10/11/2010 - 02:56

"بلاكبيري" في الشّرق الأوسط يهدّد السّيادة الوطنيّة

طوال حياته العملية المتميزة التي استمرت 15 عاما كان فيها أعظم لاعب تنس في التاريخ، استخدم بيت سامبراس مضرب التنس القديم ذاته موديل ويلسون برو ستاف 6.0، في تخليد مسيرته الرياضية. وعلى الرغم من أن مضرب برو ستاف كان الخيار الذي يلجأ إليه عدد من اللاعبين المميزين، بمن فيهم ستيفان إيدبرغ وشتيفي غراف وروجر فيدرير في بداية مسيرته، فإنه لا توجد أسطورة رياضية أخرى يرتبط اسمها بهذا المضرب سوى سامبراس.

 

 

في شهر أغسطس (آب) الماضي، وجدت شركة «ريسيرش إن موشن» المصنعة لهاتف بلاكبيري المحمول ذاتها، وسط خلافات دبلوماسية مع الإمارات والسعودية والهند، وعلى الرّغم من عدم تنفيذ تهديدات بحجب الخدمة، فإن المواجهة تثبت أن قطاع الاتصالات العالمي أصبح مكانًا يزداد فيه الغموض.

طوال حياته العملية المتميزة التي استمرت 15 عاما كان فيها أعظم لاعب تنس في التاريخ، استخدم بيت سامبراس مضرب التنس القديم ذاته موديل ويلسون برو ستاف 6.0، في تخليد مسيرته الرياضية. وعلى الرغم من أن مضرب برو ستاف كان الخيار الذي يلجأ إليه عدد من اللاعبين المميزين، بمن فيهم ستيفان إيدبرغ وشتيفي غراف وروجر فيدرير في بداية مسيرته، فإنه لا توجد أسطورة رياضية أخرى يرتبط اسمها بهذا المضرب سوى سامبراس.

كذلك أصبح هاتف بلاكبيري الذكي بالنسبة لرجل أعمال القرن الواحد والعشرين مثل مضرب ويلسون برو ستاف بالنسبة لبيت سامبراس. وكما استخدم سامبراس سيفه المصنوع من الغرافيت ليمهد له طريقا إلى التفوق العالمي، يعتمد رجال وسيدات الأعمال اليوم على بلاكبيري في تنفيذ صفقاتهم وإدارة لوجيستيات عالمية عن طريق جهاز يمسكون به في راحة أياديهم.

في الواقع، أصبح بلاكبيري جزءا لا يتجزأ من الحياة المالية العصرية، لدرجة أنه أصبح من الصعب تخيل مسؤول في مصرف استثماري أو مدير صندوق لا يحمل جهاز بلاكبيري معه.

لنتخيل الهلع الذي لا بد أنه أصاب شرايين الشركات في دبي عندما أعلنت الإمارات إمكانية فرض حظر على خدمة بلاكبيري في شهر أغسطس(آب).

وجدت شركة «ريسيرش إن موشن» الكندية التي تصنع هواتف بلاكبيري ذاتها فجأة تحت هجوم من قادة الإمارات، الذين طالبوا بأن تسمح الشركة للحكومة بمساحة أكبر في الوصول إلى بيانات الشركة التي ترسل عبر شبكاتها. وقال المسؤولون إن القدرة على مراقبة تلك البيانات مهمة بالنسبة لجهود البلاد في التعرف على الهجمات المحتملة وإيقافها.

ولكن كانت المشكلة أن جميع البيانات التي يتم إرسالها عبر شبكة الشركة مشفرة ومحفوظة في سرية على خوادم في كندا والولايات المتحدة، أي أن الإمارات لا تملك بالطبع سلطة للوصول إليها. وبالإضافة إلى أن البيانات محفوظة بإحكام شديد، سيكون من الصعب للغاية، إن لم يكن مستحيلا، الوصول إليها. بل ويدعي مهندسو الشركة أنهم لا يملكون «مفتاحا» لفتح النظام.

وحينها، كرد فعل على ذلك، هددت الإمارات بحجب جميع رسائل البريد الإلكتروني والرسائل النصية وخدمات الإنترنت عن طريق بلاكبيري داخل البلاد بحلول 11 أكتوبر (تشرين الأول) إذا لم تلبِ الشركة مطالب الدولة وتفتح قواعد بياناتها. وفي الوقت ذاته، أطلقت السعودية والكويت والإمارات تحذيرات منذرة مشابهة.

وفي النهاية، لم يتم الحجب. وبعد أيام من موعد 11 أكتوبر، أعلنت هيئة تنظيم الاتصالات الإماراتية أن البنية التحتية للشركة الكندية أصبحت تتفق مع مطالب الشركة، وأن مستخدمي بلاكبيري يمكنهم التمتع بخدمة دون انقطاع نتيجة لذلك.

وتجنبت شركة «ريسيرش إن موشن» حظرا مماثلا في الهند والسعودية، حيث تردد أن الشركة هدأت من المطالب الحكومية بوضع خادمين داخل الدولتين المعنيتين.

إذن، تم تجنب الأزمة، أليس كذلك؟ حسنا، تم تجنبها نوعا ما.

الاتّصالاتُ الحديثةُ: هل هي حلمٌ مؤجّل؟

يبدو على الأقل على السطح أن كل شيء على ما يرام الآن بين «ريسيرش إن موشن» وأسواقها في الشرق الأوسط. ويتردد أن الشركة الكندية اجتمعت مع مسؤولي الحكومات المعنية ورجال أعمال ومسافرين أجانب ما زال في إمكانهم استخدام هواتفهم المزودة بخدمة بلاكبيري لتصفح الإنترنت وهم أعلى برج العرب.

ولكن يجب أن تسبب حقيقة أن جزءا كبيرا من منطقة الشرق الأوسط كاد أن يحجب خدمة بلاكبيري قلقا على عدة مستويات.

حتى الآن، تركزت المناقشات في المواجهة بين الشركة والإمارات على توازن هش للغاية بين السيادة الوطنية والاتصالات عبر الحدود.

على الرغم من كل شيء، ترجع روح كل شركة اتصالات أو خدمات إنترنت كبرى إلى العولمة. وعلى النقيض من الصناعات الأخرى التي تعتمد على السلع أو الخدمات، يعتمد قطاع الاتصالات العالمي تقريبا على سلعة واحدة مهمة فقط: الجمهور البشري.

تظل الشركات المالية العملاقة مثل «ريسيرش إن موشن» و«غوغل» و«فيسبوك» تحديدا، قوية طالما سمح لها مستخدموها من الأفراد بذلك. ولا تقاس قوتها في الأساس بالصادرات، أو الإنتاج، أو المبيعات، بل بقدراتها على تقديم خدمة الاتصال بين الناس، وتنظيم تيار من المعلومات. ومن أجل البقاء على قمة المنحنى، يجب على شركات الاتصالات عبور الحدود باستمرار؛ وأن تجوب المعمورة بحثا عن عملاء جدد، وأسواق جديدة، ونقرات جديدة.

وكما تقتضي الحكمة التقليدية، هذا ما يفترض أن تفعله تحديدا التكنولوجيا الحديثة. وكما قيل، إن شبكة الإنترنت هي القرية العالمية الجديدة، إنها فراغ دون احتكاك، تتدفق فيه المعلومات بسلاسة عبر الحدود، وبسرعات يبدو أنها تتحدى الجغرافيا والسياسة وقوانين الفيزياء.

ولكن كما أظهرت الشهور الأخيرة، ربما تكون هذه الرؤية للتكنولوجيا الحديثة كقوة فائقة بين القارات محصنة دبلوماسيا مجرد وجهة نظر.

على سبيل المثال في بداية العام الحالي، وجدت الصين نفسها وسط خلاف محدق مع «غوغل» بشأن رفض شركة «غوغل» التي يقع مقرها في سان فرانسيسكو لفرض رقابة على نتائج البحث، وهو أحد أعمدة النظام الرقابي للإنترنت في النظام الشيوعي. وفي واقعة أحدث، اختلف محرك البحث مع القادة السياسيين في ألمانيا بشأن خاصية «ستريت فيو» في «غوغل»، التي اعتبرها كثير من الألمان تهديدا لحقوق الخصوصية التي تحميها بلادهم.

وانتهت كلتا المواجهتين، مثل الخلاف بين «ريسيرش إن موشن» والشرق الأوسط، في النهاية، بدرجات مختلفة من التسوية. وحتى مع كل قوتها ونفوذها العالمي، ما زالت اثنتان من أكبر شركات التكنولوجيا في العالم غير قادرة على التغلب على روح السيادة القومية المتأصلة بشدة.

سوق الشّرق الأوسط غير المُستقرّ

حتى الآن، يبدو أن شركات الاتصالات العالمية ليس لديها خيار إلا السير بحذر بين ألغام متشابكة من الدبلوماسية والأمن القومي والسياسة الرقابية. ولكن ماذا عن المستهلكين؟ أو أكثر تحديدا، ماذا عن رجال وسيدات الأعمال الذين يعملون في الشرق الأوسط؟

دعونا نتجاهل، للحظة، الأسئلة السياسية المجردة المحيطة بقضايا مثل المراقبة الحكومية، أو التوازن الهش بين جهود مكافحة الإرهاب والحقوق المدنية. وبينما تتعلق هذه الأسئلة بالتأكيد بأية نقاشات تتطرق إلى شركات التكنولوجيا العالمية، يمكنها أن تؤدي بنا إلى أفكار أكثر ضبابية وأبعد عن الموضوعية.

وفي هذا السياق الذي يتزايد ابتعاده عن السياسة، لن تنشأ أخطر تبعات أزمة «ريسيرش إن موشن» في الشرق الأوسط عن إمكانية تفريخ دول بوليسية، بل عن تنمية الطقس الخانق من الغموض الاقتصادي.

وبالتأكيد ربما تكون شركة «ريسيرش إن موشن» قد حققت مطالب الإمارات، ولكن ما زال من غير الواضح ما إذا كانت بالفعل فعلت ذلك. وقد التزم الطرفان الصمت على نحو مريب بشأن الاتفاق، ولم يعترفا علنا بأي تغيير محدد أدى إلى اتخاذ القرار الأخير بالإبقاء على خدمة بلاكبيري متاحة في البلاد. وبالطبع، ربما تصر الإمارات على مثل هذه الخصوصية من أجل مصلحة الأمن القومي، ولكن من المحتمل ألا يهدئ هذا الغموض من فكر رجال الأعمال الإماراتيين أو السعوديين أو الهنود الذين يشعرون بالقلق من أن يطل عليهم شبح حجب الخدمة من جديد بوجهه القبيح.

ومن الممكن أن يشكل عدم الإستقرار تهديدا شرسا للسوق، ومن الممكن أن يؤدي التردد الحذر بسهولة إلى مضاربات متهورة. ومن حسن الحظ أن ذلك على الأرجح لن يحدث في سوق بلاكبيري في أي وقت قريب. في الوقت الحالي، تدخل هواتف بلاكبيري الذكية بقوة في ثقافة العمل التجاري الحديث لدرجة عدم إمكانية التخلي عنها تحت وطأة جدل متزايد.

على أية حال، لم يتخل بيت سامبراس مطلقا عن مضربه طراز برو ستاف، ومن المرجح ألا يرمي رجال الأعمال العالميون بهواتف بلاكبيري بعيدا في المستقبل القريب. غير أن مشكلات «ريسيرش إن موشن» و«غوغل» الأخيرة  تكشف عن واقع أكبر، ربما يكون من الصعب على معظم المستهلكين المدمنين للتكنولوجيا تقبله. ربما تجعل وسائل الاتصال العالم تحت أناملنا، ولكن لا يزال العالم قادرا على النقر على زر الإغلاق في أي لحظة.

 

* أمار تور: محرر تكنولوجي في موقع "أمريكا أون لاين".

التعليقات