البشر يرون الكوابيس... ماذا عن الحيوانات؟

أسرت الأحلام الفلاسفة منذ العصور القديمة، وأبدوا اهتمامًا كبيرًا بها وببحثها، لكن الكوابيس، أخذت اهتمامًا ضئيلًا نسبيًّا

البشر يرون الكوابيس... ماذا عن الحيوانات؟

(getty)

في عمله "مصير الفيل"، يقدّم دوغلاس إتش، العالم في الأحياء البريّة، صورة قاتمة للفيل الحديث، والذي يصفه على أنّه مخلوق هائل لا حول له ولا قوّة، ومهدّد بالانقراض، ويعبّر دوغلاس عن صدمته الشديدة، ويوضّح أنّ الأنشطة البشريّة دفعت مجتمعات الأفيال إلى أقصى الحدود، بعد اقتلاعهم من عالمهم. ومن الأمثلة القويّة التي طرحها، والتي تقشعرّ لها الأبدان، الصدمة النفسيّة القويّة التي تسبّب فيها الإنسان، والتي تتمثّل في الكوابيس التي تمرّ بها هذه الكائنات.

عندما تشهد الأفيال الصغيرة مقتل أحد أفراد أسرتها على أيادي صائدي العاج، فإنّ الصور المروّعة للهجوم تبقى محفورة في ذاكرتهم، إلى درجة أنّ بعضهم يعاني بعد ذلك من كوابيس ما بعد الصدمة، والتي تؤدّي إلى خلل في عواطفهم، وقد تنهي حيوات بعض الأفيال.

لسوء الحظّ، فإنّ الأفيال ليست وحدها، فهناك العديد من الثديّات الأخرى التي تمرّ بنفس التجربة القاسية التي تسبّب بها الإنسان، بما في ذلك القطط والكلاب والرئيسيّات غير البشريّة. وتُعاني كذلك من كوابيس مرعبة بعد الأحداث الأليمة التي تعرّضت لها.

في كتابه الصادر في حزيران/ يونيو الفائت، صدر كتاب جديد للكاتب ديفيد بناغوتسمان، بعنوان "العالم الخفيّ لوعي الحيوان"، وقد حصد اهتمامًا علميًّا وإعلاميًّا في هذا المبحث.

وممّا جاء في الكتاب، أنّ العلماء تجنّبوا على مدى عقود طويلة الإجابة عن سؤال "هل تحلم الحيوانات؟، على الرغم من الاهتمام العلميّ بدراسة نوم الحيوانات. ويذهب ديفيد إلى أبعد من ذلك، إذ يؤكّد على أنّ الباحثين تجنّبوا طويلًا استخدام أيّ مفردة حول الأحلام في عالم الحيوانات، وبدلًا من ذلك، ركّزوا اهتمامهم جانب مهمّ وهو السلوكيّات التي تظهرها الحيوانات خلال نومها.

في كتاب "حياة مع الشامبانزي"، قدّمت الناشطة في مجال الحفاظ على البيئة شيلا سيدل قصّة بال، وهو شمبانزي التقته بعد أن تمّ تهريبه من عصابة من المهرّبين الذين حاولوا التسلّل بشكل غير قانونيّ إلى زامبيا في أوائل الثمانينات. كان بال بالكاد يستطيع التقاط أنفاسه، وكتبت سيدل "هذا الشمبانزي الصغير، هو كومة من العظام، تحطّمت أسنانه بشدّة، وجانبه الأيمن مقطّع، مكان الجرح متعفّن في وجهه، كان يعاني من الجفاف ومن إسهال رهيب… كان الذباب من حوله في كلّ مكان".

أُعيد بال إلى الحياة، إلّا أنّه كان أشبه بإنسان مصاب بجروح بالغة، إذ واجه صعوبة في التواصل الاجتماعيّ والتنقل حول العالم، وأصبح يعاني من الكوابيس لبقية حياته. ومثل بال، فهناك الكثير من الحيوانات التي تراودها الكوابيس أثناء نومها.

وكان باحثون من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، قد أعلنوا سابقًا في نتائج أبحاث أجريت، أنّ الحيوانات يمكنها أن تحلم بأحلام معقّدة، وأنّ لها القدرة على تخزين سلاسل طويلة من الأحداث، واسترجاعها أثناء النوم. ويدرك معظم مالكي الحيوانات الأليفة، أنّ الحيوانات النائمة، غالبًا ما تبدو وكأنّها تحلم.

أشارت مجلّة "نيتشر" عام 2015، إلى أنّ الفئران قد تعاني من الكوابيس بعد الإساءة الجسدية والنفسية، وذلك بعد قيام مجموعة من العلماء بصعق أقدامها في جامعة بكين، وقد تذكّرت الفئران مواقع التعذيب بشكل واضح، إلى درجة أنّ مجرّد الاتّصال بهذا الموقع، حتّى لو بعد أسابيع، فقد كان كافيًا لعودة الكوابيس أثناء نوم الفئران.

الباحثون الذين أجروا هذه التجربة، أطلقوا على هذا السلوك اسم "الاستيقاظ المذهل"، ووجدوا أنّ هذا السلوك يمكن أن يحدث للفئران التي لم تتعرّض للإيذاء الجسديّ، ولكن بدلًا من ذلك، أُجبرت على المشاهدة من خلال حاجز شفاف بينما تتعرض الفئران الأخرى للتعذيب، وهو ما يدل على أنّ الفئران لا تحلم بمعاناتها فحسب، وإنّما بمعاناة الفئران الأخرى.

ماذا يخبرنا الليل عن المخلوقات الأخرى

(getty)

لقد أسرت الأحلام الفلاسفة منذ العصور القديمة، وأبدوا اهتمامًا كبيرًا بها وببحثها، لكن الكوابيس، أخذت اهتمامًا ضئيلًا نسبيًّا، وهي التي تضيف طبقة فوق طبقة من التعقيد لفهم العقل، وهذا ينطبق على الإنسان والحيوانات على حدّ سواء.

ازداد نموذج علم النفس تعقيدًا، بعد دخول كوابيس قدامى المحاربين في الحرب العالميّة الأولى، وهُنا، تخلّى فرويد عن اعتقاده السابق، بأنّ جميع العمليّات النفسيّة يحكمها مبدأ المتعة فقط. أدرك فرويد، أنّ الكوابيس لا تتناسب مع هذا النموذج، وأدرك أنّ المتعة ليست هي الشيء الوحيد الذي يحرّك النفس.

عالما النفس، روس ليفين وتوري نيلسن، اقترحا أنّ الأحلام لها وظيفة أساسيّة وهي "محو الخوف". عندما نحلم، فإنّنا نقوم بإنشاء سيناريوهات افتراضيّة، تمكّننا من معالجة مخاوفنا العميقة، والتغلّب عليها بسهولة أكبر.

يمثّل الخوف القليل من الصعوبة في فهم الحيوانات، لأنّنا قد اعتدنا بالفعل، على التفكير فيها على أنّها مدفوعة بالخوف الفطريّ من الموت. لكنّ الخوف، هو قصّة أخرى هُنا.

وفقًا لمعظم التفسيرات الفلسفيّة، لا سيّما تلك المتجذّرة في المبادئ الوجوديّة، فإنّ القلق هو حالة مزاجيّة معقّدة، لا تستلزم فقط وعيًا بالمستقبل، وإنّما إحساسًا راقيًا بالذات، ويمكن للإنسان أن يخشى شيئًا ما اعتمادًا على تجاربه السابقة، إلّا أنّه قلق باستمرار ممّا قد يحدث مستقبلًا، وكيف يمكن أن يؤثر هذا الشيء عليه.

يمكن اعتبار الكوابيس نافذة على الحياة العاطفيّة للحيوانات من حولنا، ويمكن اعتبارها أيضًا مقياسًا لقدراتهم المعرفيّة، ولكي يمرّ حيوان ما بكابوس، يجب أن يمتلك على الأقلّ أربع قدرات عقليّة: القدرة على تخزين التجارب السابقة في الذاكرة طويلة المدى، والقدرة على تقسيم حلقات الذاكرة عقليًّا، والقدرة على استرجاع هذه العناصر لاحقًا، وإعادة تجميعها في حلقات جديدة، وأخيرًا، القدرة على تكرار الحلقات الجديدة أثناء النوم. ما هو الكابوس، إن لم يكن حلقات غير مريحة تتكوّن في مجملها من التجربة الحيّة؛ وهي الحلقات التي تمنح أعنف مشاعرنا منفذًا نحتاج إليه بشدّة.

التعليقات