تعميم فعل الجمال: عن مهرجان الشارقة للموسيقى العالميّة

عدسة: sharjahupdate

في ظلّ ما يشهده العالم من نزاعات، لا سيّما الوطن العربيّ، تختار إمارة الشارقة في الإمارات العربيّة المتّحدة الموسيقى لغة لحوار الثقافات، فتنظّم 'مهرجان الشارقة للموسيقى العالميّة'، جامعًا أربعة وعشرين فنّانًا من دول عربيّة وأجنبيّة عديدة، في ليال موسيقيّة، يواجهون فيها الخراب باللحن والغناء، فاتحين الباب أمام السلام والخير، ليحقّقا حضورهما بالبيانو، والعود، والقانون.

تجاور

يتجاوز المهرجان، الذي ينظّمه مركز فرات قدوري للموسيقى، برعاية هيئة الاستثمار والتطوير (شروق)، مفهوم التجاور الثقافيّ الموسيقيّ، ليقدّم حالة من الامتزاج السمعيّ؛ فتتجلّى تجارب موسيقى الجاز الغربيّ على الإيقاعات الشرقيّة، وتتداخل فنون العزف اللاتينيّ مع الموسيقى الغجريّة، وتمضي كلاسيكيّات الموسيقى الأوربيّة في لحن واحد مع آلات التخت الشرقيّ.

يجمع المهرجان الذي اختتم فعاليّات دورته الرابعة مؤخّرًا، كلًّا من: شيرين عبد الوهّاب، وحسين الجسمي، وريهام عبد الحكيم بمرافقة دار الأوبرا المصريّة، ومايك ديل فيرّو كوارتيت، وديبورا جيه كارتر، ونيلادري كومار، ودانيل مايل، وديفيد دورانتيس، ومارينا هيريديا، وتشيكو أند ذا جيبسيز، وأسامة الرحباني، وهبة طوجي، وفرقة نغم الإمارات، وجاسم محمّد، ونينا وعازف الغيتار، وطرابيش، وتريو أليجريا، ولاتن ستريت باند، وإيلينا دويت، ودرامز أوف لاف، بالإضافة إلى عازفي العود؛ نصير شمّة، ونجاتي تشيليك، وحسين سبسبي، وخالد محمّد علي.

توسيع الأثر

يطرح المهرجان تجربته في مسارات ثلاثة، تشكّل الرؤية العامّة التي ينطلق منها، فيعمل على تبديد أشكال التطرّف وأحاديّة الرأي والتعصّب، عبر جمع الجمهور على لغة إنسانيّة سامية تتجاوز القوميّات والأعراق والبلدان، ويسعى لتشكيل وعي جماهيريّ بالثقافة السمعيّة وتوسيع أثر الموسيقى، بالإضافة إلى جهده الواضح في تحويل الشارقة إلى مركز للفعل الثقافيّ العالميّ بعامّة.

تتجلّى مسارات المهرجان في البرنامج الذي أعدّه والفرق التي استضافها، فجاءت مشاركات الفنّانين من دول متعدّدة؛ الإمارات العربيّة المتّحدة، ولبنان، والعراق، ومصر، والأردنّ، وسوريا، وفرنسا، وإسبانيا، وهولندا، وأوكرانيا، وتركيا، وكوبا، وكولومبيا، والولايات المتّحدة الأمريكيّة.

وتنعكس ثقافات تلك البلدان وحضاراتها في الفنون الموسيقيّة والغنائيّة؛ فظهرت هويّة الثقافة الغجريّة في ليلة 'تشيكو أند ذا جيبسيز'، وتكشّفت هويّة المدرسة الرحبانيّة في حفلة أسامة الرحباني وهبة طوجي، بينما تجلّى التاريخ الموسيقيّ لواحد من أشهر عازفي الأكورديون مع الفرقة الفرنسيّة، ودانيل مايل، وغيرها من الثقافات والحضارات.

في الساحات والممرّات

يحرص المهرجان، ضمن رؤيته، على تعميم فعل الجمال، والذهاب بالموسيقى إلى الجمهور، إذ عزف عدد من الفرق الموسيقيّة مقطوعاتها في الساحات والممرّات العامّة للواجهات السياحيّة النشطة في إمارة الشارقة، ليكون الجمهور على موعد مع الموسيقى في ممشى القصباء، ومسرح القصباء، وواجهة المجاز المائيّة، وجزيرة العلم، ومسرح المجاز.

يخرج فعل الموسيقى الجماليّ في هذه التجربة من إطاره التقليديّ الملتزم بالتذاكر والمسارح المغلقة، لينفتح على الجمهور العابر، فيتجمّع المستمعون حول الفرق الموسيقيّة، ويتفاعلون معها من مختلف الأعمار والثقافات والجنسيّات.

مقابل هذا المشروع الرامي لرفع الذائقة الموسيقيّة، يسعى المهرجان إلى دعم مشروع الشارقة الثقافيّ، الساعي إلى جعل المدينة مركزًا للفعل الثقافيّ في الخليج العربيّ والشرق الأوسط والعالم، فيغدو المهرجان بذلك من الدعائم التي تتكامل أدوارها، بين الموسيقى، والتشكيل، وصناعة المعرفة، ومعارض الكتب، ورعاية التراث الإنسانيّ، وغيرها من أشكال الثقافة الإنسانيّة.

عربيّة وعالميّة

قدّم المهرجان عددًا من الحفلات المميّزة على صعيد الموسيقى العربيّة والعالميّة، فجاء انطلاقه بحفلة للفنّانين، الإماراتيّ حسين الجسمي، والمصريّة شيرين عبد الوهاب، جمعت الجمهور على أشهر أغانيهما في مسرح واجهة المجاز.

وكان الجمهور في اليوم الثاني للمهرجان على موعد مع أمسية حملت عنوان 'أسطورة العود'، أطلّ فيها أربعة من مبدعي العزف من على مسرح جزيرة العلم، حيث شارك فيها كلّ من الفنّانين العراقيّ نصير شمّة، والسوريّ حسين سبسبي، والعراقيّ خالد محمّد علي، والتركيّ نجاتي تشيليك، ليلخّصوا سيرة العزف على العود بتنوّع مدارسه التقليديّة والمعاصرة.

وحلّت كوكب الشرق، أمّ كلثوم، ضيفة على المهرجان بروحها وأغنياتها، إذ قدّمت الفنّانة ريهام عبد الحكيم و'أوركسترا دار الأوبرا المصريّة'، بقيادة المايسترو محمّد الموجي، على مسرح جزيرة العلم، ليلة طربيّة من ليالي المهرجان، سهر خلالها الجمهور مع الفنّانة، إحياءً لذكرى سيّدة الغناء العربيّ.

ولم تكتفِ الفرقة الموسيقيّة الفرنسيّة، 'شيكو والغجر'، بتقديم أجواء الفرح والتراث الشعبيّ الغجريّ على مسرح القصباء، إنّما خلقت مزيجًا موسيقيًّا مع اللحن الشرقيّ، فقاد الفنّان فرات قدّوري عددًا من المقطوعات برفقة الفرقة على آلة القانون، ليترك روح الموسيقى الشرقيّة تمتزج بتاريخ موسيقى الغجر، ومجموعة آلات الجيتار.

على إيقاع الدفوف الإماراتيّة، والتخت الشرقيّ، اختتم الفنّان جاسم محمّد وفرقة 'نغم الإمارات'، على مسرح جزيرة العلم، فعاليّات المهرجان في ليلة موسيقيّة غنائيّة، جمعت تراث الغناء الخليجيّ، ومقطوعات من كلاسيكيّات الموسيقى العربيّة، مقدّمًا كلّ منهما هويّته الفنّيّة في سلسلة من المعزوفات والأغاني.

 

محمّد أبو عرب

 

شاعر وصحافيّ يقيم في الإمارات، وهو مولود في قرية القليعات الأردنيّة، وتعود أصوله إلى مدينة بيسان الفلسطينيّة، حيث هُجّرت عائلته منها عام 1948. عمل كاتبًا ومحرّرًا في عدد من الصحف والمجلّات، ويعمل اليوم في جريدة الخليج الإماراتيّة. له مجموعتان شعريّتان، 'يمضي كزيتونة عالية' (2014)، وقد حصلت على المركز الرابع في جائزة الشارقة للإبداع الأدبيّ، و'أعلى من ضحك الأشجار' (2016).