24/01/2023 - 19:47

ملفات تويتر: ما وراء الستار... الفلسطيني أول المقموعين 

تويتر أكد مراراً بأن الحسابات الأجنبية التي يُفترض بأنها تنشر معلومات مُضللة ليست ذات تأثير يُذكر، إما لقلة متابعيها أو ضيق مدى نشرها

ملفات تويتر: ما وراء الستار... الفلسطيني أول المقموعين 

(Getty)

(ترجمة: عرب٤٨)

كشفت لنا ملفات تويتر عما يجري وراء الستار في الشركة العملاقة وكنا نشك فيه، صحيح أن النقاشات الحالية تتناول في الغالب الأسباب وراء نشرها، ومن بالضبط نشرها وكيف، والحسابات السياسية وراء ذلك، وما شابه، إلا أننا بحاجة لننظر بدقة أكثر للملفات نفسها، خاصة لمن في الأحزاب اليسارية. صحيح أن بعض النقد مصيب، خاصة مدى مصداقية الملفات، لكننا يجب أن نحلل طبيعة العلاقة التي تربط منصات التواصل الاجتماعي بأجهزة المخابرات ووكالات الأمن القومي، وتبعات هذا النشر على مستقبل منصات التواصل الاجتماعي.

إحدى تلك الأجهزة كانت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تحت مسمى «وكالة حكومية أخرى» في الرسائل المتبادلة في الملفات، والتي يؤكد الصحفي مات طيبي الذي نشر الملفات بأنها كانت حاضرة «دائمًا تقريبًا» في اجتماعات فريق العمل المعني بالتأثير الأجنبي «FITF»، وحاضرة كذلك في اجتماعات تبادل المعلومات مع كل شركة تقنية كبرى تخطر على بالكم.

تبدأ وكالة المخابرات المركزية الاجتماعات عادة بملخص إعلامي، وفقًا لطيبي، من ثم تبادل المعلومات الاستخباراتية مع قائمة من الشركات، مثل ويكيميديا، وذلك «للبحث عن خيوط التحقيقات المحتملة»، أي للتفتيش عن قضية مُحتملة أو تتبعها. في إحدى رسائل البريد الإلكتروني، أوضح رئيس الثقة والسلامة في تويتر آنذاك يوئيل روث أنه يعتبر تزويد مكتب التحقيقات الفيدرالي بالمعلومات كأنه يعمل بالوكالة لمجتمع الاستخبارات.

بالطبع علاقة توتير معه أعمق بكثير، إذ يشار إلى أن تويتر عيّن العديد من موظفي مكتب التحقيقات الفيدرالي السابقين، ومنح المكتب في الفترة التي سبقت الانتخابات الأمريكية المسؤولين التنفيذيين في تويتر تصاريح أمنية مؤقتة لتبادل المعلومات السرية مع شركات التكنولوجيا، مؤكداً بأنه لا توجد «أية عوائق» أمام هذا النوع من التبادل المشترك، بل أنشئ المكتب منصة تسمى Teleporter لتبادل التقارير مع تويتر، شبيهة ببوابة فيسبوك التي استعملوها لتقييد المحتوى عليه.

في مرحلة ما، طلب العميل إلفس تشان في مكتب التحقيقات الفيدرالي من موظفي تويتر تقديم «أية معلومات عن المواقع الجغرافية» لقائمة من الحسابات المخصصة لنشر معلومات المضللة عن الانتخابات، ليتبعها طوفانًا من طلبات الرقابة الأخرى، تكون أحيانًا على شكل جداول أكسل لطولها، وغالبيتها «تقارير لحسابات محلية [أمريكية]»، على الرغم من أن فريق العمل المعني بالتأثير الأجنبي « FITF» يركز، اسميًا على الأقل، على التأثير الأجنبي والتجسس الخارجي، لكنها تراقب الكل.

الصادم أن تويتر أكد مراراً بأن الحسابات الأجنبية التي يُفترض بأنها تنشر معلومات مُضللة ليست ذات تأثير يُذكر، إما لقلة متابعيها أو ضيق مدى نشرها، لكن المكتب الفدرالي لم يكترث وظل يضغط على تويتر. بالطبع لهذه الممارسة تاريخ طويل منذ «الحرب على الإرهاب»، فعندما يعجز المكتب الفدرالي عن إيجاد تهديدات فعلية يخترعها، وقضايا اضطهاد الشباب المسلم في أمريكا ونصب الشراك لهم ليست ببعيدة، وكذلك الحال مع المتظاهرين السود الذي يُسمونهم في ملفاتهم «متعصبو الهوية السوداء.»

الكثير من الحسابات الروسية المُراقبة كانت هامشية، لكن المكتب الفدرالي نشر الفزع عبر المقالات الإخبارية، والتأثير عبر شتى القنوات في قضايا أخرى كذلك مثل مظاهرات جورج فلويد وغيرها ونسبها إلى تدخل روسي، وظلت التقارير الداخلية تشير مرارًا لغياب أية أدلة فعلية وقوية لتدخل روسي في الانتخابات أو غيرها من الأحداث.

كما ضغط المكتب الفدرالي على تويتر لتخفيف معايير الخصوصية وتسليم بيانات المستخدمين، وأعلن عن استيائه مرارًا من قلة التهديدات الأجنبية التي تُبلغ عنها إدارة تويتر. في يوليو 2020، أرسل مكتب التحقيقات الفيدرالي إلى شركة تويتر استبيانًا مطولًا يطالبها بشرح استنتاج الشركة بأنه «لم يُلاحظ الكثير من الأنشطة الحديثة من الجهات البروبوجاندية الرسمية.» وأشار المكتب إلى أن بعض المنصات الاجتماعية الأخرى تقدم معلومات أكثر بكثير منهم.

فعلق يوئيل روث «الحائر» بأن الأسئلة كانت «أشبه بتحقيق مع لجنة في الكونغرس»، وأشار أنه غير «مرتاح» للآثار المترتبة على صناعة «منصات إعلامية تسيطر عليها الدولة» التي يسعى المكتب الفدرالي لإنشائها معهم.

كتب مدير السياسة العامة كارلوس مونجي في يناير 2020: «لقد رأينا جهدًا مستدامًا [وإن كان غير منسق] لمجتمع الاستخبارات لطلب المزيد من المعلومات وتغيير سياساتنا... يحققون ويضغطون في كل مكان [بما في ذلك عن طريق التأثير على موظفي الكونغرس]. يجب أن نبقى على اتصال وأن نحافظ على جبهة صلبة ضد هذه الضغوط»، كان هذا البريد الإلكتروني استعدادًا لاجتماع قادم مع المكتب الفدرالي سيطلب فيه بيانات مستخدمين بدون أمر قضائي.

كما ضغط البيت الأبيض على تويتر، خاصة لحظر أليكس بيرينسون، مراسل نيويورك تايمز السابق الذي نشر مجموعة متنوعة من المعلومات المشكوك فيها حول اللقاحات في خضم الجائحة. بالطبع قبول هذه السابقة يعني قبول تكرار نفس الأمر مع أية إدارة مستقبلية ومع أي منصة أو أي شركة وسائط اجتماعية أخرى بإزالة الحسابات التي يقررون بأنها تنشر معلومات مُضللة.

في الوقت نفسه، هناك أدلة على أن تويتر يتعامل مع الدعاية المرتبطة بالحكومة الأمريكية بشكل مختلف تمامًا، واعتمادًا على المواد الموجودة في ملفات تويتر، وجد لي فانغ من صحيفة «ذي إنترسيبت» أن الشركة أعفت عددًا من الحسابات من الرقابة بناءً على طلب واشنطن، وهي حسابات استخدمها البنتاغون لصقل الرأي العام في دول مثل العراق وسوريا، بما في ذلك المنافذ الإخبارية التي أنشأتها الحكومة، والسماح لها بالعمل بحرية لسنوات على المنصة حتى بعد أن أخفى البنتاغون صلته بالحسابات.

بالنسبة للكثير تويتر يشبه «ساحة عامة عالمية» لا أداة جيوسياسية في خدمة مصالح السياسة الخارجية لحكومة واحدة. من الأمثلة على هذا ما فعله مسؤول في القيادة المركزية الأمريكية عندما أرسل بريدًا إلكترونيًا لتويتر، يطلب منهم مباشرةً «إدراج» بعض الحسابات الناطقة باللغة العربية في القائمة البيضاء، والتي ربما صنّفها تويتر على أنها روبوتات، مشيرًا إلى أن البنتاجون يستعملها «لنشر رسائل معينة، بعد أن اكتسبت هذه الحسابات متابعين حقيقيين ونأمل في استثمارها».

إحدى هذه الحسابات المغلقة اليوم، روّجت للحرب على اليمن المدعومة من الولايات المتحدة بقيادة السعودية، ووصفت ضربات الطائرات الأمريكية بدون طيار بأنها «دقيقة» وتستهدف الإرهابيين فقط بدلاً من المدنيين.

كما يمتلك تويتر جميع الأدوات لخنق المستخدمين بهدوء، ولديه قواعد متضاربة حول موضوع المحتوى المُخالف، كما اتضح من الملفات أنه يستعمل تقنية «تصفية الرؤية»، التي يمكن استخدامها «لقمع ما يراه الناس على مستويات مختلفة» دون أن يُحضر الشخص المُراد صراحة، ولديهم قائمة بنوع التضييق المحدد مثل «القائمة السوداء للاتجاهات» و«القائمة السوداء للبحث» و«عدم التضخيم»، وكلها تهدف لتعقيد علميات البحث عن حسابات معينة أو اكتشافها.

كما كشفت الملفات عن تضارب وتناقض في مواقف تويتر في التعامل مع حساب ترمب، متيحة مساحة أكبر للحسابات المعارضة له رغم اختراقها لبعض شروط خدمتهم، وهو ما قد يعاقب عليه آخرين، وغيرها من القضايا الشبيهة، التي تكشف عن مواقف سياسية تعمل في الخلفية.

إن هذا القمع السياسي أيًا كان مصدره أو الطرف المتلقي له يبدأ دائمًا بالحواف الخارجية قبل أن يتوغل للداخل، والقبول بهِ في مكان ما يعني القبول بهِ في كل مكان، لهذا السبب ندد الليبراليون واليساريون بشدة بمجموعة من تجاوزات «الحرب على الإرهاب» التي استهدفت في البداية الإرهابيين الفعليين، وهذا ليس لأنهم اتفقوا مع الإرهابيين أو اعتبروا كلماتهم وأفعالهم مشروعة، ولكن لأن مثل هذه الصلاحيات يمكن بسهولة إساءة استخدامها كسلاح ضد الآخرين.

أشار مات طيبي ردًا على سؤال طرحه عليه موقع كالين إلى أن «الحسابات الفلسطينية غالبًا ما تكون بمثابة الكناري في منجم الفحم (أي أول من يتلقاها) عند تطبيق تقنيات الاعتدال أو الرقابة الجديدة»، لكنه أضاف أن بياناتهم لم تظهر في مجموعة الرسائل الأولى التي سحبها من قواعد تويتر. وقال: «آمل أنه بمجرد أن نتمكن من إلقاء نظرة عالمية أكبر على الملفات، يمكننا البدء في النظر في ذلك».

ولكن سواء بحث طيبي أو غيره عن حالات الرقابة التي تستهدف اليسار أم لا، يمكن أن تتغير أشياء كثيرة في السنوات المقبلة تجعل الوضع الراهن أكثر خطورة على اليساريين: فقد يبدأ تويتر في توظيف المحافظين، أو يبالغ في التصحيح لمواجهة الانتقادات اليمينية، أو يخضع لضغوط مكتب التحقيقات الفيدرالي المتزايدة، أو يتلقى حملة شرسة من وكالات الأمن لقمع اليسار، خاص لو عاد رئيس جمهوري للبيت الأبيض والكثير من السيناريوهات السيئة المشابهة.

إن الخطاب الذي يتبناه المحافظون للضغط وقمع شركات التكنولوجيا ومطالبات فرض الرقابة خطيرة للغاية، وأفضل دفاع لدينا هو معارضة هذا المد منذ اليوم، لا بعد فوات الأوان.

التعليقات