صيف رام الله: مهرجان في حواري المدينة

المسيرة الفنّيّة | عدسة أمين صائب

 

"وين ع رام الله" حدث ثقافيّ تنظّمه بلديّة رام الله منذ عام 2008، وقد غيّرت وصفه من "مهرجان الفضاءات العامّة" إلى "موسم" تمتدّ فعاليّاته ومشاريعه الثقافيّة والمجتمعيّة طوال العام، ومن ضمنها مهرجان "صيف رام الله" المستحدث، وهو يذكّر بـ "مهرجان الاصطياف" الذي عرفته المدينة حتّى احتلال الضفّة الغربيّة عام 1967، وكان يستضيف فنّانين عربًا.

تنوّع

تميّز المهرجان هذا العام بالتنوّع الكبير، وعلى عدّة مستويات، فقد ضمّ، فنّيًّا، عروضًا موسيقيّة وراقصة وغنائيّة ومسرحيّة، تنوّع محتواها بين الطرب والتراث معاد الإنتاج والرحبانيّات وغيرها. أمّا جغرافيًّا، شمل المهرجان أربع مشاركات موسيقيّة وغنائيّة من أراضي 48 والجولان السوريّ المحتلّ؛ عرض "جبليّات" لجوقة بيات للإنشاد والموسيقى، وعرض "الحفل الإذاعيّ يا مروّح بلدك" لفرقة سراج، وعرض "زياد الرحباني" لفرقة ياسمين الشام، وعرض "يا ستّي" لدلال أبو آمنة وفرقتها.

أمّا القدس فكانت لها مشاركتان، هي العرض الموسيقيّ لفرقة مزاج، والعرض الراقص لفرقة أوف الاستعراضيّة، ومن رام الله شاركت فرقة يلالان بعرضها الغنائيّ "دنجي"، وفرقة تعليلة بعرضها الغنائيّ "لا تغمزيلي"، والفنّان الشابّ ليث أبو جودة بعرض غنائيّ، وفرقة سينث دهب بعرض موسيقيّ، ومن بيت لحم كان العرض الغنائيّ "محتارة" لميّ مراد. كما شارك كلّ من كشّافة سريّة رام الله الأولى، ومدرسة سيرك فلسطين، ومسرح الحارة في المسيرة الفنّيّة بعد الافتتاح الرسميّ للمهرجان.

توجّه عربيّ خاصّ

انفتح مهرجان "صيف رام الله" هذا العام، كما أشارت مديرة دائرة الشؤون الثقافيّة والمجتمعيّة في بلديّة رام الله، سالي أبو بكر، على الفضاء العربيّ، فبعد أن كان المهرجان، سنوات عديدة، يركّز على استضافة الفنّانين والفرق الفلسطينيّة من الداخل والشتات، حاملًا ثيمة "منّا وفينا"، إلّا أنّ توجّهه هذا العام، وبعد نقاشات داخليّة، كان فتح الباب لاستضافات عربيّة وتشجيع الإنتاج المشترك بين الفرق العربيّة المحترفة والشباب الفلسطينيّ وعرضها في المهرجان، لا سيّما الفرق من المدن التي تجمعها علاقة توأمة مع بلديّة رام الله.

وإن كان هذا التوجّه قد أثار بعض التساؤلات حول تقاطع المهرجان مع مهرجانات أخرى تستضيف فنّانين عربًا، إلّا أنّ التركيز في مهرجان "صيف رام الله"، كما أشارت أبو بكر، كان على الفنّانين والفرق الفلسطينيّة، حتّى أنّ الاستضافات العربيّة كانت لفرق عربيّة تستطيع إنتاج أعمال فنّيّة مشتركة مع شباب وفرق فلسطينيّة أخرى، إضافة إلى تركيزها على الفرق التي تعمل في الشارع، الأمر الذي يمنح التوجّه العربيّ الخاصّ بالمهرجان هويّة مختلفة لا تنافس ولا تؤّثر في المهرجانات الأخرى ذات الصبغة العربيّة أو الدوليّة.

جاءت المشاركات العربيّة في عرضيّ مسرح شارع تفاعليّين، حمل الأوّل عنوان "كرنفال الشارع"، وهو نتاج مصريّ فلسطينيّ مشترك تقوم عليه مؤسّسة المدينة للفنون الأدائيّة والرقميّة في الإسكندريّة، أمّا العرض الثاني فكان لفرقة "فنّي رغمًا عنّي" من تونس، وحمل اسم "جهنة". وعلى هامش المهرجان، نظّم ممثّلان عن مؤسّسة المدينة وفرقة "فنّي رغمًا عنّي" ندوة حول "الفضاء العامّ ومسرح الشارع"، تبادلا فيها تجاربهما مع الحضور من مسرحيّين وفنّانين ومهتمّين.

الذهاب للجمهور

يهدف مهرجان الفضاءات العامّة "صيف رام الله" إلى منح الفنّانين والفرق الفنّيّة، من فلسطين التاريخيّة والشتات، منصّات تصلهم بالجمهور بأطيافه كافّة، فلا ينتظرون أن يأتيهم المهتمّون بالفنون والشؤون الثقافيّة، أو الفضوليّون، بل يذهبون هم بأنفسهم إلى الجمهور ويحضرون في مختلف مساحاتهم العامّة؛ الشوارع والساحات والمحالّ والمطاعم، فيضطّرون الجمهور إلى المشاركة والتفاعل، وقد كانت العروض في شارع ركب وسط مدينة رام الله مثالًا حيًّا على هذا الحضور الفنّيّ الجميل.

تشير أبو بكر إلى أنّ تجربة بلديّة رام الله في اقتحام الفضاءات العامّة "كسر لمحظور السلطة السياسيّة الخشنة التي تحدّد الحرّيّات،" الأمر الذي شجّع المؤسّسات الفنّيّة والثقافيّة والفنّانين، وجعلهم يبادرون إلى عرض أعمالهم في الفضاءات العامّة.

وإن كانت الفضاءات العامّة مساحات تصل الفنّانين بجمهور أوسع، فهي كذلك أداة جيّدة للوقوف الفوريّ على رأي الجمهور وقياس مدى رضاهم عن العمل الفنّيّ المقدّم، أو عن "الخدمة" الثقافيّة التي تقدّمها المؤسّسات. تقول أبو بكر في هذا السياق، إنّ قدرة الجمهور على إعطاء حكم مباشر وفوريّ على الأعمال الفنّيّة المقدّمة، يضع المؤسّسات التي تتبنّى هذا النوع من الأنشطة أمام مسؤوليّة كبيرة، فلا يمكن لها أن تقدّم أعمالًا دون المستوى لجمهور قادر على الحكم ومساءلة المؤسّسة صاحبة الفعاليّة، إضافة إلى أنّها تقدّم "الخدمة" الثقافيّة ليس كونها من حقّ الجمهور فقط، بل للتأثير أيضًا في ذائقته الفنّيّة وتطويرها.

"المدينة الذكيّة"

انطلقت التغييرات التي أحدثتها بلديّة رام الله على "وين ع رام الله"، سواء بتوجهّها نحو المشاركات العربيّة أو بمحاولة إيجاد مظلّة تندرج تحتها الأنشطة والفعاليّات التي تنظّمها البلديّة كافّة، من نقاش داخليّ يتطّلع إلى صوغ سياسة ثقافيّة واضحة ومبنيّة على رؤيا تكامليّة في العمل، ليس فقط على مستوى دوائر البلديّة من ثقافة وسياحة وعلاقات عامّة وبيئة وغيرها، بل أيضًا على مستوى بناء شراكات واسعة مع المؤسّسات الثقافيّة ومعرفة احتياجات المدينة الواقعيّة، وفتح الحوار مع الفاعلين في المشهد الثقافيّ، كما أوضحت أبو بكر.

وإن كان توجّه البلديّة في إطلاق "رام الله مدينة ذكيّة" قد بدأ بتوفير خدمة الإنترنت مجّانًا للمواطنين في بعض شوارع المدينة، إلّا أنّ سؤال الثقافة والدور الذي تؤدّيه البلديّة في تنمية المدينة ثقافيًّا، وربطه بمفهوم "المدينة الذكيّة"، يؤسس لنقاش حول كيفيّة استثمار أدوات "المدينة الذكيّة" في خدمة الثقافة، وما هي توقّعات الثقافة من مفهوم "المدينة الذكيّة".

ترى أبو بكر أنّ ربط الثقافة بمفهوم "المدينة الذكيّة" يتعلّق بالنقاش الاستراتيجيّ العامّ للبلديّة حول سياساتها الثقافيّة في المدينة، وحول تكامليّة عمل دوائرها المختلفة، مبيّنة وجود تجارب عالميّة مختلفة في هذا المجال، والتي لم نصل لها في فلسطين بعد، وأنّ أمام الدائرة الثقافيّة عمل كثير في هذا المجال خلال السنوات القادمة.

المؤسسة الرسمية

انعقدت فعاليّات مهرجان "صيف رام الله" على مدار تسع ليالٍ، شملت كلّ ليلة منها ما بين فعاليّة واحدة حتّى أربع فعاليّات، نُظّمت في فضاءات عامّة مختلفة في المدينة، بحضور لافت ومشاركات فنّيّة عالية المستوى، لكن بغياب كامل  لوزارة الثقافة الفلسطينيّة، ليس على مستوى الحضور والمشاركة في الفعاليّات فقط، بل أيضًا على مستوى الشراكة في التخطيط والدعم، انطلاقًا من ضرورة تكامل عمل المؤسّسات الثقافيّة المختلفة.