"في سبع سنين": الإسلام السياسي بين "فات الميعاد" و"أمل حياتي"

من فيلم "في سبع سنين"


تنتهي شارة الفيلم الوثائقيّ "في سبع سنين" الّذي بثّته قناة "الجزيرة" قبل أيّام، بأغنية "فات الميعاد" لأمّ كلثوم، بعد مشهد أخير يضرب فيه مقدّم البرنامج رأسه بالحائط؛ متأسّفًا على أحلام التحوّلات الكبرى، ومتأسّيًا على نموذجين لشريحة من الإسلاميّين الشباب؛ في محاولة أوّليّة ترصد ما جرى عليهم بعد الثورة والانقلاب، ليقول في النهاية: "فات الميعاد... وبقينا بعاد"؛ إذ ابتعد الشباب المنحرفون - كما يرى - عن وسطيّة الإسلام السياسيّ المنشود، بل وتحرّروا منه، وقد فات الأوان.

 

نموذجان: الإلحاد مقابل التطرّف

النموذج الأوّل "الإلحاد/ الشكّ واللادراية"، يستعرض تجارب عديدة لتحوّلات فرديّة حميمة، ويستقرئ جزءًا من شهادات شبابها، بأثر عميق لحادثة "ميدان رابعة" في مصر، وأحداث "شارع محمّد محمود" من قبلها، ويستذكر شهداء من أقارب الواقعين تحت تأثير "الصدمة"، ويُشير أيضًا إلى موضوعة "السلميّة" وخيبات عاطفيّة ونفسيّة، وحمولات كبيرة تهجس بها أرواحهم وعقولهم؛ فتاة سلفيّة، شابّ إخوانيّ، فتاة إسلاميّة أخرى، شابّ من أنصار الداعية عمرو خالد. أمّا النموذج الثاني "التطرّف والعنف المسلّح"، فيحاور ميدانيًّا مسلّحين ملثّمين غادروا مصر والتحقوا بالفصائل الجهاديّة في سوريا، بصورة فيها كثير من المساءلة والريبة والإشفاق.

 

 

بالعودة إلى الوراء؛ إلى التنظير اللاحق للانفجارات الثوريّة في العالم العربيّ، غير المصاحب لها، يمكن أيّ متحفّظ العودة إلى كلام أدونيس، المتحمّس للربيع العربيّ في بداياته، والمؤيّد للحراك الثوريّ، والمنتقد في الوقت نفسه "خروج المظاهرات من المساجد"، وطرح السؤال الآتي: هل يعبّر النموذج الأوّل - كما يعرضه الفيلم - عن الناجين المحتملين، في موضع تأكيدهم صواب فكرته حول مخرجات النشاط الثوريّ بصيغته الإسلاميّة؟ وهل يعبّر النموذج الثاني، عن الضحايا الأكيدين لفكرة الملاذ الأخير، والانتصار لمشروع الجماعة في المكان التأسيسيّ لصلاتها وانطلاقتها: المسجد، بقوّة السلاح؟

 

اجتراح المظلوميّات

إنّ مركزيّة الثورة المصريّة وتجاذباتها، حاضرة بقوّة في المشهدين "النقيضين"، حتّى يظهر أنّ الفاعل الأساسيّ في مظاهر التديّن سابقًا، والردّة لاحقًا، والاعتدال أوّلًا، والتطرّف ثانيًا، فشل الربيع العربيّ؛ إذ يمكن لهذه الارتدادات أن تندرج في تحوّلات صناعة اليأس والكآبات الثوريّة. ومع ذلك؛ لا يُجري الفيلم مراجعات في الإسلام السياسيّ وأدبيّاته وانتكاساته، بقدر ما يحاول اجتراح مظلوميّات جديدة، نافيًا مسؤوليّته عن المساهمة في تمظهرِ النموذجين بتعاطف دراميّ مجرّد، وتبرير يَسوق إليه الكثير من الذرائع.

وبالرجوع إلى أغنية أخرى لأمّ كلثوم "أمل حياتي"؛ يستذكر أحد المسلّحين الإسلاميّين في الفيلم مقطعًا منها؛ في إشارة إلى أنّ خياره المدفوع إليه، كان ردًّا معاكسًا على فقدان الأمل في متاهة الحياة، المتّصلة به وحده.

ثمّة الكثير ممّا يمكن نقاشه أيضًا حول لغة الفيلم، منها دلالة الرقم سبعة، إذ تُحيل - سياسيًّا - إلى سنوات انتكاسة الإسلام السياسيّ في مصر؛ ذلك بالعودة إلى التاريخ التأسيسيّ لـ "ثورة يناير"؛ في محاولة أخرى لخلقِ تماهٍ تامّ بين الإخوان والثورة، وتماهٍ ملازم له بين الدين والتديّن، والإسلام والإسلام السياسيّ، وتُحيل - قرآنيًّا - إلى حمولات "السنبلات السبع" مقابل "السبع العجاف"!

 

 

علي أبو عجميّة

 

من مواليد مدينة الخليل، حيث يعمل ويعيش. حاصل على البكالوريوس في الهندسة الكهربائيّة من جامعة بوليتكنك فلسطين. ينشر المقالات الثقافيّة والنصوص الأدبيّة في عدد من المنابر الفلسطينيّة والعربيّة. صدرت له مجموعة شعريّة بعنوان 'سفر ينصت للعائلة' (2014)، و"نهايات غادرها الأبطال والقتلة" (2017) عن الدار الأهليّة للنشر والتوزيع.