هويّتي الجنسيّة، وتلك الجملة الورطة

ريشة Mickalene Thomas

 

كلّنا - وأحبّ أن أفترض أنّنا كلّنا - يعرف أنّ الميول والهويّات الجنسانيّة، متعدّدة في الطبيعة البشريّة منذ نشأت.

كان لا بدّ من هذا السطر الإنشائيّ المملّ؛ لنؤسّس معًا لتجربة قراءة هذا المقال، لماذا؟ لأنّ علينا أن نعي هذه الحقيقة، ونتقبّلها، وأن تصبح جزءًا من إدراكنا اللاطوعيّ للأشياء؛ كي نستطيع أن نمضي خطوة واحدة أخرى؛ فلنبدأ إذن.

إنّ سؤال الهويّة الجنسانيّة - لا شكّ - سؤال صعب، وتجربة التساؤل ليست تجربة سلسة أبدًا، لماذا؟ إن كنت قد تربّيت على أن تدرس وتتعلّم، وتعمل وتؤسّس ذاتك، وتحبّ لتتزوّج وتنجب، وتبني أسرة صغيرة سعيدة، تكون مصدر فخر لعائلتك الممتدّة، ومقبولة من مجتمعك ومن المجتمع المحيط بك أيضًا، ثمّ وجدت نفسك خارجًا عن هذا النمط، ولو بينك وبينك، فستخوض الصراع الأوّل مع ذاتك؛ مَنْ أنا؟ لماذا أشعر هكذا؟ ولماذا لا رغبة لديّ في خوض التجربة، كما خاضها الجمع العامّ بالعرف العامّ قبلي؟

الإعلام، والمجتمع، والديانة، والتربية، والعائلة، وحتّى الأصدقاء المنفتحون ذوو القلوب والعقول الواعية، يفترضون تلقائيًّا أنّك ستسلك الطريق النمطيّ في حياتك الشخصيّة، مع بعض الاختلافات الهامشيّة البسيطة، الّتي تصنع منك شخصًا مميّزًا، لا بأس بهذا إن كنت فردًا يندرج بطبيعته ضمن المثلّث الجندريّ السائد، ذكر - أنثى، رجل - امرأة، مغاير - مغايرة الميول الجنسيّ.

ماذا لو لم تكن كذلك؟ ماذا لو لم تكن ذكرًا أو أنثى، بالشكل المعيّن لدى ولادتك؟ ماذا لو لم تكن رجلًا أو امرأة؛ بحسب ما صنّفك النمط السائد تبعًا لجنسك؟ وماذا لو لم تكن مغاير الميول الجنسيّ، كما يُتوقّع منك تبعًا لذلك أيضًا؟ هنا ستصبح فردًا كويرًا.

تعريف صغير: الكوير - بحسب معجم نشرته "مؤسّسة القوس للتعدّديّة الجنسيّة والجندريّة في المجتمع الفلسطينيّ " - مصطلح يشمل الأشخاص الّذين لا يتوافقون مع الجنسانيّة، والجنس، و/ أو الجندر الّذي كان تعيينه عند الولادة، ومن خلال التنشئة الاجتماعيّة. لفظ "كوير" ظهر بديلًا راديكاليًّا للمثليّين والمثليّات، جزءًا من المشروع السياسيّ الغربيّ، ويكثر استخدامه عالميًّا هذه الأيّام.

 

كفانا مقدّمات، أليس كذلك؟

حين جلست مع صديقتي ذات ليلة خريفيّة، منذ أربعة أعوام، صديقتي الجميلة الّتي كانت تُضحكني إلى أن يُغمى عليّ، ولا تعترف بقصيدة النثر الّتي أحبّها أنا، وتقول إنّ الإنترنت جاء "لخراب الديار على رؤوسنا"، جلسنا نشاهد فيلمًا لطيفًا - أذكر أنّه كان فيلم "العالم السفليّ"، وأنّنا تحدّثنا كثيرًا عن جمال سيلينا - ونشرب قهوة لطيفة (بالفانيلا، ويا للسخرية!)، وكنّا وحدنا، وبعد أن انقضى الليل لم ننتبه إلى أنّ الفيلم انتهى؛ لأنّ الّذي كان قد كان - نعم، أقصد ما تظنّون تمامًا - وكان جميلًا.

"راحت السكرة وإجت الفكرة"، وكان السؤال الأوّل: ما الّذي حدث؟ وكيف؟ وأنا الّتي كانت علاقاتها عادة مع رجال، ورغم أنّني كنت دائمًا ما ألتفت إلى الصبايا، ورغم أنّ التساؤلات الكثيرة كانت تنتابني في الكثير من الأوقات؛ لم أعتقد أنّني فعلًا... حقًّا... لم أستطع أن أقولها، لكنّني فكّرت فيها كثيرًا، كنت سعيدة، وفرحة، وكانت مستويات الأدرينالين في دمي، أعلى منه في دم عدّاءة فازت ببطولة أولمبيّة للمرّة الأولى.

أنا مزدوجة الجنس؟ قلتها في رأسي ألف مرّة، لم تبدُ لي جملة بل ورطة، ما هذه الجملة الورطة؟

اتّصلت بصديقتي منذ خمسة عشر عامًا، لنسمّها نجمة بحسب طلبها، تحدّثت كثيرًا ولم أقل شيئًا، وعند انتهاء المكالمة، أرسلت إليها رسالة قصيرة: "نجمة، أنا ’بايسيكشوال‘"، وفي ثوانٍ، جاء الردّ: عظيم، مبسوطة؟

يعني، مبسوطة يا نجمة، لكن...

ليس هناك من لكن، كوني أنت، وكوني سعيدة، وهذا كلّ ما في الأمر.

يجب أن يكون لكلّ منكم "نجمة" مثل نجمتي؛ ابحثوا عنها، وتأكّدوا أن تكون مضيئة بما يكفي؛ لتختار هذا الاسم لنفسها.

لأنّه لا دعم لديّ بهذا الشأن أبدًا - أبدًا إطلاقًا أبدًا - ولأنّني لم أجرؤ على أن أقول شيئًا؛ كانت نجمة صخرتي الّتي اتّكأت عليها، ورافقتني في بحثي وقراءاتي الكثيرة، وأسئلتي المتكرّرة، ولمعاتي الذهنيّة، واكتشافاتي العبقريّة بشأن ذاتي وهويّتي وماهيّتي، ثمّ بدأت أجرّب بالتسميات الكثيرة، وأعيش أدوارًا كثيرة، "مش لأنّه الفاضي بيعمل قاضي"؛ بل لأنّ الاكتشاف رحلة مذهلة وممتعة للغاية؛ وهكذا استقررت على هويّتي، أنا امرأة "جامعة جنسيّة" (Pansexual)؛ أي لا أفرّق بين الهويّات الجندريّة المختلفة، ولا تهمّني، بل يهمّني الشخص ذاته، وأنّ جنسهم أو النوع الاجتماعيّ نقطة عمياء بالنسبة إليّ، هذا جميل، ويروقني أن أكونه؛ إذن، هذه أنا.

 

"طيّب"، لنعد إلى النظريّة قليلًا...

كلّنا يعرف أنّ تمثيل الهويّات الجنسانيّة المختلفة، في الإنتاج الفنّيّ والأدبيّ والإعلاميّ، مخبول نوعًا ما: الرجال الكويريّون مائعون، يحتاجون إلى الحماية، ليسوا رجالًا ذكورًا فحولًا، أمّا النساء فهنّ شهوانيّات، يضاجعن النساء والرجال وكلّ شيء يمشي على قدمين، وهنّ أيضًا أكثر ذكورة نمطيّة ممّا يجب، (إنّه شو يعني ذكورة أصلًا، معلش؟)، وما إلى ذلك من صور نمطيّة جاهلة، لا بأس بها في الكوميديا، نحن أيضًا نستمتع بالتنكيت على أنفسنا، بما لا يجرح أو يكرّس صورًا نمطيّة مخبولة، كالّتي ترونها كثيرًا في السينما والتلفزيون ومسلسلات الإنترنت.

لكن انتبهوا: هويّاتنا الجنسيّة ليست نكتة (مرّة تنين من**ك، دخلوا على البار...) لا! أبدًا لا!

ليس ثمّة حاجة إلى القول إنّها ليست - أيضًا - تهمة ولا عارًا، هذا - أحبّ أن أفترض أنّنا - تخطّيناه ومررنا به وانتهى؛ لأنّني أفترض أنّكم وأنّنا أكثر وعيًا من ذلك (صحّ؟ لا تخيّبوا أملي فيكم).

صديقي الوسيم، واسمه وسيم لأغراض هذا المقال، كان الشخص الثاني الّذي أخبرته - بشكل مباشر بلا أيّ مقدّمات - في منتصف حديث عن والدته الّتي تغرقه حنانًا، قال بعد أن ضحك بشكل رقيع نوعًا ما: "أهلًا بك في الجهة الأخرى، أهلًا بك في الجهة العظيمة من البشريّة"، وحين أخبرته عن الارتباك، قال لي إنّ ارتباكي في مراحله النهائيّة، ولن يطول. صدق وسيم، لم يطل ارتباكي، وانتهى أسرع ممّا توقّعت.

إذن، من هنا، من الجهة العظيمة من البشريّة، أبشّركم بأنّ الحياة جميلة، ما دام لديكم أصدقاء جميلون مثل نجمة ووسيم، يشكّلون نظام دعم قويّ، ويحبّونكم لأنّكم أنتم كما أنتم.

ومن هنا أيضًا، من الجهة العظيمة من البشريّة، أبشّركم بأنّ الوقت قد حان؛ ليتوقّف الانصياع للنمط، للصورة النمطيّة، والانحياز السلبيّ، والتحامل، إنّ الوقت حان لنكون جميعًا مَنْ نحن، كما نحن، خذوا عنّي هذا، وأحبّوا أنفسكم، أحبّوا مَنْ تحبّون بغضّ النظر عمّن يحبّون.