سماء واكيم: التطوع الشبابي روح مهرجان حيفا المستقل للأفلام

سماء واكيم، مديرة إنتاج المهرجان

 

لا تغيب عن الناظر في شوارع حيفا، وفي صفحات التواصل الاجتماعيّ، الإعلانات المتواترة للحدث الثقافيّ البصريّ الاحتفاليّ السنويّ، الّذي تشهده المدينة، وهو "مهرجان حيفا المستقلّ للأفلام". هذا المهرجان، الّذي تأسّس قبل أربع سنوات، يحظى باهتمام فئات كثيرة من المجتمع الفلسطينيّ؛ كونه يضع أمام المشاهد إنتاجات سينمائيّة محلّيّة وعربيّة، لن يجدها في قاعات السينما الإسرائيليّة الّتي تعمل على مدار السنة، وقد لا يجدها أيضًا في السينما البيتيّة، مثل نتفليكس. مخرجون مصريّون ولبنانيّون وتونسيّون لا يستطيعون بسبب الاحتلال الحضور بين جمهورهم، تحضر أشرطتهم عابرةً القنوات التكنولوجيّة لتسهم في بناء هذا الحدث. رغم هذا العبور المؤثّر إلى قلب فلسطين، لا يزال الكثير من المنتجين والمخرجين العرب يتوجّسون من ختم "التطبيع"، إن عُرضت أفلامهم في حيفا. "لكنّ الثقة تُبنى وهي في ازدياد"، يقول القائمون على المهرجان، الّذين يرون في هذا الحدث استعادة لهويّة المكان والمدينة. ستشهد حيفا عروضًا لعشرات الأفلام وورش عمل وعروضًا موسيقيّة، ووسط هذا الزخم والأجواء الاحتفاليّة، تتيح لنا هذه المقابلة مع مديرة إنتاج المهرجان، سماء واكيم، طرح بعض الأسئلة الّتي تتعلّق باختيار الأفلام، وتطوير المهرجان، والتعلّم من الأخطاء السابقة، وضرورة توسيع دوائر الجمهور، وغيرها من الأسئلة الّتي سندخل من خلالها إلى عتبات كواليس "مهرجان حيفا المستقلّ للأفلام". 

 

حاورتها أسماء عزايزة.

 

فُسْحَة: علامَ يركّز المهرجان لهذه السنة، من حيث الموضوعات الّتي تطرحها الأفلام؟ وهل بحث طاقم المهرجان في مناطق جغرافيّة أو موضوعات جديدة؟

سماء: في هذه الدورة، سيعيد "مهرجان حيفا المستقلّ للأفلام"، اكتشاف قطع من التاريخ الفلسطينيّ، من خلال الأرشيف السينمائيّ؛ وذلك عبر عرض أفلام عن الثورة الفلسطينيّة والأرشيف الفلسطينيّ. وسيقيم أيضًا ورش عمل، ومحاضرات لخبراء، ومعرضًا فنّيًّا في هذا السياق؛ وهذا يسهم في تأكيد أهمّيّة ربط حيفا والحاضر بتاريخ المكان، وإعادة تشبيك الجمهور مع تاريخه الجمعيّ، ومواصلة النضال ضدّ محاولات طمس هذا التاريخ وهويّة ناسه، الّذي يمارسه الاستعمار منذ نكبة عام 1948.

 

من دورة المهرجان الثالثة، 2018

 

يسلّط المهرجان في هذه الدورة الضوء على سوريا والجزائر، من خلال أفلام عديدة، روائيّة وتسجيليّة، منها: فيلم "عن الآباء والأبناء" للمخرج طلال دركي، الّذي رُشّح للأوسكار عام 2019، وفيلم "العبور" لجورج كوريان، وفيلم "لكلّ جرح عالم" لدالية كوري، و"حصار" لوسيم صفدي. وهي أفلام تكشف الواقع السوريّ في هذه المرحلة، سواء تحت حكم النظام و/ أو الحركات الجهاديّة، أو في مناطق اللجوء، إضافة إلى واقع الحياة في الجولان السوريّ المحتلّ. وفي الأيّام الّتي تمرّ فيها الجزائر بحراك شعبيّ، اختار المهرجان عرض أفلام تحكي السرديّة الجزائريّة التاريخيّة والمعاصرة أيضًا. من الأفلام المشاركة: "في رأسي رون بوا" لحسين فرهاني، وفيلم "Vote Off" لفيصل هامون، وغيرهما من الأفلام الّتي توفّر مساحة معلوماتيّة ومسلّية ومؤثّرة ومضحكة، وتعبّر عن الجيل الجديد من السينمائيّين الجزائريّين. ومن لبنان، ستُعرض مجموعة من الأفلام المليئة بحسّ الفكاهة المعدي، فيها الكثير من التهكّم والسخرية تجاه واقع لبنان اليوم، وتدمج بنظرة ثاقبة ونقديّة ماضي لبنان وحاضره، ومن هذه الأفلام: "إحساس أعظم من الحبّ" لماري جيرمانوس سابا، و"آخر أيّام رجل الغد" لفادي باقي.

 

فُسْحَة: ما الأفلام الّتي تعتزّون بأنّها جزء من نسخة المهرجان هذه؟ هل ثمّة أفلام كان التحدّي في جلبها أكثر من غيرها؟

سماء: "مهرجان حيفا المستقلّ للأفلام"، يطمح بأن يكون منصّة للعاملين في مجال السينما محلّيًّا. في هذه السنة يشارك في المهرجان غير فيلم لمخرجين محلّيّين، منهم: نضال بدارنة، وباسم جرباوي، وساهرة درباس، ووسيم صفدي، وسامي زعرور، وغيرهم من ممثّلين وعاملين في هذا المجال. تشارك هذه الأفلام، إضافة إلى تلك الّتي نجحنا في إحضارها من العالم العربيّ، رغم الصعوبة الّتي تكمن أحيانًا في إقناع المنتجين بأنّ عرض الأفلام في حيفا مهمّ؛ من أجل إعادة الهويّة الفلسطينيّة والعربيّة للمدينة.

 

فُسْحَة: من المفترض أنّ المهرجان يتعلّم من تجربته سنة تلو الأخرى. في النسخ السابقة منه لوحظت – ربّما - نقاط ضعف هنا وهناك، مثل حضور قليل في بعض العروض بسبب كثرتها، أو أفلام كانت قيمتها الفنّيّة أقلّ من غيرها؛ هل تضعون هذه الأمور أو غيرها في أجندتكم؟ وكيف تطوّرون المهرجان لهذا العام على وجه الخصوص؟

سماء: كثرة الأفلام تأتي محاولة لخلق حالة غير اعتياديّة في المدينة، حيث يخلق الزخم في العروض والورشات، في أماكن مختلفة في المدينة، وقاعات عرض متعدّدة الهويّات، جوًّا من الاحتفال بالسينما المحلّيّة والعربيّة.

السؤال إذا ما يتوجّب على المهرجان التخفيف من كثافة البرنامج؛ ليتمكّن المشاهد من رؤية جميع الأفلام المطروحة بشكل دائم، كذلك التباين في جودة الأفلام الفنّيّة. في رأينا، فإنّ دور المهرجان يكمن في طرح الموجود على الساحة، وترك الجمهور ليتّخذ قراره. يصبو المهرجان إلى خلق ثقافة سينمائيّة، وأن يكون الجمهور مشاركًا في الفعل الثقافيّ السينمائيّ، ولذلك تأثير إيجابيّ في ازدياد عدد الجمهور. ذلك يحتاج إلى وقت بطبيعة الحال، ونحن ما زلنا في العام الرابع للمهرجان؛ فبالضرورة ثمّة فعل تراكميّ لهذا البناء الثقافيّ السينمائيّ المنوط بالوقت، من أجل إدراك تأثيره فينا بصفتنا جمهورًا؛ وعلى ذاك، يعمل المهرجان سنويًّا على تنظيم ورش عمل ودروس خبراء، كهدف أساسيّ للإسهام في بناء ثقافة سينمائيّة، سواء من خلال احتضان محبّي السينما من جهة، وكذلك العاملين، أو مَنْ يرغب في العمل اليوميّ في الحقل السينمائيّ؛ إذ إنّ هذه الورشات التقنيّة والنظريّة، إضافة إلى دروس الخبراء، تُعَدّ مساحة لخلق قاعدة معرفيّة وإنتاجيّة؛ سيكون لها نتائج مهمّة في المستقبل.

 

من دورة المهرجان الثالثة، 2018

 

فُسْحَة: يعمل المهرجان على قاعدة التطوّع، وهذا أمر يُحسب لكم في مسألة التفاف الشباب حول العمل الثقافيّ، واكتساب الخبرات والتجارب؛ لكن كيف تضمنون - في منظومة العمل هذه - المهنيّة الّتي تصبون إليها؟

سماء: يقدّم المتطوّعون طلباتهم للمهرجان، ثمّ يتواصل طاقم المهرجان مع الأشخاص بشكل شخصيّ، وتوجيههم إلى توظيف قدراتهم في المجالات الّتي يتمكّنون منها. عادةً ما يكون طاقم المتطوّعين روح المهرجان، والمحرّك للروح التعاونيّة والعطاء دون انتظار المقابل. أنا شخصيًّا بدأت العمل مع المهرجان متطوّعة، وبالنسبة إليّ كان من المهمّ أن أكون جزءًا من هذه المجموعة، الّتي تحاول خلق فضاء يشبهني ويحاكيني. وفي النسخة الّتي تلتها، طُلب إليّ العمل على تنسيق برنامج المتطوّعين وعملهم، وقد تعرّفت على شبّان وشابّات يبحثون عن شيء يشبههم، عن إطار يعرض أفلامًا تحاكي ثقافتهم ولسانهم. في السنين الأخيرة، باتت حيفا ميناء للعديد من الفلسطينيّين والفلسطينيّات، الّذين يبحثون عن حياة ثقافيّة ومشاريع، يتعرّفون من خلالها على أشخاص يشاركونهم اهتماماتهم وأفكارهم. إنّ مهرجان الأفلام قادر على تأمين هذه الأرضيّة، وعلى أن يكون ملتقًى لتعرّف عالم السينما عن قرب، وعلى أشخاص ما زالوا يؤمنون بأهمّيّة العمل التطوّعيّ والعطاء.

 

فُسْحَة: المعروف أنّ ثمّة مخرجين عربًا يرفضون المشاركة في المهرجان، على اعتبار أنّه مهرجان "في إسرائيل"، ويخشون أن يُتّهموا بالتطبيع إن شاركوا؛ أما زلتم تواجهون هذه المعضلة؟ وكيف تتعاملون معها؟

سماء: صحيح، وهذه إشكاليّة يحاول المهرجان تجاوزها، سنةً تلو الأخرى، بإقناع المنتجين والمخرجين بخصوصيّة المهرجان، وأهمّيّته في تشكيل انتمائه إلى هويّة المدينة العربيّة والفلسطينيّة، وإلى العالم العربيّ بعامّة. واجهنا في البداية رفضًا من عدد من المنتجين، الّذين نجحنا في إقناع قسم كبير منهم بالموافقة على عرض أفلامهم ضمن المهرجان. للأسف، هذه المعضلة تواجه المهرجان في كلّ عام. لكنّ الباعث على الأمل أنّ المهرجان، ومع مرور السنين، يحظى بثقة أكبر من العاملين في مجال السينما، عربيًّا وعالميًّا؛ ممّا يسهّل من إقناع المنتجين والمخرجين بالمشاركة.

إنّ هذه الثقة تُبنى أيضًا من خلال توفّر إمكانات أوسع للتواصل، سواء على مستوى العلائق الشخصيّة أو صنّاع السينما. وعلى الرغم من أنّ الصعوبة ما زالت موجودة، إلّا أنّها تقلّ تدريجيًّا مقابل الإدراك العامّ بأنّ المهرجان فلسطينيّ، والثقة بمن يقف خلفه من طاقم عاملين، وبهويّاتهم السياسيّة والثقافيّة.

 

فُسْحَة: لا شكّ في أنّكم تسعون إلى توسيع دوائر الجمهور، الّذي يحضر المهرجان؛ هل ثمّة وسائل وأدوات تستخدمونها من أجل هذا التوسيع؟ هل يحضر المهرجان جمهور قادم من مناطق مثل قرى الجليل والمثلّث والنقب؟ وهل تتوقّعون حضور جمهور أكثر تنوّعًا هذا العام؟

سماء: عادةً ما نتواصل مع جمهور من خارج حيفا، عن طريق إشراك أفلام من مناطق مختلفة في البلاد؛ فيأتي الجمهور المقرّب من المخرجين والممثّلين، ليدعموا أصدقاءهم ومعارفهم؛ وبذلك يتعرّفون المهرجان، ويتسنّى لهم حضور أفلام أخرى فيه. ونعمل جاهدين على التواصل مع مشاريع سينمائيّة في الضفّة الغربيّة، وعلى تقديم تصاريح للمشاركين، ليكونوا جزءًا عضويًّا من هذه الاحتفاليّة.

 

من دورة المهرجان الثالثة، 2018

 

كذلك، نحاول الوصول إلى جمعيّات مختلفة؛ من أجل حضورها ومشاركتها في أفلام تطرح مواضيع تصبّ في موضع اهتمامها، وتتقاطع مع مشاريعها وحقول عملها، على سبيل المثال، يُعرض هذا العام فيلم "في عينيا"، وهو فيلم يتناول قضيّة التوحّد، جرى التواصل مع جمعيّات عربيّة تختصّ في هذا المجال، مثل "جسور"، الّتي تبني أوّل مدرسة عربيّة للمتوحّدين في البلاد، لتكون حاضرة. ينظّم المهرجان أيضًا، بالتعاون مع "جمعيّة أصوات"، العاملة في مجال التوعية الجندريّة وحقوق المثليّين، ورشة وعروض أفلام، تتناول مواضيع جندريّة، ونتعاون أيضًا مع جمعيّات مثل "جمعيّة الثقافة العربيّة"؛ للاستفادة من جمهورها الواسع.

 

فُسْحَة: تنظّمون على هامش المهرجان ورش عمل وندوات في السينما؛ ما هدفكم منها؟ وكيف تسهم هذه الأنشطة - في رأيكم - في وضع إضافة نوعيّة على المشهد السينمائيّ، وعلى صناعة السينما في البلد؟

سماء: في غياب جسم فلسطينيّ لتدريس السينما، نحاول - عن طريق الورشات - تقديم ولو القليل من المعرفة السينمائيّة، لطلّاب السينما والمهتمّين بهذا المجال؛ إيمانًا منّا بأنّ هذه الورشات يمكنها أن تخلق شبكة من المعارف، كفيلة بتعزيز المشهد السينمائيّ المحلّيّ، وتوطيد العلاقات بين المبتدئين والمخضرمين في هذا المجال.

 

 

أسماء عزايزة

 

شاعرة وصحافيّة. حاصلة على البكالوريوس في الصحافة والأدب الإنجليزيّ من جامعة حيفا. لها مجموعتان شعريّتان، "ليوا" (2010)، الحاصلة على جائزة الكاتب الشابّ - حقل الشعر، من مؤسّسة عبد المحسن القطّان، و"كما ولدتني اللدّيّة" (2015). تشارك في أنطولوجيّات ومهرجانات شعريّة في العالم. تُرجمت قصائدها إلى لغات عدّة، مثل الإنجليزيّة والألمانيّة والفارسيّة. عملت لسنوات في الصحافة المكتوبة وفي التلفزة. تدير حاليًّا "فناء الشعر"، وهي مبادرة مستقلّة أسّستها عام 2017. كما تعمل كاتبة مقالات ومديرة فنّيّة لمتجر فتّوش للكتب والفنون، وبار وجاليري فتّوش.