كورونا في شهرها الرابع... والفعل الثقافيّ مستمرّ

خاصّ فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة

تستمرّ فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة في تسليط الضوء على الفعل الثقافيّ الفلسطينيّ، المؤسّساتيّ والخاصّ، في ظلّ استمرار جائحة كورونا (Covid-19)، ومن ضمن ذلك ما يواجهه المبدعون والمشتغلون في الحقل الثقافيّ من تحدّيات، وما يجترحونه من حلول لتجاوزها، وما الّذي واجهوه من مواقف وأحداث خاصّة.

وقد تحدّثنا في هذا التقرير مع المخرجة والمنتجة السينمائيّة مي عودة (أوسلو)، والقاصّة والروائيّة ابتسام بركات (نيويورك)، والممثّل والمخرج السينمائيّ محمّد بكري (تونس)، والحكواتيّة دينيس أسعد (باريس)، والحكواتيّ وصانع الدمى فداء اللدّاوي (قطاع غزّة).

 

إطلاق "منصّة الفيلم الفلسطينيّ"

مي عودة

المخرجة والمنتجة السينمائيّة مي عودة، المقيمة في السويد، تحدّثت إلى فُسْحَة حول مبادرة "مؤسّسة السينما الفلسطينيّة" في ظلّ كورونا، فقالت: "ارتأت المؤسّسة إطلاق ’منصّة الفيلم الفلسطينيّ‘ بالتعاون مع صنّاع السينما الفلسطينيّة، وذلك بعرض أفلامهم عبر حساب المؤسّسة على مواقع التواصل الاجتماعيّ، والجميل أنّ الأفلام الّتي عُرضت حصدت  شعرات آلاف المشاهدات، وفقًا للبيانات الّتي جمعها منسّقو المنصّة، الّتي أُنشئت لإعطاء الناس فرصة لمشاهدة الأفلام مجّانًا. كانت الأولويّة لمساعدة الناس في عزلتهم، بتقديم أفلام فلسطينيّة ذات محتوًى فنّيّ عالٍ، كان كثيرون في شوق إليها، لغياب توزيعها وقلّته في الوطن العربيّ والعالم، بسبب عوامل عديدة؛ وهو الأمر الّذي أصبح مناسبة لكسر هذه الفجوة، فبدل الذهاب إلى السينما لرؤية الفيلم، ذهب الفيلم إلى الناس في منازلهم من خلال المنصّة".

تضيف مؤسِّسة شركة "عودة للأفلام والإنتاج السينمائيّ" في فلسطين: "هذا بالطبع صنع جمهورًا جديدًا للأفلام المستقلّة والفلسطينيّة بشكل خاصّ، وقد جاء هذا المجهود استكمالًا للعديد من منصّات مهرجانات الفيلم الفلسطينيّ حول العالم، من تورونتو وبوسطن إلى باريس، مرورًا بدبي والدوحة وأستراليا، وتعمل على توفير هذا المحتوى بأنواعه المختلفة من أفلام روائيّة ووثائقيّة وتجريبيّة، وأفلام تحريك، قصيرة وطويلة؛ إذ نشهد طفرة في توزيع هذه الأفلام في العالم الافتراضيّ، وهذا يدلّ على أنّ هذا المحتوى يلقى القبول عند المشاهد العربيّ والعالميّ، لعلاقته بمواضيع العزل والحجْر والأسر والقهر، الّتي يعاني منها اليوم العالم أجمع".

تابعت عودة القول: "إنّ الواقع الفلسطينيّ ينعكس في كلّ الأفلام الفلسطينيّة تقريبًا، ما جعلنا نعتقد أنّ مشاركة هذه الأفلام في هذا الوقت، تجعل المشاهد أقرب فهمًا وأكثر إحساسًا بواقعنا تحت الاحتلال، وكان شعورنا في المؤسّسة أنّه حان الوقت للتعبير عن الشكر والتضامن مع شعوب العالم المحاصرة، من خلال مشاركة تجربتنا الإنسانيّة، علاوة على أنّ دور أيّ مؤسّسة سينما وطنيّة دعم الجهد المحلّيّ والعالميّ، بدفع الناس إلـى البقاء في البيوت، وتطبيق سياسة التباعد الاجتماعيّ، وفي نفس الوقت الاستفادة من مشاهدة محتوًى ذي معنًى وصلة، ليس بالنسبة إلى الشعب الفلسطينيّ فقط، بل إلى كلّ الشعوب الصديقة. وأرى أنّ التحوّل السريع إلى المنصّات الافتراضيّة خلق فرص توزيع أخرى، يمكن الفيلم الفلسطينيّ وصُنّاعه الاستفادة منها".

ختمت عودة حديثها قائلة: "حسب إرشادات ‘منظّمة الصحّة العالميّة‘؛ فإنّ أيّ عروض سينمائيّة في الصالات لن تكون متاحة قبل شهر أيلول (سبتمبر) المقبل؛ لذا عمِل طاقم المؤسّسة في هذا الإطار، وبُرْمِجَت الأفلام حتّى نهاية شهر آب (أغسطس). ويمكن التفكير في استمرار عمل المنصّة حسب تطوّرات الجائحة وتعليمات السلامة في ذلك الوقت، وكلّ ما نأمله أن نتخطّى هذه المرحلة قريبًا".

 

البيت مدرسة والمدرسة بيت

ابتسام بركات

القاصّة والروائيّة الفلسطينيّة الأمريكيّة ابتسام بركات، المقيمة في مدينة نيويورك، والحاصلة حديثًا على "جائزة الشيخ زايد للكتاب" لعام 2020 عن فئة "أدب الطفل والناشئة"، عن قصّتها "الفتاة الليلكيّة"، بادرت بإطلاق مجموعة من قصصها، ومنها القصّة الفائزة، على صفحتها في فيسبوك، وعلى منصّة يوتيوب، تحت شعار "ابقوا في المنزل - ابقوا في الدار الصغيرة والدار الأكبر منها ’فلسطين الحبيبة‘".

بركات قالت لفُسْحَة عن الجائحة وحضور أدب الطفل في ظلّها: "في ظلّ الوضع الراهن، أحبّ أن أعلِم الطفل أنّ الوقت هو أهمّ ثروة إنسانيّة، وهو حقل بالإمكان هدره أو استثماره بما يفيدنا، الوقت وطن، وكذلك خيال وعالم يمرّ سريعًا، نذهب معه أو نتركه يذهب، وهو منجم الثروة في الحياة، وأن يملك الإنسان وقته هذا حرّيّة كبيرة"، وأردفت: "الواضح أنّ الجائحة غيّرت علاقتنا بالزمان وبالمكان أيضًا؛ فالمدرسة بالنسبة إلى الطفل صارت المنزل والمنزل صار المدرسة؛ لذا أحببت أن أشارك الطفل الفلسطينيّ والعربيّ قصّة ‘الفتاة الليلكيّة‘، لأنّ الكتاب فاز بجائزة عربيّة مهمّة لأهمّيّة مضمونها، ولأنّ الطفل الفلسطينيّ بخاصّة بحاجة ماسّة إلى القصص الّتي تعبّر عنه هو تحديدًا، وتقول له إنّه موجود وإنّه أهل لأن يكون بطلًا في قصّة مكتوبة عنه وله، مثل قصّة ‘علاء الدين‘ أو ‘سندباد‘؛ إنّ القصص وقود الفكر والحياة والتطوّر للطفل والإنسان، وكلّما كانت القصّة أفضل غذّت الفكر والخيال والعلم أكثر، وإذا كانت ممتعة فستشجّع الطفل على المغامرة في قراءة كتب جديدة، والإبحار نحو أمكنة أعمق وأثرى، إنّها مثل طعام يحبّه، لكنّه طعام من نوع آخر".

تضيف صاحبة "تذوّق طعم السماء، طفولة فلسطينيّة"، المولودة في بلدة بيت حنينا شمال مدينة القدس، قائلة إنّ "هذا الوقت ‘الجائح‘ يعطي فرصة القراءة الحقيقيّة؛ ذلك أنّ القراءة لا تنتهي بإنهاء النصّ المكتوب أو المسموع، إنّها رحلة للتأمّل والتفكير، من أجل امتلاك العمل والبناء عليه. والوقت الآن متوفّر؛ لهذا بالإمكان القيام بقراءة ‘مدلّلة‘ وليست سريعة، والدخول إلى عالم القصّة بهدوء، وجعلها ‘مشوارًا‘ ممتعًا. أعتقد أنّ تقديم أعمال فنّيّة عالية المستوى للطفل الآن، بمنزلة القول له عمليًّا: أنا أحبّك وأهتمّ بك، وأقدّم لك هذه الهديّة، آمل أن تحبّها وأن تحبّ الحياة أكثر بسببها، وأن تتعلّم كيف تستغلّ وقتك مهما جرى؛ فإنّ الوقت هو الحياة".

 

لا وحشة في تونس

محمّد بكري

الممثّل والمخرج السينمائيّ محمّد بكري، عاد قبل أيّام من تونس إلى قريته الفلسطينيّة البعنة، وذلك بعد مكوثه  هناك خمسة شهور، للمشاركة في بطولة فيلم سوريّ للمخرج ثائر موسى، وقد تقطّعت به السبل بسبب تقييد حرّيّة التنقّل في ظلّ جائحة كورونا؛ ليبقى في الحجر الصحّيّ في بيت صديق تونسيّ على شواطئ قرطاج.

يقول بكري: "في شهر نيسان (أبريل) سنة 2002، عندما كان أبو عمّار محاصرًا في المقاطعة، وشارون يتلذّذ بحصاره واحتلال الضفّة من جديد، دخلت مخيّم جنين، وخرجت مع فيلم ‘جنين جنين‘، الّذي أقام إسرائيل ولم يُقعدها حتّى الآن؛ فقد كانت آخر جلسة في محاكمتي الّتي لا تنتهي في 6 شباط (فبراير) الماضي، وفي نفس اليوم أبى حفيدي صفا، ابن نجلي البكر صالح، إلّا أن يخرج إلى النور؛ ربّما ليقف بجانبي ضدّ محاكمة العتاة والمعتوهين. وُلِدَ صفا قبل شهر من موعد ولادته ليكون معي، وفي 9 شباط (فبراير) وصلت إلى تونس الحبيبة، ذلك الرحم الدافئ الّذي حضن أهلي بعد اجتياح بيروت، على يدَي نفس المعتوه شارون، عندما وصلوا بالسفن إلى ضاحية حمام الشطّ، جنوبيّ العاصمة تونس".

يتابع صاحب فيلم "زهرة" حديثه إلى فُسْحَة، قائلًا: "أتيت إلى تونس لتصوير فيلم سوريّ، للكاتب والمخرج الصديق ثائر موسى، وأنهينا التصوير مع الكمّامات؛ إذ اجتاحتنا الكورونا في الأسبوع الأخير من التصوير، ومنذ ذلك الحين، أنا وثائر موسى محجوران في بيت صديق في ضاحية حلق الوادي، وهي ضاحية آمنة، ولا أشعر فيها بأنّني مأزوم، رغم اشتياقي إلى زوجتي وأبنائي وبناتي وأحفادي وآخرهم صفا. وهكذا مرّت الأيّام والشهور وأنا في تونس أقرأ لمحمود درويش، وأسجّل بعض أشعاره صوتًا وصورة، وأسجّل يوميّاتي مصوّرة، وأطبخ وأتحدّث مع أفراد العائلة عبر واتساب، منتظرًا العودة من وطني الثاني تونس إلى وطني الأوّل وبيتي وأحبّتي؛ لأسلّم عليهم كما لم أسلّم من قبل في حياتي".

 

"حكاياتي طوق نجاتي"

دنيس أسعد

دنيس أسعد، الحكواتيّة وباحثة أدب أطفال، الّتي تعيش في حيفا، قالت لنا من مقرّ إقامتها في باريس قبل عودتها إلى فلسطين: "بدأت إجازتي القسريّة منذ التاسع من آذار (مارس) الماضي، وذلك بعد إعلان وزارة الصحّة الفرنسيّة بمنع التجمّعات لأكثر من 50 شخصًا؛ إذ أُعلِمت بإلغاء أوّل عرض من العروض العشرة الّتي جرى تحديدها منذ منتصف آذار (مارس) الماضي"، مضيفة: "وجدت نفسي بلا جمهور من الصغار والكبار يسمع حكاياتي؛ وهذا ما أزعجني أكثر من الخسارة المادّيّة، وأنا أعمل مستقلّة، ولأنّ الحكواتيّ بغير ناس يصعب أن يكمل المشوار".

تتابع أسعد حديثها قائلة: "قبل زمن كورونا، كنت وصلت إلى قرار بأن أحافظ على حكاياتي من بعض الّذين يدّعون احتراف فنّ الحكي، وينسبون إلى أنفسهم حكاياتي الّتي عملت لأكثر من عقدين على جمعها وإعدادها. ومع بداية الحجْر، وقبل أن تجرّني الكآبة إلى اليأس والإحباط، وصلت إلى قناعة بأنّ عليّ أن أنشر حكاياتي وأنثرها في قلوب المستمعين، من خلال التسجيل المباشر عبر حسابي في فيسبوك، والصفحة العامّة ‘الحكواتيّة دنيس أسعد‘، لتصل إلى أكبر عدد من الجمهور والمهتمّين من حكواتيّين ومربّين وأهل، وبما أنّنا كنّا في بداية الربيع، ومنزلي يقع على رابية كرمليّة مقابل البحر؛ فكنت أتجوّل يوميًّا في جولة أصوّر فيها جمال ربيع بلادنا، وأحكي حكاياتي، فأضاف هذا الكثير إليّ شخصيًّا وإلى متابعي حكاياتي، والمقيمين أغلبهم خارج الوطن، ولا تسنح لهم الفرصة رؤية معالمه المميّزة".

أسعد، الّتي تمتهن فنّ الحكاية منذ سنوات طويلة، أضافت: "عند بداية شهر رمضان الكريم، تعهّدت بأن أشارك في كلّ يوم منه حكاية أو قصّة واقعيّة، وهذا ما قمت به يوميًّا بكلّ شغف وسرور. هذا الأمر شجّع الكثير ممّن أعرفهم حول العالم، على دعوتي للمشاركة في عروض حكايات بثّ مباشر، عبر وسائل التواصل عن بُعْد، وكنت محظوظة بذلك لأنّي حافظت من خلال مشاركاتي شبه اليوميّة على سلامة صحّتي النفسيّة، في هذا ‘الزمن الكورونيّ‘ الأغبر. إنّ حكاياتي أثبتت لي مجدّدًا أنّها طوق نجاتي".

 

دمًى كورونيّة

فداء اللدّاوي

في شهر رمضان، وعلى مدى 18 عامًا، ظلّ الحكواتيّ وصانع الدمى الغزّيّ فداء اللدّاوي، يجمع الأطفال في أزقّة مخيّم النصيرات في قطاع غزّة المحاصر، لتسليتهم بالقصص والأغاني، غير أنّ تفشّي جائحة كورونا في أصقاع المعمورة، وما أعقبه من إجراءات الحجْر الصحّيّ، منعت اللدّاوي من جلسات الحكي الممتعة الّتي أعتاد أن تكون في الهواء الطلق؛ وهذا ما دفعه إلى سرد قصصه عبر شبكة الإنترنيت، ضمن مبادرة ‘جمعة فرح‘، التابعة لـ ‘مركز فلسطين الصدمة - بريطانيا‘".

يقول اللدّاوي عن تجربته خلال رمضان الماضي: "بعد تفشّي كورونا في العالم، وبعد قرار منظّمة الصحّة العالميّة الالتزام بالمنازل، وجدت أنّ لديّ وقت فراغ كبيرًا؛ فقلت لماذا لا أقوم بصناعة الدمى وأصنع مجسّمًا للفايروس القاتل. وفعلًا أنجزته بسرعة ونشرته على صفحتي الخاصّة، واشتراه فريق ‘النمر الورديّ‘، الّذي استخدمه لتوعية الأطفال والمجتمع من خطورة هذا الفايروس، وصنعت دمية أخرى لكورونا، وحضرتني فكرة العودة إلى شخصيّة الحكواتي؛ فبدأت بعمل فيديوهات لسرد قصص عن خطورة هذا الفايروس، ونشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ. وقبل بداية شهر رمضان الماضي، صنعت دمية ‘الحاجّ مرزوق‘، وأعددت للأطفال نشاط ‘مسحّراتي رمضان‘ ضمن مبادرة ‘جمعة فرح‘، واخترت كلمات تلائم الواقع الّذي نعيشه، مثلًا:

اصحَ يا نايم وحّد الدايم، وخلّيك بالبيت

اصحَ يا نايم وخلّي بالك من كورونا، وغسّل إيديك وعقّمهم منيح

اصحَ يا نايم وحّد الدايم، والسلام بالعين مش بالإيد

اصحَ يا نايم وحّد الدايم، الكورونا مرض خطير

اصحَ يا نايم وحّد الدايم، وما تطلع إلّا للضرورة، وخذ بالك وعقّم إيديك منيح

اصحَ يا نايم وحّد الدايم، لمّا تطلع ولمّا ترجع غسّل إيديك بالمَيّ والصابون

اصحَ يا أبو العيال وصحّي العيال وأمّ العيال صحّيها

محبّة محبّة وإيد بإيد بنبنيها، طبيب وشرطي والشعب معكم، والكورونا نقضي عليها".

 

 

أوس يعقوب

 

صحافيّ وباحث فلسطينيّ من مواليد دمشق، يتخصّص في الشؤون الفلسطينيّة والصهيونيّة. درس الصحافة وعلوم الأخبار في جامعة تونس، ويعمل مراسلًا صحافيًّا ومحرّرًا في عدد من المنابر العربيّة منذ عام 1993. له عدّة إصدارات، من ضمنها دراسات منشورة في 'أعلام العلماء والأدباء العرب والمسلمين' الصادرة عن المنظّمة العربيّة للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو).