فيلم ذاكرة للنسيان | باسل شحادة

فيلم تجريبي قام به باسل شحادة عام 2011، أثناء دراسته في جامعة سيراكوس الأمريكيّة في نيويورك. اعتمد الفيلم على مقتطفاتٍ من نص محمود درويش "ذاكرة للنسيان". نُعيد نشره في فُسْحَة ثقافيّة فلسطينيّة في الذكرى السادسة لاستشهاد باسل شحادة.

وباسل شحادة هو مخرج سينمائيّ ومهندس معلوماتيّة سوري، وأحد الناشطين المدنيين البارزين في الثوّرة السوريّة. كان من طلائع المشاركين في تنظيم المظاهرات السلميّة في دمشق للتنديد بأعمال القمع التي رافقت الثورات العربيّة، واعتقل خلال مظاهرة المثقّفين في حيّ الميدان في دمشق. كان من أبرز الموثّقين لقصف قوات النظام السوري واجتياحاتها المتكررة لمدينة حمص. استشهد نتيجة قصف هذه القوات حي الصفصافة الحمصي بتاريخ 2012/05/28، ودفن في حمص.

كتبت هند مجلّي، إحدى صديقاته، عن قدّاس وداع باسل شحادة في دمشق في مثل هذا اليوم قبل ست سنوات: "وصلت إلى دمشق قبل نصف ساعة من موعد قدّاس الشهيد باسل شحادة، كان انتشار عناصر الأمن مرعبًا جدًا. من ساحة العباسيين وحتى قوس باب توما، يحملون العصي والبواريد وتم أيضًا "إغلاق باب الكنيسة التي كان من المفترض أن نجتمع في ساحتها، اتصلت بالأصدقاء لأضعهم في الصورة إلّا أنّهم صمموا على القدوم والمشاركة. في الموعد المحدد كان الجميع أمام باب الكنيسة وافترشوا الرصيف وكان القدّاس ثلاث أغنيات وطنيّة وسط ذهول وصدمة عناصر الأمن الذين وقفوا مع الناس التي كانت تراقب المشهد".

وأضافت "لم يستمر ذهولهم طويلا، فسرعان ما بدأ هجومهم وسط صيحاتهم التشبيحيّة التي قطعت الأغاني، وبدأ الهروب والركض إلى الحارات المجاورة. كان قدّاس باسل شحادة مظاهرة جميلة من مظاهرات الثورة، بداية من تحدي الأمن والجلوس أمام باب الكنيسة والأغاني الوطنيّة وانتهاء بهتافات الثوّرة ..حريّة.. حريّة التي رافقت رحلة الركض والهروب. تم اعتقال العديد من المشاركين في قدّاس الشهيد باسل شحادة في ذات اليوم، وأصبحت فيما بعد تهمة جديدة تضاف إلى التّهم الموجّهة للمعتقلين".


النص المرافق للفيلم عن ديوان ذاكرة للنسيان لمحمود درويش:

- هل أنتِ حية؟ 
- تقريبًا... 
- وهل أصابتك الشياطين بسوء؟
- لا أعرف، ولكن في الوقت متسعٌ للموت. 
- لا تموتي تمامًا.
- سأحاول... هل التقينا كثيرًا
- مرتين.. مرة تحت المطر، ومرة تحت المطر، وفي المرة الثالثة لم نلتقِ، سافرتُ ونسيتك، قبل قليلٍ تذكرت.. تذكرتُ أنني نسيتكِ.
هي تقول لي خذني إلى أستراليا، وأنا أقول لها خذيني إلى القدس.
صرتُ أقيسُ المسافة الزمنيّة بين قذيفتين... ثانية واحدة.. ثانية واحدة أقصر من المسافة بين زفيرٍ وشهيق.
أقصر من المسافة بين دقتي القلب.
أيكون هذا اليوم أطول يومٍ في التاريخ؟ 

في الخريف يتحول القلب إلى تفاحةٍ ناضجة..
في الخريف تنكسر الذاكرة، ويسيل الخمر من النسيان...
لا أحد..
لا أحد يريد أن يَنسى... 
بشكلٍ أدق... 
لا أحد يريد أن يُنسى...

أعرف قهوتي وقهوة أمي وقهوة أصدقائي
أعرفها من بعيد، وأعرف الفوارق بينها
لا قهوة تشبه الأخرى
لكل شخصٍ قهوته الخاصة
هناك قهوة لها مذاق الكزبرة، ذلك يعني أن مطبخ السيدة ليس مرتبًا.
ثمة قهوة لها مذاق عصير الخروب، ذلك يعني أن صاحب البيت بخيل.
وقهوة لها رائحة العطر، ذلك يعني أن السيدة شديدة الاهتمام بمظاهر الأشياء.
ثمة قهوة لها ملمس الطحلب في الفم، وذلك يعني أن صاحبها يساري.
ثمة قهوة لها مذاق القدم، من فرط ما تألب البن في الماء الساخن، ذلك يعني أن صاحبها يميني متطرف.

أمي البعيدة تفتح باب غرفتي، تقدم لي القهوة على طبقٍ من قلبها...


- هل أنت حي؟
- تقريبًا، ولكن في الوقت متسعٌ للموت.
- لا تمت.
- سأحاول.
- هل أحببتني؟
- لا أعرف.
- هل تحبني الآن؟
- لا.