28/11/2018 - 13:14

آثار كرب ما بعد الصدمة وتناقل العنف بين الأجيال

الإنسان العنيف، الزوج/ة العنيف/ة، الأسرة العنيفة، يحتاجون لعلاج مهني ملزم حتى يتم اجتثاث العنف. وإذا لم يتم العلاج، سينتقل العنف حتما عبر الأجيال.

آثار كرب ما بعد الصدمة وتناقل العنف بين الأجيال

عاش مجتمعنا الفلسطيني أكثر من 100 عام من ألوان العنف المتواصل الذي جعل العنف أسلوب تعامل بين السلطة والأفراد من جهة،  وبين الناس في علاقاتهم اليومية.  نرى أثر تاريخ العنف وتغلغله للتعامل اليومي على سير الحياة العادية. ومن المحبط حقا غياب الوعي لضرورة علاج العنف الفردي والعنف المجتمعي وعلاج آثار العنف السياسي بواسطة إقامة مشروع قومي لعلاج آثاره، وآثار تناقل أُثر كرب ما بعد الصدمة بين الأجيال الفلسطينية.

نشهد العنف  يرشح في السلوك الفردي، الزوجي، الأسري والمجتمعي، وما فاقم الوضع هو  تعرّض المجتمع لإعلام وثقافة إستهلاكية نقلت أمثلة تطبيقية جديدة وغنية لأنواع العنف ولم يكن للأهل والمدرسة دراية كافية في منعها ومعالجتها في أوانها.

يقع أفراد المجتمع الفلسطيني غالبا بين قطبين:

- مجموعة من المسؤولين (فكرا وسلوكا). 

- مجموعة من الجهلة (فكرا وسلوكا)، وغالبا ما يكونون إخوة أو أبناء حارة واحدة. ولكنهم لا يؤثرون إيجابا أحدهم في حياة الآخر، بل يعانون أحدهم من الآخر.

عندما نلجأ لمعالجة مظاهر العنف بالطرق التقليدية، نكتشف أن عاداتنا الشعبية تفتقر  لتحكيم القرار الصائب الذي يجتث الخطأ ويزرع الصواب مكانه. بدل هذا، نجد  عادات بها تسويات تساير مجمل الآراء القائمة، وتمنع أي انتقاد حاسم يؤدي إلى نسف الخطأ.  نفعل هذا لأننا نربط بين الكلام وبين صاحبه ونحن نتبنى المسايرة ونحاول إيجاد موقع أيضا للرأي الخاطئ، وهكذا تساهم عاداتنا في الإبقاء على  جذور الفساد، بينما نكون في تدخلاتنا اللحظية نجتث فقط ما بان من العشب الضار.

من ألأمثلة على العادات التقليدية التي تتدخل في محاربة العنف، هي مجموعات الصلح فهنالك مجموعات صلح اختارت نفسها ولم يفحص أي أحد مدى ملاءمة الأعضاء نفسيا واجتماعيا لهذه المهمة ذات أثر، كما ولم يفحص أحد مدى فاعليتها وتأثيرها على علاج أسباب العنف الحاصل، تعتمد أسس عمل هذه اللجان على تطييب خواطر بعد اندلاع  هيجان حمائلي أو مجتمعي، يعني أنها تكثّف من استخدام  المسايرة والمداهنة وتمتنع عن الحكم القاطع، يعلم الجميع أن من بين المشتركين في لجان الصلح هناك من يقترفون الجرم الاجتماعي أو المدني وهذا يجعل أفراد المجتمع، سواء مقترفي العنف أو ضحاياه يتعاملون مع اللجان من باب الشكليات بدل الاقتناع في ضرورة السلم المجتمعي وتعّلم أدواته. 
تمنع هذه اللجان الشعبية النساء من الاشتراك في إصلاح شأن المجتمع  من منطلق عنصرية جندرية، وبهذا تعنّف هذه العادات النساء وتسيء لقدراتهن، ومن هنا فإن أي جسم جاء ليمنع ظاهرة ما وهو يستخدم أدواتها، لا يمكنه أن يكون وكيل تغيير اجتماعي، وعلى صعيد آخر به إساءة للأسرة والمجتمع، فإن تغييب النساء من هذه المسؤوليات، يمنع تذويت مبادئ التصالح والتسامح والسلم الأهلي عن طريق التربية، والتي تتخصص بها  النساء في الأسر والمدارس. 

وعلى صعيد آخر من الفكر الذي يبرر العنف، يجب أن يتم توقيف من يدعو للعنف عبر المنابر مستخدما تفسيراته الخاصة للمرجعيات الدينية ومحمّلا إياها وزر أفكاره، يجب أن تتوقف حملات التخويف من انتقاد هذا الفكر والذي يربط ويساوي بين انتقاد الشخص بانتقاد الديانة نفسها.

في المجتمع الفلسطيني، هناك غير المختصين في العلاج، يتدخلون في العلاج لأنهم عرفوا كيف يدخلون من باب العادات والتقاليد، وهناك معالجون لا يتوجه لهم المحتاجون، لأن العادات والتقاليد ربّت المحتاج للعلاج النفسي يشعر بالخجل هو وأسرته من حاجته هذه، وبينما يحتاج المجتمع لأنواع علاج من ذوي خبرات متعددة التخصصات، نشاهد سهولة تزوير كل من  أراد هذا فما عليه إلا أن يرفق مع إسمه لقب "معالج/ة" أو "مستشار/ة" - مخالفا قوانين الدولة وضاربا بعرض الحائط بأخلاقيات المهن العلاجية والاستشارية ولا أحد يطلب منهم شهاداتهم قبل أن يستعين ب "خدماتهم" و "نصائحهم" و "توجيهاتهم".

نسأل لماذا كل هذا الكم من العنف؟ وكيف نعالجه؟

الإنسان العنيف، الزوج/ة العنيف/ة، الأسرة العنيفة، يحتاجون لعلاج مهني ملزم حتى يتم اجتثاث العنف. وإذا لم يتم العلاج، سينتقل العنف حتما عبر الأجيال.

- عندما ترى الأسرة مظاهر عنف، مثل العصبية والصراخ والتكسير والإحباط السريع ولا تعالجه، فهي تساهم في وصول الأفراد في عائلتها لمستويات غير مضبوطة من العنف تؤدي لكوارث.

- عندما يرى المعلمون والجيران سلوكيات لبالغين أو اليافعين غير سوية ولا يتدخلون  ولا يدخلون معالجين للصورة، سيدفعون أثمانا للعنف كأبناء لهذا المجتمع.

- عندما يعنّف الزوج/ة زوج/ه/ا، ونرى ونسكت، تصبح هذه قضية مجتعية وليست شخصية.
- عندما يعنف الوالدان أبناءهما، ونرى ونسكت، تصبح هذه قضية مجتمعية وليست شخصية.
- عندما يعنّف المشغّل الموظفين والموظفات، ونرى ونسكت، تصبح هذه قضية مجتمعية وليست شخصية.

- العنف ينضح وتسقط ضحاياه تباعا. وفي المجتمع العنيف، لا أحد  محمي من تعنيف أي أحد. فالكل معرضون للإساءة والكل مسؤول عن الحل.

- عندما نعلم عن سقوط ضحية جديدة للعنف ونأسف عليها، يكون هناك ضحايا كثيرون غير معروفين ما زالوا يعانون من العنف المستشري.
ونقطة أخيرة، أسباب العنف هي متعددة وتأثيرها منظومي، وكذلك يجب أن يكون العلاج المجتمعي:

- متعدد الأهداف. 

- منظومي، به تنسيق متكامل بين جميع الجهات ذات الشأن.

(أ.د.) بروفيسور خولة أبو بكر

 

 

محاضرة في كلية القاسمي وكلية الجليل الغربي،

معالجة ومرشدة زوجية وأسرية مؤهلة

التعليقات