31/10/2010 - 11:02

هل تعلنُ دولُ الخليجِ انتهاءَ عصرِ النّفط؟

تقام بعض أكثر مشاريع الطاقة النظيفة طموحا في العالم في منطقة الخليج. حيث يتم تحويل العواصم التي يحلم الأوروبيون بامتلاك مثيلاتها، إلى مدن خضراء ومراكز للمشاريع منخفضة الكربون. حيث تعلن حكومات الخليج أنها «تتزعم العالم في مجال الطاقة المستدامة». فهل يعني ذلك انتهاء عصر الدولة النفطية أم أن الأمر لا يعدو كونه مجرد تضليل ومشاريع دعائية؟

هل تعلنُ دولُ الخليجِ انتهاءَ عصرِ النّفط؟

 

 
تقام بعض أكثر مشاريع الطاقة النظيفة طموحا في العالم في منطقة الخليج. حيث يتم تحويل العواصم التي يحلم الأوروبيون بامتلاك مثيلاتها، إلى مدن خضراء ومراكز للمشاريع منخفضة الكربون. حيث تعلن حكومات الخليج أنها «تتزعم العالم في مجال الطاقة المستدامة». فهل يعني ذلك انتهاء عصر الدولة النفطية أم أن الأمر لا يعدو كونه مجرد تضليل ومشاريع دعائية؟
ظاهريا، تمثل حركة تخفيض الانبعاثات الكربونية مصدرا للقلق بالنسبة للدول المصدرة للبترول مثل المملكة العربية السعودية والإمارات وقطر. وهي الدول التي لديها أعلى نصيب للفرد من الكربون والمياه والمخلفات في العالم، كما تعتمد اقتصاداتها على أسواق التصدير المتعطشة للوقود الحفري.
ولكن المخاوف المحلية تزامنت مع أجندة المناخ؛ مما أثار ثلاث قضايا ملحة: كيف نتأكد من أن تلك البضائع الثمينة مثل البترول والغاز لا يتم إهدارها بالداخل؟ وكيف يمكن استخدام عائدات البترول لتعزيز النمو الاقتصادي على المدى البعيد وتوفير فرص العمل؟ وكيف يمكن استغلال الفرص الجديدة التي تنشأ عن العالم الخالي من الكربون؟ ففي ظل تفوق الاستثمارات العالمية في الموارد المتجددة للطاقة على الوقود الحفري حاليا، يحرص القطاع الخاص بالخليج على عدم التخلف عن المواكبة.
كما تعد الصعوبات المتعلقة بالاستخدام المفرط والتسعير الأقل لتلك الموارد صعوبات جسيمة. فقد بدأت كل من المملكة العربية السعودية والإمارات في استبدال الغاز بدلا من الطاقة الكهربائية التي تعتمد على حرق البترول في التسعينات. كما كانوا يدعون أيضا للتنوع في البتروكيماويات حيث الاعتماد على الغاز الخام. ولكن المعروض من الطاقة ليس من الممكن أن يتواكب مع الزيادة السكانية والمشاريع المدنية الضخمة في ظل ارتفاع أسعار البترول في الفترة ما بين 2005 - 2008. كما عززت مشاريع تحلية مياه البحر، التي تمثل الآن 70 - 98% من العرض، من أزمة الوقود. وعلى الرغم من أنهما يحتلان المركزين الرابع والسابع في امتلاكهما لاحتياطي الغاز الطبيعي، في ظل تزايد الطلب على الكهرباء، عانت كلتا الدولتين من نقص الغاز، كما اضطرتا لاستبدال البترول بالغاز حتى تتمكنا من الوفاء باحتياجات الصناعة.
وهو ما أدى إلى بعض الخيارات غير المنطقية؛ فقد استدعت إمارة عجمان شركة ماليزية لبناء محطة طاقة تعمل بالفحم في 2008. وعلى الرغم من اعتمادها على واردات الفحم وزيادة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، فإن رأس الخيمة وعمان يستعدان لأن يحذوا حذوها.
ووفقا لهيئة تنظيم الكهرباء السعودية، فإن الدولة قد استهلكت 10% من إنتاجها من البترول لإنتاج الكهرباء محليا بأسعار عالية مدعومة في عام 2009. وفي العام الماضي، كانت الكويت تستورد الغاز الطبيعي المسال من روسيا. وكان المجتمع الدولي يحث على الطاقة النووية في المنطقة، وهو المسار الذي يتعارض مع الحس الاقتصادي والمصلحة الطبيعية.
وفي الوقت نفسه، يتنافس زعماء الخليج للحصول على حصص الطاقة المستدامة، فقد كان الحاكم السابق لدولة الإمارات، الشيخ زايد، أول من تبنى الاستدامة البيئية. وبعد وفاته، أسس صندوق الثروة السيادية شركة الطاقة المستقبلية في أبوظبي (مصدر) عام 2006 لدعم الوقود الحفري النظيف والطاقة المتجددة، التي أنشأت مدينة المصدر المستقبلية متعادلة الكربون والخالية من النفايات. وفي عام 2008، أصدر الشيخ محمد، حاكم الإمارات، جائزة الشيخ زايد للطاقة المستقبلية التي تشجع الابتكارات في مجال الطاقة المستدامة من خلال جوائز نقدية. وفي العام التالي، اختارت الوكالة الدولية للطاقة المستدامة مدينة المصدر لكي تصبح مقرها الرئيسي، وهي خطوة مهمة في ظل إسهامات المدينة المحدودة، حتى الآن، سواء في الحد من انبعاثات الكربون أو في الابتكارات في التكنولوجيا المستدامة.
ولكن جارتها الأكبر حجما والأكثر قوة لا تفتقر كذلك للموارد المالية أو للخطاب المتعلق بالرؤى. فبعد ذلك بقليل، صرح وزير البترول السعودي علي النعيمي في حوار لـ«رويترز»: «تسعى المملكة العربية السعودية لتصدير قدر من الطاقة الشمسية في المستقبل يضاهي ما تصدره الآن من البترول». وفي الحقيقة، كانت المملكة العربية السعودية رائدة في إنشاء قرية تعمل بالطاقة الشمسية في الثمانينات، ولكنها تعرضت للإهمال بعدما خفت الحماس، ولم يحدث أي تطور لها. وبعد ذلك، وفي بداية عام 2010، بدأ العمل لإنشاء مصنع لتحلية مياه البحر بالطاقة الشمسية خارج جدة. وقد أعلن الملك عبد الله أنه سيتم بناء مدينة للطاقة الذرية والمتجددة في الرياض، وفي أغسطس (آب)، أسست إحدى شركات القطاع الخاص أول شركة بالمملكة لإنتاج الخلايا الشمسية. بل وربما تكون المملكة متقدمة في ما يتعلق بالمعامل. وتعد جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا، التي أسستها شركة الغاز الطبيعي «سعودي أرامكو»، نموذجا حيا للبناء المستدام بينما ما زالت مدينة الصدر في طور البناء.
«من الذي سوف يختار أن يعيش في المصدر؟» ذلك ما قاله أحد رجال الأعمال غير المتحمسين للمشروع. «حيث تتجاهل مباني تلك المدينة الثقافة الشعبية، كما أن إنشاء مدينة للمشاة أمر غير عملي في ظل درجة حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية! ويتساءل الناس: لماذا اختاروا نورمان فوستر لتصميمها ولم يستعينوا بمهندس معماري عربي مثل أحمد عابدين؟». وعلى أية حال، فإن ذلك يطرح تساؤلات مهمة: فكيف إذن ستمتد تلك الرؤى الكبرى لكي تشمل بقية المجتمع؟ وما الذي سيمنعهم من أن يصبحوا مجرد «جزر موفرة للطاقة» أو مجمعات نخبوية في بحر من الإسراف؟ هناك ثلاثة تحديات متشابكة: السعر والتنظيم والاستثمارات المحلية.
تشكل الطاقة غير المحدودة جزءا من العقد الاجتماعي في دول الخليج البترولية. فالطاقة الرخيصة وسيلة لتوزيع موارد الدولة، كما أنها تعد من حقوق المواطنة. وهو ما يقف حائلا أمام الحفاظ على البيئة أو الاستثمار في الاستخدام الفعال للطاقة أو بدائلها. وقبل أن تصبح الخيارات النووية والمستدامة جاهزة لأن تحل محل الوقود الحفري، يجب أن يتم الحد من الاستهلاك. ومع ذلك، فإن الأغلبية العظمى من مواطني الخليج - خاصة الأثرياء - غير مهتمين بقضايا الطاقة المستدامة. ووفقا لدراسة حديثة أجرتها شركة «أكسنتيور» الاستشارية في تقنية المعلومات، فإن نحو 90% يرغبون في تخفيض الاعتماد المحلي على البترول والطاقة التي تعتمد على الغاز، ولكن معظمهم يرى أن ذلك أمر يرجع إلى الحكومة وليس المواطنين.
وتدرك حكومات الخليج أنه يجب عليها أن تجد سبلا لتنظيم الطلب على الطاقة، الذي ربما يشتمل على رفع سعر الوقود والطاقة وتعزيز معايير الاستخدام الفعال للطاقة. ولكي يصبح ذلك عمليا، فإنه يجب أن يتضمن تبادلا حذرا للمصالح؛ لكي لا يتم الإضرار بالفقراء أو الاستقرار السياسي. وفي الوقت نفسه، يبدو أن المدن الفاضلة عالية التقنية قادرة على التغلب على الحلول الأرخص والأكثر عملية مثل حملات التوعية العامة والنقل الجيد وتوافق البناء مع المناخ المحلي.
إن تحديات الطاقة التي تواجهها دول الخليج ليست مختلفة عن التحديات المتعلقة بالكربون التي نواجهها في الغرب. ولكن ضرورة اتخاذ إجراءات فعالة لمواجهة تلك التحديات تراجعت أمام الخوف من الإضرار بالمصالح الخاصة أو عرقلة التقدم. وعلى الرغم من الخطاب الرسمي للدولة، تكشف الحقائق عن تخبط ومقاربات متناقضة من تلك القضية. ومع ذلك، فإنه من المرجح أن تحصد مشاريع الطاقة النظيفة التي تساوي مليارات الدولارات على الدعم الدولي.

غلادا لان - زميل الباحثين المتخصص في الطاقة والتنمية بشاسام هاوس (المعهد الملكي للشؤون الدولية) في لندن.

التعليقات