"أخلاقيّات التكنولوجيا الحيويّة": حدود الهندسة الوراثيّة

كانت الكائنات المعدّلة وراثيًّا (GMOs) في طليعة تطبيقات التكنولوجيا الحيويّة في الزراعة، وتمّ تصميم هذه الكائنات الحيّة لامتلاك سمات محدّدة تعزّز مقاومتها للآفات أو الأمراض أو الظروف البيئيّة

(Getty)

شهد مجال التكنولوجيا الحيويّة تطوّرات ملحوظة في السنوات الأخيرة، لا سيّما في مجال الهندسة الوراثيّة، حيث فتحت هذه الاختراقات إمكانيّات جديدة لتحسين صحّة الإنسان، وتعزيز الإنتاجيّة الزراعيّة، والتصدّي للتحدّيات البيئيّة، ومع ذلك، فإنّ هذه التطوّرات تثير أيضًا اعتبارات أخلاقيّة عميقة يجب فحصها بعناية.

وأحدثت تقنيّات تحرير الجينات، مثل "CRISPR-Cas9"، ثورة في القدرة على تعديل الشفرة الجينيّة للكائن بدقّة، وهذا له إمكانات هائلة في علاج الأمراض الوراثيّة والنهوض بالبحوث الطبّيّة، ومع ذلك، تظهر المخاوف الأخلاقيّة عند النظر في التطبيقات الأوسع لتحرير الجينات، وتثير القدرة على التلاعب بالسلالة الجرثوميّة البشريّة تساؤلات حول قدسيّة الحياة البشريّة، والموافقة، وإمكانيّة إنشاء أطفال مصمّمين، وبينما يتيح تحرير الجينات إمكانيّة القضاء على الاضطرابات الوراثيّة، يصبح الخطّ الفاصل بين العلاج والتعزيز غير واضح.

وكانت الكائنات المعدّلة وراثيًّا "GMOs" في طليعة تطبيقات التكنولوجيا الحيويّة في الزراعة، وتمّ تصميم هذه الكائنات الحيّة لامتلاك سمات محدّدة تعزّز مقاومتها للآفات أو الأمراض أو الظروف البيئيّة، وفي حين أنّ الكائنات المعدّلة وراثيًّا لديها القدرة على زيادة غلّة المحاصيل وتقليل استخدام مبيدات الآفات وتحسين الأمن الغذائيّ، إلّا أنّ هناك مخاوف أخلاقيّة تتعلّق بتأثيرها طويل المدى على صحّة الإنسان والبيئة، ويجادل النقّاد بأنّ العواقب غير المقصودة لإطلاق الكائنات المعدّلة وراثيًّا في النظم البيئيّة تظلّ غير مؤكّدة ويمكن أن يكون لها آثار ضارّة على التنوّع البيولوجيّ والتوازن البيئيّ، وتثير إمكانيّة سيطرة الشركات على سوق البذور وتهميش صغار المزارعين تساؤلات حول الإنصاف والعدالة الاجتماعيّة.

وتقدّم التطوّرات في التكنولوجيا الحيويّة طرقًا واعدة لتحسين صحّة الإنسان، مثل تطوير العلاجات المستهدفة والطبّ الشخصيّ، ومع ذلك، تظهر الاعتبارات الأخلاقيّة في مجالات الخصوصيّة والإنصاف وإمكانيّة الوصول، ويثير جمع واستخدام البيانات الجينيّة مخاوف بشأن الخصوصيّة وإمكانيّة التمييز على أساس الميول الجينيّة للفرد، بالإضافة إلى ذلك، هناك خطر يتمثّل في أنّ هذه التقنيّات قد توسّع الفجوة بين أولئك الّذين يستطيعون تحمّل تكاليف العلاجات باهظة الثمن والّذين لا يستطيعون، ممّا يؤدّي إلى تفاقم الفوارق الصحّيّة الحاليّة، ويتطلّب ضمان الوصول العادل إلى التطوّرات الجينيّة وحماية الخصوصيّة الفرديّة مبادئ توجيهيّة أخلاقيّة شاملة وآليّات تنظيميّة قويّة.

ويمكن أن يؤثّر استخدام التكنولوجيا الحيويّة في الزراعة بشكل كبير على التنوّع البيولوجيّ وديناميكيّات النظام البيئيّ، وبينما تقدّم الكائنات المعدّلة وراثيًّا فوائد محتملة من حيث زيادة إنتاجيّة المحاصيل، وتقليل استخدام الموادّ الكيميائيّة، وتحسين مقاومة الآفات، فإنّ العواقب البيئيّة لم يتمّ فهمها بالكامل بعد، ويمكن أن يؤدّي التلقيح المتبادل بين المحاصيل المعدّلة وراثيًّا وأقاربها البرّيّة إلى انتشار الجينات المعدّلة في التجمّعات الطبيعيّة، ممّا قد يؤدّي إلى تعطيل النظم البيئيّة وتقليل التنوّع الجينيّ، وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ تركيز الصفات الوراثيّة في عدد محدود من المحاصيل قد يؤدّي إلى فقدان الأصناف التقليديّة، ممّا يقوّض السيادة الغذائيّة والتراث الثقافيّ، ويجب أن يكون الحفاظ على التنوّع البيولوجيّ وضمان الممارسات الزراعيّة المستدامة جزءًا لا يتجزّأ من الإطار الأخلاقيّ الّذي يحكم تطبيقات التكنولوجيا الحيويّة في الزراعة.

وتتطلّب معالجة التحدّيات الأخلاقيّة المرتبطة بالتكنولوجيا الحيويّة أطرًا تنظيميّة قويّة توازن بين الابتكار والرفاهية العامّة، ويجب أن تستند هذه الأطر إلى أدلّة علميّة، وأن تكون شفّافة، وتشرك مختلف أصحاب المصلحة، بما في ذلك العلماء وصنّاع السياسات وعلماء الأخلاق والجمهور، ويتطلّب اتّخاذ القرار المستنير الوصول إلى معلومات دقيقة وتعزيز محو الأمّيّة العلميّة، وبحسب خبراء، يجب أن يتضمّن الخطاب العامّ وجهات نظر متنوّعة لضمان فهم شامل للأبعاد الأخلاقيّة المطروحة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ تعزيز التعاون الدوليّ ومواءمة اللوائح يمكن أن يساعد في التنقّل في الطبيعة العالميّة للتقدّم التكنولوجيّ الحيويّ.

التعليقات