جهاد أبو حشيش: النشر مهمّة إبداعيّة

الشاعر والروائيّ جهاد أبو حشيش

يؤمن جهاد أبو حشيش، مدير 'دار فضاءات للنشر' في العاصمة الأردنيّة، عمّان، أنّ مهمّة النشر إبداعيّة في حدّ ذاتها، تحترم ذائقة القارئ والمؤلّف ولا تجاملهما، منتمية للنصّ المبدع لا لاسم كاتبه، وهو ينطلق في ذلك من كونه شاعرًا وروائيًّا أيضًا.

كان لنا  في فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة حديث معه حول العديد من القضايا، منها دور مؤسّسات النشر في تفعيل المشهد الثقافيّ العربيّ، بالإضافة إلى دور الدول التي يُفترض، وفق أبو حشيش، أنّها الراعي الأوّل والمسؤول عن تقدّم أو تراجع مستوى مواطنيها، من خلال خلق مواطن مسلّح بالمعرفة، يستند إلى قدراته المعرفيّة في ممارسة دور بناء مجتمعه والنهوض به، مؤكّدًا على أنّ  للظروف السياسيّة دور في توجيه دفّة الكتابة، سلبًا أو إيجابا.

تحتلّ 'فضاءات' الصدارة بين دور النشر الأردنيّة والعربيّة، لنشاطها في مجال صناعة الكتب ونشرها ضمن خطط تسويقيّة، بالإضافة إلى اهتمامها بالكاتب، فهي على حدّ تعبيركم 'مدير أعمال الكاتب للتجسير بينه وبين القارئ'، فكيف تحقّقون ذلك؟

نعتزّ في فضاءات بأنّنا عملنا على خلق تجربة مغايرة وجادّة، ومسؤولة في التعامل مع الكتاب والكاتب والقارئ. لقد اشتغلنا بجدّيّة في السنوات السابقة لخلق ثقة القارئ بالكتاب الذي تنشره فضاءات، فليس من السهل أن تحوز ثقة القارئ، لكنّنا، وفي الوقت الذي لا يهمّ البعض سوى البيع، ندرك أنّ القارئ يريد من الناشر احترام ذكاءه، لا أن يفترض أنّه مجرّد دافع لثمن كتاب. وفي هذا المجال تحديدًا، يحتاج القارئ إلى أن يرى إيمان الناشر بالكتاب وحرصه عليه. كثير من الأسماء التي نشرنا لها لم تكن معروفة، صار القارئ ينتظر جديدها، بل ويسأل عنها، ويفتّش عن كاتبه.

مع الكاتبة أمل بورتر خلال توقيع كتبها الصادرة عن 'دار فضاءات'

أمّا التسويق، فهو لا يعني لدينا، بالضرورة، الاهتمام بحضور المعارض العربيّة والدوليّة فقط، لكنّه يعني نشاطات الدار ومساهمتها في تفعيل المشهد الثقافيّ العربيّ، وهي ستقدّم، دائمًا، كلّ ما هو متميّز في هذا المجال. تنتمي 'دار فضاءات' للنصّ المبدع، ولهذا نتعامل مع الكتاب دون زيف، نعاين الضعف ونعاين مكامن القوّة، ونسعى لإنتاج ما هو أكثر إبداعًا.

ما هو التحدّي الذي يخوضه الكتاب الورقيّ الآن، في ظلّ توافر الكتب بصيغ إلكترونيّة، لا سيّما في ظلّ الشعار الذي أطلقته إحصائيّات 'أمّة اقرأ لا تقرأ' حول تدنّي مستوى القراءة للفرد في الوطن العربيّ؟

إحصائيّات اليونسكو تثبّط الهمم، على الرغم من أنّها واقع، وهذه مشكلة. تقول الإحصائيّات إنّ الفرد العربيّ يقرأ ما مجموعه ستّ دقائق في العام. هذه إحصائيّات مخيفة، تعني أنّنا أمام مجتمع يجترّ ذاته، وثابت الرؤيا متكلّس، وغير قادر على خلق آفاق حقيقيّة للتطوّر. مشكلة القراءة الإلكترونيّة أنّ الجيل الذي يتوجّه إلى هذا النوع من الاطّلاع، إمّا أنّه يذهب في اتّجاه ما هو مجبر أن يطّلع عليه أكاديميًّا، وإمّا أنّه يذهب في اتّجاه قراءات سهلة تشبع غرائزه، وهذا سيربّي جيلًا بعيدًا عن المعرفة، غير منتج عمليًّا في المجتمع، لأنّه سيكون عالة بطريقة أو بأخرى.

إلى أيّ مدًى تتحمّل الدول والحكومات المسؤوليّة عن تمكين المعرفة في مجتمع؟

الدولة، أيّ دولة، يفترض أنّها الراعي الأوّل والمسؤول عن تقدّم أو تراجع مستوى مواطنيها، فكيف إذا تعلّق الأمر بخلق مواطن مسلّح بالمعرفة، يستند إلى قدراته المعرفيّة في ممارسة دوره لبناء مجتمعه والنهوض به؟ التشجيع على القراءة، بما يحمله من إحساس بالمسؤوليّة تجاه المواطن والوطن، وما يفرضه من جهد، لا بدّ وأن تتحمّله الحكومات، بهدف إيصال المعرفة إلى كلّ مواطنيها، طلّابًا وعمّالًا وجنودًا، وفي أيّ موقع آخر كانوا.

وهنا أستشهد بقانون القراءة الذي أطلقته دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، مثلًا، وهو قانون يعبّر عن جدّيّة تعامل الدولة واحترامها لمواطنها، وإحساسها بأنّه رأسمالها الحقيقيّ، بينما تعمل الكثير من الدول على تقويض القدرة المعرفيّة لدى مواطنيها، من خلال تهميش دور وزارات الثقافة والمؤسّسات الفكريّة والإبداعيّة، والتضييق على الكتّاب والمبدعين.

من موقعك، ناشرًا، ما هي العناوين أو الحقول التي تجذب القارئ العربيّ، في هذه الفترة تحديدًا؟

نلاحظ أنّ الرواية صاحبة السيادة الأولى، في الزمن الحاليّ، وقد أدّى الإعلام، وكذلك الجوائز المخصّصة للرواية دورًا كبيرًا في ذلك.

في معرض الكتاب بالدار البيضاء - المغرب

ولا ننسى، أيضًا، أنّ كتب التراث، بما فيها المعرفة الهادمة إذا جاز التعبير، تلقى دعمًا خياليًّا يهمّش إبداعات أخرى، على الرغم من انتشار الرواية. صحيح أنّ التراث عامل مهمّ لكلّ أمّة لتستطيع التعامل مع ماضيها، وفهم حاضرها، وصناعة مستقبلها، لكنّ ما يحدث، عربيًّا، تسييد التراث المنغلق تحديدًا، ذلك الداعي إلى نبذ التفكير والإبداع، وبالتالي خلق مناخات سالبة تؤدّي، في النهاية، إلى تقويض بنية المجتمعات القائمة وإحلال مجتمعات مفرغة من المحتوى الإنسانيّ.

إذن، هل للظروف السياسيّة التي تشهدها بعض الدول العربيّة دور في توجيه دفّة التأليف والنشر والقراءة؟

كان للظروف السياسيّة، دائمًا، دور في توجيه دفّة الكتابة، سلبًا أو إيجابا. ثمّة، دائمًا، المتثاقف الذي يلتقط ما تريده السلطة السائدة في هذا البلد أو ذلك ليكتب وفق ما يلائم استفادته منها. يحيلني سؤالك إلى سؤال يطرحه البروفيسور كمال أبو ديب في كتابه الذي سيصدر قريبًا، 'في تشريح السلطة'، يقول فيه: 'كيف يتحرّر العربيّ؟ ومن أين يأتيه الإيمان بحرّيّته وحرّيّة الآخرين، وهو يولد أسير سلطة يقضي حياته في حبك خيوط سجنه داخلها، وحبك خيوطها سجنًا لمن حوله؟ هذا السؤال يجيب إلى أيّ مدًى تكون السلطة مؤثّرة في العمليّة الإبداعيّة'.

 

محمّد عريقات

 

شاعر وكاتب فلسطينيّ يقيم في الأردنّ. صدرت مجموعته الشعريّة الأولى تحت عنوان 'أرمل السكينة' بطبعتين، عن المركز القوميّ للدراسات والتوثيق في فلسطين 2009، وعن المؤسّسة العربّية للدراسات والنشر في بيروت 2010. صدرت مجموعته الشعريّة الثانية 'أكلتني الشجرة'، عن المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر في بيروت 2016. حاصل على عدّة جوائز أردنيّة وعربيّة. يعمل في مجال الكتابة الدراميّة في المركز العربيّ للإنتاج الإعلاميّ.