«Suffragette»... عن الاحتجاج النسويّ العنيف

من فيلم «Suffragette»

 

"إنّ تاريخ المرأة استشهاد طويل"، تقول الأديبة مي زيادة، وهي عبارة تتلاءم مع حكاية فيلم «Suffragette» البريطانيّ، من إخراج سارة غافرون وتأليف أبي مورغان، ويروي قصّة حركة نسويّة تحمل الاسم نفسه، ظهرت نشاطاتها نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين في بريطانيا، حيث ناضلت عضواتها من أجل حصول النساء البريطانيّات على حقّ التصويت.

تأسّست حركة «Suffragette» على يد الناشطة السياسيّة إيميلين بانكهرست، وقد انبثقت عن «الاتّحاد السياسيّ والاجتماعيّ للمرأة»، الّذي جُعِلَ من أجل النساء فقط، واقتصرت نشاطاته على المطالبة بحقّ النساء في التصويت، وعُرِفَ باستقلاليّته عن جميع الأحزاب السياسيّة الّتي كانت موجودة في بريطانيا آنذاك[1].

تقع حركة «Suffragette» النسويّة في إطار الموجة النسويّة الأولى في أوروبّا، وهي موجة المطالبة بحقوق التعليم والعمل، وحقوق المرأة المتزوّجة بالملكيّة وحضانة الأطفال، وحقّ الاقتراع. يُؤَرَّخ انطلاق هذه الموجة بظهور المؤلَّف المعروف لماري ولستون كروفت عام 1792، تحت عنوان «دفاعًا عن حقوق النساء»، الّذي يُعَدّ من بين المؤلَّفات الرئيسيّة المساهمة في بلورة الفكر النسويّ للمنضويات في الموجة النسويّة الأولى في أوروبّا، حيث أكّدت مؤلّفته على حقّ التعليم للمرأة باعتباره واحدًا من حقوقها الأساسيّة، كما ناقشت ونقدت الكيفيّة الّتي ينظر فيها المجتمع إلى الأنوثة[2].

 

 

من السلميّة إلى العنف

بدأت حركة «Suffragette» بممارسة نشاطها المطالب بحقّ التصويت للمرأة عام 1903، واستمرّت في حراكها حتّى عام 1917، وقد استخدمت في تلك الفترة العديد من الأساليب الاحتجاجيّة الّتي شهدت تغيّرًا نوعيًّا، لتنتقل من الطابع السلميّ إلى الطابع العنفيّ الملاحَظ والملموس، وهو انتقال كانت له أسبابه؛ ففي عام 1911، وبعد أن كانت العضوات في الحركة ينتظرن إعلانًا وشيكًا لمشروع قانون يمنح النساء ذوات الأملاك العقاريّة في بريطانيا حقّ التصويت، لم يتمّ إقرار المشروع، وصرفت الحكومة البريطانيّة النظر عنه في العام اللاحق؛ وهو ما أدّى بالنساء المنضويات في الحركة إلى الانتقال بالأساليب الاحتجاجيّة، من أساليب سلميّة هادئة إلى أساليب عنفيّة صاخبة، بعد نفاد الاعتقاد لديهنّ بجدوى الوسائل السلميّة في تحقيق أهدافهنّ، وبهدف إسماع صوت النساء وفرضه بقوّة[3].

من ضمن الوسائل الاحتجاجيّة العنفيّة الّتي لجأت إليها الحركة، تحطيم نوافذ الوزارات السياديّة في البلاد (الداخليّة والخارجيّة والحرب) والمحالّ التجاريّة[4]، والقيام بتفجيرات شملت وسائل الاتّصال في البلاد (البريد)، وتخريب أعمدة التيّار الكهربائيّ، وتفجير القنابل في منازل شخصيّات متنفّذة (كما حدث في تفجير قنبلة في منزل أحد الوزراء)، بالإضافة إلى توثيق بعض عضوات الحركة أنفسهنّ على سكك الحديد، حيث يكون الإقبال على الانتحار وإنهاء الحياة شكلًا تعبيريًّا عنيفًا على عدم الرضا عن أوضاع النساء السائدة.

 

واتس وإيميلي

يأتي فيلم «Suffragette» ليوضّح الانتقال بالأساليب الاحتجاجيّة للحركة، من خلال قصّة مود واتس، وهي امرأة بسيطة غير متعلّمة تعمل في مغسلة للملابس، ضمن ظروف عمل قاهرة وسيّئة، حيث تكون معترضة في البداية على الانضواء في حركة نسويّة تستخدم الطابع العنفيّ في التعبير عن احتجاجها، وفي رفع صوت مطالبها، ثمّ بعد أن تشهد حادثة اصطدام بين مظاهرة لعضوات الحركة مع السلطات البريطانيّة، وتشاهد بعينها الكيفيّة الّتي تعاملت فيها تلك السلطات مع المحتجّات، مستخدمة مختلف أساليب القمع والتنكيل، تقرّر الانضواء مع الحركة في نشاطاتها للمطالبة بحقّ التصويت للمرأة، وخاصّة بعد ذلك الاجتماع السرّيّ الّذي حضرته ليلًا، وكانت فيه زعيمة الحركة بانكهرست، الّتي وجّهت خطابها للعضوات في الحركة قائلة لهنّ: "لقد تغرّبتنّ عن حياتكنّ الطبيعيّة، وهم لا يزالون يتجاهلوننا كبشر، التضحية هي عنوان صوتنا، لا نريد أن نخالف القانون، بل نريد أن نكون شركاء في صناعته"[5].

يوضّح الفيلم عبر قصّة واتس حجم النبذ والإهانة والاستهجان، الّتي كانت تلقاها عضوات الحركة من قبل المجتمع؛ ففي المغسلة الّتي تعمل فيها واتس، أو ضمن بيئة المنزل الّذي تعيش فيه؛ كانت واتس تتعرّض للشتائم وعبارات التحقير في كلّ مكان تتوجّه إليه، كما تعرّضت للاعتقال والتنكيل غير مرّة، وهو الأمر الّذي مكّن زوجها من استغلال هذه الحوادث من أجل طردها من المنزل، والاستفراد بحقّ حضانة طفلها، في ظلّ افتقار القوانين البريطانيّة إلى نصوص من شأنها أن تضمن لها هذا الحقّ.

 

إميلي وليدنغ دافيزون تنتحر احتجاجًا خلال سباق خيل

 

كما يسلّط الفيلم الضوء على إميلي وليدنغ دافيزون، وهي صديقة لواتس وعضوة في الحركة، تخطّط مع صديقتها من أجل استغلال حدث رسميّ ستغطّيه وسائل إعلاميّة مختلفة، وهو سباق خيول سيحضره الملك جورج الخامس، وذلك في تاريخ الرابع من تمّوز (يوليو) عام 1913، وقد اتّفقت  الصديقتان على رفع لافتة مكتوب عليها شعار حركتهنّ، المطالب بحقّ التصويت في مكان قريب من الملك، وأمام كاميرات العالم. وبعد أن تفشل محاولتاهما في ذلك، تتّخذ إيميلي قرارًا انتحاريًّا من أجل إيصال صوت حركتها والنساء، فتقتحم ميدان سباق الخيول، وترفع لافتة الحركة، فيصطدم بها أحد الأحصنة في السباق، وتموت تحت حوافره[6].

في ختام الفيلم تظهر واتس في مشهديّة أخيرة تمسك زهورًا، وتذهب وفي نيّتها السير في الجنازة المهيبة لصديقتها إيميلي، الّتي غطّتها الصحف والوسائل الإعلاميّة في جميع أأنحاء العالم.

 

ثمّة طريق واحدة

يخبر الفيلم في لوحاته الختاميّة بأنّ حركة «Suffragette» نجحت من خلال ما قدّمته عضواتها من تضحيات، ومن خلال استخدامها لأساليب العصيان المدنيّ والعنف الاحتجاجيّ، من تحقيق أهدافها، ولو بعد حين؛ ففي عام 1918، مُنِحَتْ النساء في بريطانيا حقّ التصويت، وذلك للنساء اللواتي فوق سنّ الثلاثين. وفي عام 1925 كان إقرار مشروع قانون يكفل للأمّهات حقوقهنّ تجاه أطفالهنّ، وفي عام 1928 كسبت النساء البريطانيّات حقّ تصويت متساويًا مع الرجال.

وسواء في بريطانيا أو غيرها من الدول، فإنّ تاريخ النساء في النضال والسعي وراء حقوقهنّ، هو تاريخ حافل بالتضحيات، إنّه التاريخ الّذي أخبرت عنه بعض الأبيات الشعريّة الّتي وردت في الفيلم، وقالت عنه إنّه تاريخ المرأة المتجوّلة الّتي تمضي قدمًا باحثةً عن أرض الحرّيّة، وعلى لسانها ذلك السؤال الدائم: وكيف لي أن أصل إلى هناك؟ لتأتيها الإجابة واحدة وقاطعة: "ثمّة طريقة واحدة، طريقة واحدة فقط، حتّى أعمق أعمق الإجهاد، خلال أمواج المعاناة، لا طريق دونها".     

 


إحالات

[1] علي المسعود، فيلم «سافرجت» نابض بالحياة ويؤرّخ لحقّ المرأة في التصويت، الحوار المتمدّن، 8/3/2019، شوهد في 14/12/2021، في: https://bit.ly/2Y0AlPF  

[2]  ميّة الرحبي، النسويّة مفاهيم وقضايا، ط1 (دمشق: الرحبة للنشر والتوزيع، 2014)، ص 15.

[3] سوزان ألس واتكنز وآخرون، أقدّم لك: الحركة النسويّة (القاهرة: المجلس الأعلى للثقافة، 2005)، ص 12.

سوزان ألس، مرجع سابق، ص 12. [4]

[5] علي المسعود، مرجع سابق.

[6] علي المسعود، مرجع سابق.  

 


 

إسراء عرفات

 

 

كاتبة وباحثة من نابلس. خرّيجة قسم العلوم السياسيّة في جامعة النجاح الوطنيّة، وحاصلة على الماجستير في التخطيط والتنمية السياسيّة من الجامعة نفسها. مهتمّة بقضايا الفكر والفلسفة، وتكتب في عدد من المنابر الفلسطينيّة والعربيّة.