عشرة أفلام أوصي بها من عام 2019

خاصّ فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة

سأتناول في هذه المادّة عشرة أفلام أُنتجت عام 2019، أعدّها الأكثر أهمّيّة وتأثيرًا فيّ، وأوصي بمشاهدتها. ورغم أنّ الآراء ستختلف بالتأكيد حول ماهيّة الأفلام الأفضل، لكن نستطيع جميعًا الاتّفاق على أنّ العام الماضي كان ذهبيًّا للسينما ومحبّيها.

 

10. High Life

الفيلم من إخراج الفرنسيّة كلير دينيس، وبطولة روبرت باتنسون. تقع أحداثه في المستقبل القريب، حين يجري إطلاق مجموعة مُدانين من السجن نحو ثقب أسود في الفضاء العميق، لتُجرى تجارب خصوبة عليهم، وينكشف بشكل غير خطّيّ ماضي الشخصيّة الرئيسيّة وحاضرها مع ابنته.

الفيلم تجريبيّ وفنّيّ للغاية؛ يتناول مفاهيم كبرى كالمعنى والعزلة والوحدة والخير والشرّ والمتعة، ورغم وجود مشاكل بارزة في حوار الشخصيّات، ورغم كون أداء باتنسون إبداعيّ جدًّا، وكذلك كون المشاهد الفُضلى في رأيي بين كلّ الأفلام الأخرى، إلّا أنّ هذا لم يمنع وجود بعض الأخطاء في بناء الفيلم.

 

9- Uncut Gems

الفيلم من إخراج الأخوين سافيدي، وبطولة آدم ساندلر. يتناول حياة صائغ مجوهرات يهوديّ على مدى أيّام عدّة، ومحاولته استعادة حجر كريم ثمين. الفيلم سريع الأحداث وكثير التنقّل والفوضى، وباستخدام هذا الحراك المستمرّ يُعطي شعورًا حقيقيًّا بالتوتّر والقلق، بما يشبه مشاهد فوق واقعيّة مليئة بالألوان الصناعيّة الحادّة.

يقدّم ساندلر أفضل أداء له على الإطلاق بعد خروجه عن النمط الكوميديّ - الرديء أحيانًا - طوال سنوات عديدة من مسيرته؛ وهو ما جعل الفيلم أكثر إذهالًا. يُذكَر أنّ المخرجَين قدّما لنا عام 2017 فيلم "Good Time" الممتاز.

 

8- The Peanut Butter Falcon

الفيلم من إخراج تايلر نيلسون ومايكل شوارتز، وبطولة شايا لابوف وداكوتا جونسون وزاك جوتساجين. يسرد حكاية زاك المصاب بـ "متلازمة داون"، والّذي يحلم أن يكون مصارعًا، ليلتقي بشخصيّة تايلر الهارب من مجموعة من الصيّادين، لتنضمّ إليهما أيضًا شخصيّة إلينور، الّتي تعمل في مركز للعناية بالمسنّين.

الفيلم مصوَّر بطريقة جميلة جدًّا، يسرد حكايا إنسانيّة بطابع كوميديّ دراميّ حول الهويّة والأحلام الصغيرة للشخصيّات، فيعطي شعورًا حقيقيًّا بالدفء والحبّ. زاك جوتساجين مذهل حقًّا في الفيلم، وهو ربّما ما جعله من الأفلام الأقرب إليّ خلال العام الماضي.

 

7- Midsommar

الفيلم من إخراج آري آستر، وبطولة فلورانس باو. بعد تعرّض الشخصيّة الرئيسيّة لمأساة في بداية الأحداث، تتّضح لنا رؤية الفيلم والموضوعات المختلفة الّتي يحاول الخوض فيها، مثل الوحدة والانتماء والتعاطف والخوف والجنس والجماعة، لنتتبّع رحلة هذه الشخصيّة مع أصدقائها نحو جماعة دينيّة في السويد، وما يتبع ذلك من أحداث دمويّة وفوضويّة تشبه الكابوس. الفيلم غير سهل ومليء بالمشاهد الصعبة.

 

6- Gisaengchung

(Parasite)

الفيلم من إخراج بونج جون هو، وبطولة كانج هو سونج، وسون كين لي، ويو جونج جو، وآخرين. فيلم ذكيّ جدًّا، يتنقّل بين العديد من الأنواع الفنّيّة، من الكوميديا إلى الدراما ثمّ الرعب والإثارة، وهذا الخليط المحبوك بذكاء رهيب جدًّا، وما فيه من نقد مجتمعيّ بين عائلتين مختلفتين تمامًا، يجعل منه تجربة فريدة ستبقى عالقة في المخيّلة وقتًا طويلًا.

 

5- The Lighthouse

الفيلم من إخراج روبرت إيجارز، وبطولة روبرت باتينسون وويليام ديفو. يتناول قصّة رجلين يعملان في منارة.  من أين يمكن الانطلاق للحديث عن هذا الفيلم؟ أمِن الأداءات الفضلى بلا شكّ في هذا العام من كلا الممثّلَين، أم من الحوار المستوحى من مذكّرات حقيقيّة لعمّال منارة في القرن التاسع عشر، واللغة الشاعريّة السوقيّة الجميلة؟ أم من عشوائيّة التصوير والقطع؟ أم من الاستخدام الممتاز لعدسات الأسود والأبيض، والإطار الضيّق الّذي يعطي طابع القلق من الأماكن؟ أم من المشاهد المثيرة للغثيان؟ أم المشاهد المضحكة جدًّا؟ أم من سخافة الجدل أم من عمقه؟

الفيلم يتناول مفهوم القوّة بشكل مركزيّ؛ بين السلطة الممنوحة من المكانة، والسلطة الممنوحة من الجسد اليافع القويّ، وهو يتنقّل أيضًا بين العديد من الأنواع الفنّيّة.

 

4- Dolor y Gloria

 (Pain and Glory)

الفيلم من إخراج بيدرو آلمُدفير، وبطولة آنطونيو بانديراس. فيلم أوتو – بيوجرافي، أي سِيريّ، يتناول حياة المخرج طوال حياته، من إقامته في القرية وعلاقته بأمّه، وميوله الجنسيّ، وعلاقة الحبّ بينه وأحد الشبّان في صغره، وعلاقته بأحد الممثّلين الّذين عمل معهم، وأمراضه العديدة من صداع واختناق وطنين وأوجاع ظهر، والعديد العديد من التفاصيل الصغيرة المذهلة.

يكاد الفيلم ينفجر من الألوان والجمال، ولا يمكن في الحقيقة فهم السبب الّذي سيجعلك تقع في حبّ الفيلم، سوى أنّه فيلم يُقيم علاقة حبّ بالمشاهد، ولا يمكن فهم هذه العلاقة إلّا بمشاهدته.

 

3- Marriage Story

الفيلم من إخراج نواه بامباتش، وبطولة آدم درايفر وسكارليت جوهانسون. ما الّذي يجعل الفيلم ناجحًا؟ ربّما المخرج الممتاز، أو الموسيقى التصويريّة المذهلة، أو التصوير الجيّد، أو التمثيل البديع. إذن، ما الّذي يحصل عندما تختفي كلّ هذه العوامل؛ عندما يختفي الممثّلون في أدوارهم، وتغيب لمسة المخرج في محاولة إظهار نفسه؟ القصّة ليست معقّدة، بل هي بسيطة جدًّا؛ انفصال بين اثنين وطفل، لكن الحوار والتمثيل البديع واللقطات الطويلة، تجعل من هذه القصّة البسيطة جدًّا، وسيلة لخلق شخصيّات معقّدة جدًّا مليئة بالجانب الإنسانيّ.

يمكن اعتبار هذا الفيلم النافذة الّتي ننظر من خلالها إلى حياة أولئك الجيران، ولا يمكننا مدح فيلم بشكل أكبر من أن نقول إنّه جعل من شخصيّتين خياليّتين صديقين قديمين لنا.

 

2- Portrait de la jeune fille en feu
(Portrait of a Lady on Fire)

الفيلم من إخراج سيلين سياما، وبطولة نيومي مارلانت وآديل هانيل. يحكي قصّة فتاة ترسم اللوحات الشخصيّة لنساء بنيّة تزويجهنّ، وتقع الأحداث في نهاية القرن التاسع عشر. تحاول الشخصيّة الرئيسيّة رسم لوحة لفتاة لا ترغب في الزواج، ورغم بساطة الحبكة، إلّا أنّها مصنوعة ببراعة.

بناء الفيلم بطيء يجعل الشخصيّات مُشبَعة بالبعد الإنسانيّ، والطريقة الجميلة جدًّا الّتي صُوِّر فيها الفيلم، تجعل من كلّ إيماءة من الشخصيّات وكلّ مشهد، له معنًى دقيقًا في تطوير علاقة الحبّ الّتي ستقع بين الفتاتين. ربّما سيشعر البعض بأنّ موضوع الفيلم غير ملائم، أو ربّما يكون إيقاعه بطيئًا بالنسبة إليهم، إلّا أنّ هذا البناء الدقيق الخالي من أيّ خطأ، قد يجعل أيّ مشاهد يقع في حبّ هذه الشخصيّات.

 

1- The Nightingale

الفيلم من إخراج جينفر جينت، وبطولة آيسلينج فرانكيوزي وسام كلافين وبايكالي جانامبار. تقع أحداثه بداية القرن التاسع عشر، في أثناء الاستعمار البريطانيّ لتازمانيا، ويحكي قصّة فتاة إيرلنديّة تحاول الانتقام من الجنود البريطانيّين بعد أن سرقوا كلّ شيء منها.

الفيلم غير سهل أبدًا للمشاهدة، كلّ مشاهده صعبة جدًّا ومثيرة للغثيان أحيانًا، وهذا ليس بهدف إثارة شعورٍ ما لديك، بل كلّ ما يحصل مبرّر لحبكة القصّة المأخوذة من أحداث حقيقيّة.

يتناول الفيلم مفاهيم الحرّيّة والاستعمار والصداقة بين نوعين مختلفين من البشر، جمعهما توقهما إلى الحرّيّة كطائرين مغرّدَين، ويتناول أيضًا الإجرام بحقّ السكّان الأصليّين بحجّة تحريرهم من همجيّتهم. الفيلم لا يخشى من أن يكون مثيرًا للجدل، وهو ما يجعله ليس فنّيًّا فقط، بل عمل متكامل؛ من شخصيّات وإخراج وموسيقى، وأماكن وحبكة وتصوير فنّيّ واثق وواضح للمخرجة، ما يمكن القول عنه إنّه تحفة فنّيّة حقيقيّة.

 

أخيرًا...

كان عام 2019 مليئًا بالأفلام المذهلة والمتنوّعة؛ فجعل هذا الأمر اختيار الأفلام المفضّلة لديّ أكثر صعوبة؛ لذلك في الختام، سأذكر بعض الأفلام الممتازة الّتي لم تصل إلى العشرة الأهمّ لديّ، وهي: Joker، Once Upon A Time In Hollywood، Ad Astra، SHADOW، Official Secrets، A Vigilante، Climax، Report، Triple Frontier، John Wick chapter 3.

هذه الأفلام الممتازة لا تقلّ أهمّيّة عن الأفلام المذكورة أعلاه، لكنّها لم تكن الأكثر ارتباطًا فيّ، ويجب أن أشير إلى أنّني لم أستطع أن أشاهد بعض الأفلام الممتازة الأخرى؛ إمّا لعدم صدورها محلّيًّا حتّى الآن، وإمّا لعدم توفّر الوقت الكافي لمشاهدتها. وأظنّ أنّ سنة 2019 ستُذكَر في المستقبل، واحدةً من أفضل السنوات لمحبّي السينما وصنّاع الأفلام.

 

 

حكيم خاطر

 

 

كاتب وروائيّ فلسطينيّ. صدرت له رواية "الفتاة" عام 2017، ورواية "كليشيه وديستوبيا" عام 2019، الحاصلة على جائزة تشجيعيّة وإشادة من مؤسّسة عبد المحسن القطّان في مسابقة الكاتب الشابّ - حقل الرواية.