"تشريح الحبّ" المحرّم، ودكّانة في القدس القديمة

رياض دعيبس في دكّانه - القدس القديمة

 

الحبّ الممنوع في القدس القديمة، ما يتناوله مشروع فيلم "تشريح الحبّ" للمخرج المقدسيّ رياض دعيبس، الحاصل على "جائزة Mad Solutions"، ضمن فعاليّات "أيّام فلسطين السينمائيّة"، الّتي تنظّمها "فيلم لاب فلسطين".

يتناول الفيلم قصّة شابّ مسلم وفتاة مسيحيّة يتحابّان، ولا يستطيعان إتمام علاقتهما بالزواج؛ بسبب العادات والتقاليد المجتمعيّة، الّتي تمنع الزواج المختلط بين الأديان المختلفة، وقد يصل الأمر إلى أن تمنع الزواج بين الطوائف المختلفة، المنبثقة عن ديانة واحدة.

مرّ الزمان ولم يتزوّج العاشقان، تزوّج هو، وأنجب ثمّ مات ودُفن في القدس؛ فاشترت هي قبرًا في مقبرة المسلمين، لتلقى معارضة كبيرة عند فعلها ذلك، لكنّها حين ماتت، استطاعت أن تُدفَن في مقبرة المسلمين إلى جانب حبيبها.

 

حواجز لا مرئيّة

حدّث المخرج وكاتب القصّة رياض دعيس فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة، عن هذا الفيلم، قائلًا إنّ قصّته واقعيّة بشكل كبير، ومقتبسة عن قصص حقيقيّة كثيرة، تحدث في المجتمع الفلسطينيّ، حيث الحواجز اللامرئيّة بين من يولدون لعائلات من ديانات مختلفة، تمنع التطوّر أو النشوء الطبيعيّ للعلاقات، وتبقى هذه الحواجز قائمة، على الرغم من التكاتف، والتكافل، والوحدة الاجتماعيّة.

 

علاقة مع الدكّان مستمرّة منذ عقود

 

وأضف بأنّ هذه الحواجز لا نراها في الحياة اليوميّة، لكنّها تظهر بشكل واضح ومجحف في حالات الحبّ والزواج؛ لتحفر قبرًا لأيّ محاولة كسر لهذا العقد الاجتماعيّ، وترفع جدرانها العالية الّتي قد يستحيل تخطّيها أو كسرها.

 

محظور

تبلغ نسبة السكّان المسيحيّين 2% من المجتمع الفلسطينيّ، ويبلغ عددهم في القدس حوالي عشرة آلاف شخص، بينما كان يصل إلى سبعة وعشرين ألف شخص عام 1947. يسهم الاحتلال كثيرًا في هجرة المسيحيّين من فلسطين، ولا سيّما من القدس وغزّة وبيت لحم، وتسهم صعوبة الحياة والضيق الاقتصاديّ، وضيق الأفق السياسيّ في هذه الهجرة أيضًا.

قلّة عدد المسيحيّين وتحوّلهم إلى أقلّيّة، تسهم كثيرًا في رفع الحواجز بين أبناء الديانات المختلفة، غير أنّ طبيعة التعاليم الدينيّة تسهم في هذا أيضًا؛ فالزواج بين الديانات المختلفة له محدّدات كثيرة في التعاليم الدينيّة، غير أنّه أصبح محظورًا، وبمنزلة أمر محرّم مجتمعيًّا.

من جهة أخرى، يستعرض الفيلم تفاصيل الحياة المقدسيّة في البلدة القديمة، جغرافيّتها، وتحرّكاتها الاجتماعيّة والتجاريّة، وتفاصيل النضال اليوميّ، وصراع البقاء؛ "الحياة في القدس صراع مستمرّ، مجرّد البقاء فيها نعمة، لكنّه صعب، ومعقّد، وممتلئ بالتحدّيات، هذه التحدّيات لا تأتي فقط من الاحتلال، لكنّ الإحباط اليوميّ، والإنهاك والتعب، وتعقيد الحياة؛ يجعلها أصعب فأصعب".

 

إدمان

ألم تعد الحياة في القدس بتلك الرومانسيّة الّتي نتخيّلها؟ هل أدّت صعوبة الحياة، والمسافة الكاذبة الّتي يصنعها الاحتلال وحواجزه وحصاره، ووجود الجنود في أزقّتها، إلى أن تصير وجعًا بعد أن كانت حلمًا؟

 

جانب من القدس القديمة

 

"القدس إدمان"، قال رياض دعيس: "أنا لا أستطيع أن أعيش في غيرها ولا بدونها، وهكذا المقدسيّون جميعًا، الآن، أنا أعمل في دكّانة أبي في البلدة القديمة، تركها أبي بعد أن أنهكه العمر والمرض، ثمّ تسلّمها أخي وتسلّمتها أنا منه. أجلس في الدكّانة، أبيع البضائع القليلة، وأتفرّج على الناس وحركتهم في القدس، يا الله! كم القدس ملهمة! هي مصدر إلهام أفلامي، معظمها، من هذه الدكّانة أرى الحياة، والاحتلال، والأطفال وأُمّهاتهم، والسيّاح وتحرّكاتهم، أرى الجنود وأسمع كذب الأدلّاء السياحيّين الإسرائيليّين، وأسمع قصص القدس من الكبار، وهم يقصّونها على صغارهم، أرى الصبايا والحبّ وعربات الكعك".

وتابع: "أمرّ بالمصرارة ثمّ باب العمود، وأدخل إلى الأزقّة في البلدة القديمة؛ رائحة التوابل، مناظر الحليّ المعلّقة، والخرز والتحف، كلّها إلهام في إلهام. ما أستطيع أن أقوله لك عن القدس كثير، لكن ما لا أستطيع قوله أكثر، لغتي هي الأفلام، وهكذا أتحدّث عن القدس، ورغم أنّ المتاعب كثيرة إلّا أنّ الجمال أكبر. أنا أحبّ القدس، هكذا؛ لأنّني أحبّ القدس".

 

لغة عالميّة

ويتميّز مشروع الفيلم الفائز في ما يحمله في سياقه، من اللغة العالميّة للحبّ، ثيمة الموت، تحدّي المحدّدات المجتمعيّة، الّتي يحاول الفيلم استكشافها بطريقة مثيرة، كوميديّة، وغير معتادة.

تأتي "جائزة MAD Solutions" ضمن إستراتيجيّة الشركة؛ لدعم صناعة السينما العربيّة، في مراحل الإنتاج المختلفة في الساحة الدوليّة والعربيّة، والترويج لها على المدى البعيد.

 

جانب من الحفل الختاميّ "لأيّام فلسطين السينمائيّة"

 

وفق لجنة التحكيم، "يتحدّث بلغة عالميّة عن الحبّ، وعبر قصّة أصليّة لحبّ في سنّ معيّنة، لا نراها كثيرًا في السينما، وحيث الدمج جيّد ما بين السياسة والفكاهة والحبّ، آملين أن نرى هذا الدمج حيًّا، بفيلم فلسطينيّ يُعرض في وقت قريب".

أخبرنا رياض دعيس بأنّ تصوير الفيلم سينتهي في شهر نيسان (أبريل) 2019، وأنّه سيُعرض قبل نهاية العام المقبل.

رياض دعيس مخرج سينمائيّ، ومدرّب فنون صناعة الأفلام، وُلد وتربّى في القدس، ثمّ تعلّم الإخراج السينمائيّ في سان فرانسيسكو، أخرج العديد من الأفلام القصيرة، منها "سفر التكوين" و"شويش شويش"، عمل في وحدة التلفزة في "جامعة بير زيت"، وتفرّغ الآن لصناعة السينما، ولدكّانة أبيه في القدس القديمة.

 

 

نداء عوينة

 

بدأت العمل الصحافيّ وكتابة المحتوى والتحرير عام 2008، نشرت العديد من المقالات في الصحف والمواقع العربيّة والفلسطينيّة. حاصلة على البكالوريوس في اللغتين الفرنسيّة والإنجليزيّة، والدبلوم العالي في الإعلام، ودرجة الماجستير في دراسات التواصل الدوليّ، والدكتوراه في نقد الأدب العربيّ المعاصر.