حلم "لمس الشمس" لم يعد مُستحيلًا... ماذا تعرف عن المسبار "باركر"؟

حلم

(أ ب)

يحلم علماء الفضاء منذ عام 1958، وهو العام الذي اكتشف فيه عالم الفيزياء الأميركي، يوجين باركر، وجود الرياح الشمسية، بإطلاق مركبة تحلّق عبر الهالة الشمسية، بهدف الاقتراب قدر المستطاع نحو الشمس, أو على الأقل السفر داخل مدار كوكب عطارد.

وبعد عقود من التخطيط، نجحت وكالة الفضاء والطيران الأميركية "ناسا"، في إطلاق مسبار باسم "باركر"، ليقترب حلم "لمس الشمس".

وسمي المسبار الذي أطلقته ناسا مؤخرا بمسبار "باركر" الشمسي، وهو مركبة آلية بحجم سيارة صغيرة، حيث انطلق، الأحد الفائت، من القاعدة الجوية "كيب كانافيرال" للقوات الجوية الأميريكية، في ولاية فلوريدا الأمريكية، في مهمة تستغرق سبع سنويات.

المسبار "باركر" (أ ب)

وسيصبح المسبار "باركر"، خلال ثلاث أشهر بالتقريب، أقرب إلى الشمس من أي مركبة فضائية أطلقت من قبل، وستأخذ أول قياسات مباشرة على الإطلاق للكَمّ الهائل من الطاقة في الشمس.

ومن المتوقّع أن تمر المركبة، بعد ثمانية أسابيع من الإقلاع، من أمام كوكب الزهرة، مستخدِمة جاذبية الكوكب للإبطاء والتسلل إلى مدار أضيق حول الشمس.

ومن المتوقّع أيضا أن يقترب المسبار للمرة الأولى، في 3 تشرين الثاني/نوفمبر 2018، أي بعد مروره من أمام كوكب الزهرة، ليصبح على بعد أكثر من 24 مليون كيلومتر من سطح الشمس. ومن هناك، ستدور المركبة الفضائية حول الشمس، مقتربةً إليها بالتدريج، بينما تمر محلقة في ذات الوقت من أمام كوكب الزهرة ست مرات أخرى، في مسار يمنح المركبة الوقت الكافي لجمع المعلومات، كما قال المهندس مصمم المسبار، يانبينج جو.

وتعود خطط إرسال مسبار لدراسة الهالة الشمسية إلى العام 1958، حيث أدرجت "ناسا" 14 مهمة هدفها التحقّق من هذه الخطط، والتي تشمل زيارة جميع كواكب المجموعة الشمسية، لتكون مهمة الاقتراب من الشمس دون ذوبان المركبة المرسلة؛ بسبب درجة الحرارة المرتفعة للغاية، هي المهمة الوحيدة التي استعصت على الوكالة من بين جميع البعثات.

ووضّح العالم يوجين باركر، في نظريته حول "الرياح الشمسية" عن كيفية إطلاق النجوم للطاقة. وتنبأ بأن أجواء النجوم مشابهة لجو شمسنا، من ناحية درجة الحرارة هائلة الارتفاع، لدرجة أنها تتدفق إلى الخارج باستمرار، حيث تتأثر جميع الكواكب المحيطة بهذه الجسيمات.

وكانت مسألة وجود "الرياح الشمسية" غير قابلة للتصديق من معظم المجتمع العلمي حتى عام1962، حتى غاصت مركبة الفضاء التابعة لناسا، والتي تدعى "مارينر 2"، في الفضاء، وقاست بالفعل من جزيئات الرياح الشمسية لأول مرة في التاريخ.

وانطلق مسبار الفضاء البعيد "هيليوس 1" لأول مرة وبالتعاون بين "ناسا" وألمانيا في العام 1974، وتبعه "هيليوس 2"، في العام 1976. حيث تمحورت مهمة المسبارين حول دراسة تأثير الشمس على بيئة الكواكب ومحيطها.

لحظة إطلاق المسبار "باركر" (أ ب)

وكسر المسباران رقم سرعة قياسيا للأجسام الصناعية الأسرع على الإطلاق, وسجّل سرعة 252,792 كم/ ساعة (70.2 كم/ ثانية). كما وسجلا رقما قياسيًا للتصوير الأقرب إلى الشمس على بعد 45 مليون كيلومتر تقريبا، داخل مدار عطارد.

وأكمل المسباران مهمتهما الأساسية في أوائل الثمانينات من القرن الفائت حيث دارا حول الشمس في شكل بيضوي، وواصلا إرسال البيانات حتى 1985.

وأطلقت "ناسا"، قبل سنتين، سفينة فضاء في رحلة "ستيريو" بهدف دراسة الشمس. وهدفت المهمة إلى تقدير الأضرار التي تسببها "التسوناميات الشمسية" على الأرض، وهي انفجارات قوية، تبث أشعة كونية شمسية، والتي من الممكن أن تدخل الغلاف الجوي الأرضي.

وهذه الأشعة تسبب مشاكل تقنية كبيرة، كما أكد خبراء، مثل انقطاعات في تيار الكهرباء، وتشويشات في الاتصالات الجوية، وتؤثر على شبكات الهواتف المحمولة أيضًا، وقد تشكل خطرا على الرحلات إلى الفضاء وروادها.

وأشارت "ناسا" إلى أنّ الصور التي التقطتها السفينة قد مكّنت العلماء من رؤية التسوناميات الشمسية بشكل ثلاثي الأبعاد، ومكّنتهم من قياس سرعتها وكتلها واتجاهاتها.

ويُعد إطلاق المسبار "باركر" إنجازا لـ"ناسا"، لأنّها تغلّبت على مشاكل كانت تعيق إرسال مسبار يقترب من الشمس أكثر بسبب حرارتها الهائلة، واستغرق العمل على تجهيز مهمة مسبار "باركر" ستين عاما، أي منذ الإعلان عن خطط أولية لإرسال مسبار نحو الشمس.

ومن المتوقّع أن ينغمس المسبار "باركر" مباشرة في الغلاف الجوي الخارجي للشمس، أو ما يعرف بهالة "إكليل الشمس"، حيث يحمل أدوات مصممة لفحص الهالة الشمسية مباشرة، ومن المتوقع أن تصل درجة الحرارة على الدرع الواقي للمسبار إلى حوالي 1300 درجة مئوية.

المسبار "باركر" قبل إطلاقه (أ ب)

والأدوات محميّة بدرع حراري، عرضه 2.4 متر، ومصنوع من رغوة كربونية سمكها 11 سنتيمترا، محصورة بين طبقتين من مركب كربوني، ولديها القدرة على أن تتحمل درجات حرارة تقترب من 1400 درجة مئوية. بينما تُبرّد الألواح الشمسية, التي تشغّل المركبة الفضائية، من خلال نظام مياه مماثل لمبرّد محرّك السيارة.

وستُثنى غالبية الألواح الشمسية أثناء اقترابها من الشمس، لتعود إلى ظلّ الدرع الحراريّ لسخونتها الهائلة.

وسيحقق المسبار رقما قياسيا في الاقتراب إلى الشمس بمسافة 6.16 مليون كيلومتر، بينما آخر رقم قياسي سُجل كان لا يتعدى الـ45 مليون كيلومتر.

ومن المتوقّع أن يكون المسبار "باركر" أسرع آلة تتحرّك صنعها البشر في التاريخ، إذ ستتجاوز سرعته 190 كم/ ثانية (11 ألفا و400 كم/ دقيقة أي 690 ألف كم/ ساعة).

ويهدف إطلاق المسبار "باركر" لإيجاد الإجابة على بعض أكبر الأسئلة البارزة في علم الفضاء حول الشمس، مثل مصدر الحرارة الهائلة التي تصل إلى ملايين الدرجات، بينما تحافظ على السطح تحتها باردًا نسبيا.

وأحد أهداف إطلاق المركبة الفضائية "باركر" هو زيارة محل نشوء الرياح الشمسية، التي تُعدّ فيضًا من الجسيمات النشطة التي تنساب إلى النظام الشمسي بسرعات قد تصل إلى 800 كيلومتر في الثانية، وتؤدي إلى تعطيل الاتصالات والأقمار الصناعية وأنظمة الملاحة، لكنها في المُقابل تولد شفقا قطبيا جميلا.

إطلاق المسبار "باركر" (أ ب)

ومن المتوقّع أن تساعد البيانات التي يتأمل العلماء أخذها من هذا المسبار، فهمهم للصورة المعقدة لتجميع الجسيمات، والمجالات المغناطيسية، والطاقة في الشمس. وأن تساعدهم في بدء حقبة جديدة من دراسات الشمس والعلوم الفلكية.

ومن المخطّط أن تطلق وكالة الفضاء الأوروبية مركبتها الفضائية "سولار أوربيتر (Solar Orbiter) عام 2020، بهدف دراسة الشمس عند خطوط عرض أعلى، ومن نقطة أبعد في الفضاء مما سيفعله المسبار "باركر".

و سيبدأ تليسكوب "دانيال كيه إينوي" الشمسي، بحلول العام 2020، في هاواي، العمل على إنشاء خرائط يومية للهالة الشمسية.

 

التعليقات