نيّالها الناصرة نيّالها: مقهى "ليوان" الثقافيّ ليس وحيدًا

مقهى "ليوان" - الناصرة

في قلب البلدة القديمة بمدينة الناصرة، يفتح مقهى 'ليوان' أبوابه للزائرين من أبناء المدينة ومحيطها، وللسيّاح الذين يتوافدون على السوق من كلّ فجّ عميق، مقدّمة مساحة ثقافيّة تمزج بين الطابعين الغربيّ والشرقيّ، من خلال برامج ثقافيّة تشمل الأمسيات والندوات الأدبّية، والاجتماعّية، والسياسيّة، والفنّيّة.

على مدار عشرة أشهر، تعرّض 'ليوان' إلى الكثير من الاعتداءات، آخر السبت الماضي، من إطلاق النيران على أبوابه، ورمي الحجارة على شبابيكه، وإلقاء قنبلة صوتيّة خلال أمسية أدبيّة للكاتب نسب أديب حسين، ما تسبّب بحالة من الذعر للحاضرين، وردود فعل ساخطة شغلت الرأي العامّ في أراضي 48.

لن نخضع لخفافيش الليل

قالت سالي عزّام بهذا الصدد، إحدى شركاء 'ليوان' لفُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة: 'فكرة ليوان إحياء البلدة القديمة، بعد أن ركدت الحركة فيها خلال السنوات الأخيرة الماضية، لذا فكّرنا في إقامة مشروع ثقافيّ يشبه روح البلدة القديمة، لجذب الزوّار والسيّاح إلى حاراتها، والتعرّف عليها وعلى تاريخنا الفلسطينيّ، لكن، للأسف، ثمّة من يحاول زعزعة الاستقرار في البلدة القديمة وقتل أيّ حركة تنشأ فيها'.

من فعاليّات مقهى 'ليوان'

وأضافت: 'نستنكر الأفعال الترهيبيّة التي نتعرّض لها، ونرفض العنف بكلّ أشكاله في كلّ مكان، وليس فقط الذي يُمارس بحقّ المقهى، ويجب على الجميع رفضه دون تأتأة'.

وإجابة عن سؤال لمن يوجهون أصابع الاتّهام، قالت عزّام: 'لا نعلم من هم المعتدون، لكن، في كلّ الأحوال، إن كان ثمّة اعتراض على أيّ نشاط ننظّمه، فالحلّ الأفضل الحوار، لا هذه الأفعال المشينة من خفافيش الليل، فمقهى ’ليوان’ يعمل على وصل جميع الثقافات ببعضها البعض عبر البرامج الثقافيّة المتنوّعة، من أدب وموسيقى وفنون، وليس كما حاول البعض تشويهه'.

وختمت بالقول: 'الاعتداء على ’ليوان’ اعتداء صارخ على السوق، ولهذا الأمر رأينا الكثير من أهالي البلدة القديمة وأبناء الناصرة ومحيطها يلتفّون حول المقهى تضامنًا معنا، لأنّ من مصلحة الجميع في الناصرة وغيرها، أن ينعموا بالأمن والأمان والاستقرار، وأيّ محاولة لزعزعتها، فإنّنا سنجد الجميع متّحدين في صدّها وردعها. هذه المحاولة ليست الأولى، وللأسف لن تكون الأخيرة، لكنّنا مستمرّون ولن نتوانى عن العطاء، والضربة التي لا تقتلك فهي حتمًا تقوّيك'.

'تصرّفات لا إنسانيّة'

من جهته، صرّح سالم شرارة، الناطق باسم بلديّة الناصرة لفُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة: 'موقفنا واضح من دون تأتأة، نحن في البلديّة ضدّ العنف بأشكاله جميعًا، سواء كان يمارس على مقهى ’ليوان’ أو أيّ موقع أو مصلحة في الناصرة، وسنسعى جميعًا لمنع تكرار مثل هذه الأفعال، ولا سيّما في البلدة القديمة التي نحاول جميعًا إحياءها وإرجاع نبضها، التجاريّ والثقافيّ، وسنعمل في الأيّام القادمة على دعوة جميع النوادي والمراكز الشبابيّة لترسيخ الحركة الثقافيّة في البلدة، لتكون خطوة لكبح مثل هذه التصرّفات اللا إنسانيّة'.

وأضاف: 'أريد أن أنبّه إلى قضيّة الوحدة، فليس هذا وقت الاصطياد في المياه العكرة، ورشق الاتّهامات يمنة ويسرة من دون استيضاح، فالبلديّة تدعو الشرطة إلى فتح التحقيقات حول هذه الاعتداءات، وسنعمل على متابعة الإجراءات اللازمة'.

واستكمل: 'أريد أن أقول لوسائل الإعلام ألّا تركّز على هذه الاعتداءات الشاذّة فقط، وأن تحاول النظر إلى زوايا أخرى تنمويّة في البلدة القديمة، فهي تستغيث المارّة والإعلام لإظهارها، مثل النوادي الثقافيّة التي تستقطب جمهور واسعًا من أبناء الناصرة، عبر مختلف الفعاليّات. كما نرجو من أهالي الناصرة التعاون في إعادة إحياء البلدة القديمة. من ضمن أعمال البلديّة، ترسيخ الثقافة في روح المدينة عبر النوادي والمراكز، مثل نادي البلدة القديمة الذي يقدّم نشاطات مختلفة، ومركز محمود درويش، وغيره'.

مباعث أمل

وردًّا على الاعتداءات المتتالية على مقهى 'ليوان'، توافد العشرات من أبناء الناصرة وغيرها على مدار الأيّام الماضية، معبّرين عن تضامنهم، ومؤكّدين على رفض مثل هذه التصرّفات الترهيبيّة.

وكانت جمعيّة الناصرة للثقافة والفنون قد دعت إلى التجمّع مساء الإثنين الماضي، 16 تشرين الأوّل (أكتوبر)، لدى مقهى 'ليوان' دعمًا له، فاستجاب العشرات للدعوة، حيث قدّمت الفنّانة دلال أبو آمنة وفرقتها النسائيّة، وصلات غنائيّة من التراث الفلسطينيّ، لفتت انتباهي من بينها أغنية 'نيّالها الناصرة نيّالها'.

وكان مدير الجمعيّة، وليد عفيفي، كتب في صفحته على فيسبوك': 'المهزلة الكبرى أن يكون الادّعاء في حادث مقهى ’ليوان’ أنّه حصل من مجموعة غيورة على دين أو محافظة على مشاعر العامّة. ولكنّ الجميع يعرف أنّها ناتجة عن أمور لا تتجاوز الحقارة والزعرنة من فئة صغير مريضة، تقوم بأعمال حقيرة لهدف الاستفراد بالبلدة العتيقة وسوقها لخدمة أسياد لهم، بأهداف سياسيّة رخيصة لبعض المرضاء نفسيًّا. من الضروريّ أن تكون وقفة جماهيريّة صلبة لمنع الأوباش من فرض أجواء تعكّر صفو الحياة لأبناء الناصرة الكريمة' .

العشرات من المتضامنين توافدوا إلى 'ليوان' بعد الاعتداء عليه

وقد كتبت الإعلاميّة إيمان جبّور حول هذا التجمّع: 'بما أنّني في الناصرة اليوم، ذهبت للتضامن مع مقهى ’ليوان’ بعد عدّة اعتداءات طالته. لم أتوقّع أن ألتقي هذا العدد من الأشخاص الذين عرفتهم في مراحل مختلفة من حياتي بسبب ابتعادي لسنوات عن المدينة. لكن شعرت فعلُا بالقشعريرة مع وصول هذا الوفد النسائيّ للتضامن. أنا تخصّصي البحث عن الأمل والتفاؤل رغم كلّ ما يحدث، ومحاولة رؤية الظلمة بعيون مضيئة ومضاءة، وهذه الليلة رأيت مباعث أمل في الناصرة، هذه خطوة رمزيّة يجب أن يعقبها عمل، وما ينتظرنا أصعب'.

رفض الوصاية

كما أصدر بعض الحركات السياسيّة في الناصرة بيانًا مشتركًا، وقّع عليه كلّ من التجمّع الوطنيّ الديمقراطيّ، والحركة الإسلاميّة، وشباب التغيير، أدانت فيه الاعتداءات المتكرّرة على المقهى، وأكّدت على أنّها ستعمل ما بسوعها 'لوقف هذه السلوكيّات ... ولرفع الوعي حول خطورة تلك الاعتداءات وخطورة فكر التكفير والوصاية والعنف والترهيب الاجتماعيّ لحفنة صغيرة تريد فرض وصايتها بالقوّة على حياة الناس'.

وأضافت في بيانها: 'ملبس الناس، ومأكلهم، وأسلوب حياتهم، جزء من حرّيّات شخصيّة، نرفض تمامًا أيّ وصاية عليها، ونعتبر كلّ تدخّل فيها ضربًا من التعدّي على حرّيّات أساسيّة، فكيف إذا وصل الأمر إلى درجة إطلاق النار وتهديد حياة الناس وتعريضها للخطر، وتحويل أفراح الناس وأوقات ترفيهها إلى حالات رعب، وتحويل الحياة الثقافيّة إلى إحدى الموبقات'!

كما أصدر الاتّحاد العامّ للكتّاب العرب الفلسطينيّين 48 بيانًا أكّد فيه على كون أعضائه من كتّاب وشعراء ينظرون 'بخطورة بالغة إلى الاعتداءات المتكرّرة على مقهى، يقيم ندوات ولقاءات ثقافيّة دوريّة، ويخدم مجتمعنا وشعبنا ثقافيًّا، واجتماعيًّا، ووطنيًّا'.

من فعاليّات مقهى 'ليوان'

وأضاف: 'كما أنّنا نندّد بتقاعس الشرطة بتأدية واجبها اتّجاه ظاهرة العنف في الوسط العربيّ، قياسًا على ما تقوم به اتّجاه أيّ اعتداء عنيف يجري داخل المجتمع اليهوديّ الإسرائيليّ. وإنّنا ندعو بدورنا الكتّاب، والشعراء، والمؤسّسات الثقافيّة، إلى التضامن الفعليّ مع مقهى ’ليوان’ في مدينة الناصرة، والتعاون معهم لتعزيز الحالة والنشاط الثقافيّ القائم، لأنّ الردّ على هذا النهج الظلاميّ لا يتمّ إلّا بتعزيز الحالة الثقافيّة التي تؤثّر في الوعي، فالعمل على الوعي جزء من النضال من أجل تطوير المجتمع، وتقوية حصانته، وتعميق هويّته الإنسانيّة التي تعزّز الهويّة الوطنيّة والقوميّة، فلا يمكن الفصل بين هذه المقوّمات التي تشكّل الهويّة الحضاريّة لأيّ مجتمع'.

 

أريج حكروش

 

من مواليد كفر كنّا في الجليل عام 1991. حاصلة على بكالوريوس تاريخ الشرق الأوسط والإعلام من جامعة حيفا. التحقت بالعديد من الدورات التدريبيّة في الصحافة والإعلام في مركز تطوير الإعلام – جامعة بيرزيت، وأكاديميّة D&B في إسطنبول. عملت مراسلة في عدد من المواقع الإلكترونيّة، وكذلك مراسلة ومعدّة برامج في شركة الأرز للإنتاج وتلفزيون مساواة