في حال الحصول عليها ورقيًّا، أو في حال كانت تسجيلات الصوت التي حُصِّلَت لا تصلح للنشر، كما حصل في تجربة 'هنا القدس 1'، والتي ضمّت ألحان الموسيقي روحي الخمّاش. وقد كانت 'نوى' محظوظة أكثر في تجربة 'هنا القدس 2'، إذ حصلت على تسجيلات صوتيّة لمحمّد غازي، نُقِّحَتْ وأُصْدِرَتْ نسخة أصليّة منها، بالإضافة إلى النسخة التي أدّتها 'مجموعة نوى'.

مشاريع

'هنا القدس' ليس المشروع الوحيد على أجندة 'نوى'، المؤسّسة التي بادرت إلى العمل على مشروع التراث الموسيقيّ الفلسطينيّ المحترف، فلدى المؤسّسة مشروع يستهدف الآلات الموسيقيّة الشعبيّة، مثل المجوز واليرغول، إذ نفّذت من خلاله ثلاث ورشات لصنع هذه الآلات والتدريب على العزف عليها. وقد جاءت هذه الورشات مساهمةً من المؤسّسة لمواجهة التهديد الذي يطال هذه الآلات نتيجة اللجوء إلى الآلات الكهربائيّة بدلًا منها.

من ورشات 'نوى'

كما تعمل 'نوى' على مشروع لتنمية الذوق الموسيقيّ، ومن ضمنه فعاليّة 'يلّا نغنّي' التي تنظّمها المؤسّسة أسبوعيًّا،  وتستهدف كلّ من يرغب بالغناء. بالإضافة إلى مشروع حماية المقام الموسيقيّ العربيّ، والذي أُنْتِجَ في إطاره الألبوم الموسيقيّ 'الحلّاج'، وألبوم 'شمس وهوا' من ألحان أحد مؤسّسي 'نوى'، الموسيقيّ الفلسطينيّ عيسى بولص. ولـ 'نوى' أنشطة متنوّعة أخرى، كالمحاضرات حول الموسيقى العربيّة في فلسطين، التي تُنَظَّم في فلسطين وعدد من الدول العربيّة، كان من بينها تونس والمغرب والأردنّ.

تبدأ 'نوى' هذا الشهر، واستعدادًا للعام 2017، بالعمل على 'ليلة سماع'، والتي ستنفّذ أوّل يوم جمعة من كلّ شهر على مدار عام، وهي تهدف إلى إظهار دور آلات التخت العربيّ، بالإضافة إلى تنظيم دورات وورشات تختصّ بالغناء العربيّ، سيدرّب فيها الفنّان علاء عزّام. أمّا على مستوى الإنتاجات، فستعمل نوى على إنتاج 'هنا القدس 3'، والذي سيضمّ ابتهالات لسبعة موسيقيّين فلسطينيّين تحضيرًا لشهر رمضان القادم.

 

صابرين عبد الرحمن

 

مؤسّس شريك ومديرة عتبة فنّ للفنون والإعلام والتدريب. عضو المجموعة الوطنيّة الفلسطينيّة للسياسات الثقافيّة/ المرصد الثقافيّ، المنبثقة عن مؤسّسة المورد الثقافيّ، وباحثة في الشأن الثقافيّ. حاصلة على بكالوريوس صحافة وإعلام وماجستير في العلوم السياسيّة، وتعمل في مجال الاستشارات الإعلاميّة للمؤسّسات الثقافيّة، بالإضافة إلى عملها في مجال الصحافة الثقافيّة.

التعليقات