20/03/2018 - 11:04

عن يوم الحكاية العالمي في 20 آذار

الرضيع حين يولد بحاجة لثلاث "حاءات" أساسية :"حليب، حنان، حكاية"

عن يوم الحكاية العالمي في 20 آذار

ليس بصدفة أن يتزامن يوم الحكاية العالمي بتاريخ 20 آذار من كل عام، مع عيد الأم الذي يحل في 21 من آذار، فالرضيع حين يولد بحاجة لثلاث "حاءات" أساسية :"حليب، حنان، حكاية"، وليس بصدفة بأن الأديبة اللبنانية المرحومة إميلي نصرالله والتي وافتها المنية في شهر أذار أيضا، كانت قد ترعرعت في حضن جدتها وسمعت حكاياتها، تلك الحكايا التي وسَّعت أفاقها ومداركها وخيالها ومفاهيمها، مما دفعها لتؤلف أجمل القصص والروايات، للصغار والكبار، ولتصبح من أهم أديبات وأدباء عصرنا هذا، لتعبر خارج حدود لبنان للعالمية، حيث تُرجمت العديد من رواياتها لعدة لغات أجنبية، وحصدت أهم جائزة ألمانية- أوروبية وهي جائزة "مفتاح اللغة العالمية".

نعم، فالحكاية والقصة في جيل مبكرة لها دور أساسي وأثر إيجابي، فقراءة أدب الأطفال في مراحل الطفولة التي تعتبر من أهم ركائز ثقافة الطفل والتي تنمي لديه:

- أساليب تنمية المهارات الفكرية

- تحسين المهارات الكتابية

- تعزيز الثروة اللغوية

- تنمية الإبداع والتعبير

- تساهم في بلورة شخصية الطفل وتثقيفه وترغيبه بالمطالعة التي هي النافذة الواسعة التي يطل بها القارئ على العالم فيكتسب:

اللغة، المعرفة، السلوك الإيجابي والمعايير الأخلاقية الاجتماعية.

أما نحن كأهل، فنتخبط دائما في دوامة تساؤلاتنا، ونعيش في حلقة مفرغة مغلقة لا نتخطاها مهما طرحنا وناقشنا مشاكلنا، إذ لا نطرح الحلول ولا نبحث عن البدائل، بل نتساءل دوما كيف نقتلع آفة العنف التي استحوذت على خريطة مجتمعنا والتي كدنا نغرق في مستنقعها، أو كيف نجيد لغتنا الجميلة ونعيد لها مجدها واعتبارها في عصر اختلطت فيها علينا اللغات والانتماءات لتستأصل من ذاكرتنا أصالة تاريخنا وجذورنا لنتوه في ما لانهاية من اللا حدود والمحدود .

وأما عن مشكلة العنف، فالمطالعة هي خير وسيلة لمكافحة هذه ظاهرة، وهي من أنجع وأنجح السبل للحد منها، حيث لها الأثر الكبير في ترسيخ المعايير الأخلاقية والتربوية في حياة أجيال المستقبل، فهي تمكن من السيطرة على تصرفاتهم وإنارة السبيل القويم أمامهم، لذا فلنجعل من المطالعة قيمة أساسية في حياة أطفالنا لِما فيها من منافع اجتماعية في وسعها إكسابهم أشياء أخرى، كالإثراء اللغوي والفني والمسرحي، الشيء الذي يرتقي بهم لمرحلة الإبداع واكتساب المهارات المختلفة، مبتعدين عن جو التشنج والعنف محلقين في عالم الأدب والفن، وهو أنقى غذاء لعالم الروح والعدو اللدود لعالم المادة المدمر، لذا واجبنا نحن الأهل أن نحيط أطفالنا بعالم الكتب الزاخر، وينشقونها يوميا لتصبح هذه العادة مكتسبة كباقي العادات الحسنة الأخرى، حيث من خلالها تتبلور أنماط السلوك والقيم .

نحن نفتش عن الحلول والحل يكمن بإحدى أهم وأرقى السبل، ألا وهي تشجيع القراءة، تعزيز قيمة المكتبة والكتاب وجعلهما في مركز حياة أطفال وأبناء هذا المجتمع، لأنه فقط بالمطالعة الحرة المتواصلة، يمكننا الحفاظ على لغتنا، إذ نذوت لغتنا دون جهد ونجذرها في نفوسنا وعقولنا، ونرقى للثقافة الذاتية التي هي الرافعة للنضج الحقيقي والوعي الثقافي .

ويبقى السؤال، مع اننا كأهل نعي أهمية القراءة والمطالعة، ونعي قيمة الحكاية، ولكن أين نحن من هذا؟، وماذا نفعل لغرس عادة المطالعة في نفوس اطفالنا، وأولادنا لكي نحببهم ونجعلهم يتعلقون بالكتاب الذي لا بديل له، والذي هو خير وسيلة لانتشال أولادنا من دوائر الفراغ التي يعيشونها.

بالرغم من مشاغل الأهل، وبذلهم المستحيل لتلبية كافة احتياجات أولادهم المادية، ما بين مأكولات ومشروبات، ألعاب، ثياب، رحلات، وما إلى ذلك، وتزويدهم بكافة كماليات الحياة، ولكن للأسف ينسون حاجاتهم النفسية والمعنوية، حيث تطغى على حياتهم كافة الوسائل التكنولوجية, ويجعلونهم يعيشون الضغوطات النفسية والعصبية، ويفتقدون لأهم أواصر العلاقات العائلية المبنية على تقييم المشاعر وتفهم الحاجات، حيث تحول أولادنا لآلات "تحصد" العلامات دون الالتفات لحاجتهم للإثراء وللتثقيف والإبداع، نحن كمجتمع استبدلنا الكتاب، الذي هو حاجة ضرورية لتحسين التواصل مع الأهل، بالأجهزة الذكية. لقد حولنا علاقاتنا العائلية، لعلاقة وهمية، خاصة وأن كل فرد من أفراد العائلة يعيش حياة افتراضية من خلال هاتفه الذكي الذي بحوزته ليبني العلاقات الاجتماعية من خلال شبكات التواصل المختلفة، نتواصل مع الأغراب ونفتقد العلاقات والروابط الواقعية الأصلية، حيث باتت العائلات تعيش بغربة تحت سقف واحد، ونسينا حاجة أولادنا لحضن الوالدين الدافئ ليستمعوا للحكايات والقصص التي هي خير وسيلة للتواصل بين الأهل والأبناء، وتعزيز الروابط العاطفية بينهم بالإضافة للفوائد الجمة التي يكتسبونها من خلال الاستماع وقراءة القصص التي تنعكس على شخصيتهم وحياتهم مستقبليا، فالكتاب يجعل من قارئ اليوم قائد الغد، مفكرا، مبدعا وباحثا في المستقل.

ولنعلم أيضا، بأن أولادنا، أولا وأخيرا، بحاجة للحب، للحنان، للعاطفة، للحضن دافئ، للحكاية، لقراءة قصة، للحوار، للنقاش، للكتاب، فالكتاب هو خير وسيلة للتتقارب بين الطفل وأهله، كما ذكرنا أعلاه، فحين يجلس الطفل بحضن والديه للاستماع للقصة، فهو يشعر وكأنه يمتلك العالم ويشعر بالأمان وبالانفتاح على العالم من خلال القصة، وكافة الأبحاث تشير الى أن المطالعة لها الأثر الايجابي والكبير على التحصيل العلمي لأولادنا، فهي تكسبهم كافة المهارات من خلال ممارستها، فالطالب القارئ هو طالب مميز فالقراءة ليست بذخا إنما من ضروريات الحياة وهي حق للجميع.

لذا ،وفي خضم "الاحتلال التكنولوجي" واستحواذه على عالمنا الحالي، نستطيع كأهل ان نتحدى التطورات التكنولوجية الحديثة باستغلالها ايجابيا، وذلك بقراءة القصص الالكترونية المصورة، خاصة واليوم الأدب العربي الرقمي والمتاح بدأ يحتل الصدارة ضمن الدول المتقدمة.

وأخيرا لا بديل للكتاب الورقي، فيجب أن نحيط أولادنا بالكتب والقصص الورقية ونؤسس لهم المكتبات في غرفهم وفي البيت، ونكرس لهم يوميا على الأقل نصف ساعة لقراءة قصة، لنقرأ نحن كذلك لنصبح نموذجا لأولادنا، ففاقد الشئ لا يعطيه، ولنخصص وقتا لزيارة المكتبات العامة ومعارض الكتب مع أولادنا ولنجعل من الكتاب أجمل وأثمن هدية نقدمها لأولادنا ولأترابهم في المناسبات المختلفة، ولنساهم جميعا كأهل وكمجتمع بكافة هيئاته، في التربية للكتاب والمطالعة، وجعل الكتاب في مركز حياة أطفالنا وأولادنا منذ جيل الصفر، وهكذا نرقى بالكتاب لمجتمع أفضل، فالقراءة والمطالعة هي مقياس حضارة الشعوب.

إلهام هلون حنا


 

 

رئيسة جمعية "تطوير المكتبات في المجتمع العربي"وأمينة مكتبة أكاديمية الجليل الغربي 

التعليقات