لماذا نستخدم فلتر الكلب؟

 

ترد كثيرًا في نشرات وسائل التواصل الاجتماعيّ إعلانات، تدعو إلى تغيير شكل جسد الإنسان، فعليًّا من خلال عمليّات التجميل، أو كذبًا من خلال تطبيقات إنستجرام أو غيرها.

يتحدّث هذا المقال عن فكرة تغيير شكل الجسم البشريّ أو الوجه، وسبب اضطرارنا إليه، وسبب افتراض الصناعات والإعلام والجمهور والآخرين، أنّ ثمّة شكلًا واحدًا لجسم الإنسان يجب أن يكون عليه؛ لكي يكون جميلًا ومقبولًا.

 

خصر نحيل وعضلات مفتولة

تنهمر علينا صناعات الأزياء والعطور والكريمات، بصور النساء النحيلات والرجال ذوي العضلات، والشعر الطويل والكثيف، والبشرة النقيّة الفاتحة بشكل عامّ؛ وهذا يجعلنا نتساءل دائمًا عن شكلنا، وشكل جسمنا، ولون بشرتنا إذا كان جيّدًا بما يكفي، أو ينبغي تغييره.

ورغم أنّ البشريّة خُلقت متنوّعة، وتطوّرت بشكل كبير لا يقبل التماثل أو الشكل الواحد؛ فلا يشبه فرد فردًا آخر، إلّا أنّ الأفضليّة تبقى محدّدة لذوي خصائص جسديّة معيّنة ومحدّدة، لا يمكن تجاوزها.

هذه الصفات تفرضها علينا توقّعات مَنْ يريدون أن يبيعوا منتجًا معيّنًا، أو خدمة معيّنة، وهي صناعة تبلغ مئات آلاف الدولارات، إن لم تبلغ الملايين سنويًّا: منتجات التنحيف، ومنتجات تفتيح البشرة ومكافحة الشيخوخة، وأخيرًا المنتج الأكثر خطورة والأكثر انتشارًا مؤخّرًا؛ تطبيقات الهاتف المحمول.

 

زيف

أصبح بإمكانك أن تبدو مثل ريتشارد جير إن أردت؛ بالضغط على بعض الأزرار، أو بجرّ حدود خاصرتك إلى الشكل الّذي تريده، أصبح بإمكانك أن تكذب بشأن شكلك، وبشأن مضمونك، وبشأن نمط حياتك بسهولة، ثمّ تعيش حالة من الزيف أمام الآخرين، وحالة من الشعور بالنقص أمام نفسك.

ما تفعله هذه الإعلانات، وما تمكّنك منه هذه التطبيقات، أصبح يصنع إشكالًا حقيقيًّا أمام نفسك، وأمام رؤيتك لذاتك، وأمام الآخرين، ومجرّد رغبتك في الظهور بمظهر معيّن أصبحت يحرّكها النمط السائد، والتوقّعات الّتي تسقطها عليك الإعلانات وصناعة السينما، وأصبحت ترفض نفسك وترفض شكلك؛ لمجرّد أنّه لا يوافيها، ولا ينطبق عليها ما ينطبق على كيم كارداشيان.

لكنّ الحقيقة أنّ كلّ هذه الصور النمطيّة خديعة كاذبة، وهي أيضًا صور مزوّرة؛ فما العيب في ما تراه في مرآتك؟ وما العيب في أن ترتدي بنطلونًا نمرته 44، إن كان جسمك يبدو كذلك؟ هل ستبحث عن قميص لا يمكنك إغلاق أزراره، وتشتريه؟ بالطبع لا. إنّ الّذي يجعلك تبحث عن هذه التطبيقات عدم ثقتك بنفسك، ورغبتك في أن تنطبق عليك معايير صناعة التجميل.

 

فلاتر

السؤال الأهمّ من ذلك كلّه، أنّ التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعيّ، تمكّننا من صناعة صورة معيّنة لأنفسنا، وتسويقها على أنّها حقيقيّة؛ فمنشوراتنا السعيدة والعاشقة، وحياتنا المثاليّة على في المساحات الافتراضيّة، تجعلنا نعيش الكذبة أمام الناس، ونخفي الحقيقة عنهم، وفي الوقت نفسه نعيش الحقيقة والاكتئاب والتعاسة مع أنفسنا. هذا كلّه تعرفه شركات التسويق، وتعمل بناءً عليه؛ فتصنع لنا فلتر الكلب، وفلتر الأرنب، وفلتر الورد، وغيرها من المؤثّرات، وفي نفس الوقت تصنع لنا كلّ الإعلانات هذه، ونحن ندفع ثمنها الحقيقيّ، بالمال أو بالصدق.

في النهاية، نحن لا نعيش خلف شاشة الحاسوب أو الهاتف النقّال طوال الوقت. لو استعملنا هذه التطبيقات على جميع صورنا، فلن نجد أنفسنا نبدو مثلها فجأة، ولن نصبح نحيلين أو فاتحي البشرة، أو غير ذلك ممّا ندّعيه من خلال هذه التطبيقات، ومن أجل أن نتجنّب ذلك؛ علينا أن نجري تغييرًا فعليًّا في نمط حياتنا، وفي شكلنا إن أردنا ذلك، أو أن نقبل أنفسنا كما خلقنا الله، وكما نحن.

 

 

فاتن صلاح الدين

 

 

صحافيّة فلسطينيّة من قرية حزما قرب القدس، تدرس الماجستير في الصحافة والإعلام، تخرّجت في جامعة بيرزيت عام 2008 من تخصّص الصحافة المكتوبة والعلوم السياسيّة، وعملت محرّرة ومعدّة نشرات أخبار في عدّة وسائل إعلام محلّيّة.