إلى سلمان

سلمان ناطور (1949 - 2016)

.

 

النّقطة الّتي وضعتُها في رأس هذه الصّفحة كافيةٌ جدًّا.

 

اليد توقّفت عن رقصتها الصّوفيّة الأزليّة في غلّاية القهوة.

 

الوجه الأوّل الّذي يستقبلك عبر الباب المفتوح، هنا، في هذا المكان، سراب.

 

المرويّات عمّا كان، ما هو اليوم، ما سيكون؛ فاتنا أن ندوّنها لأنّها أجمل من أن ننشغل عنها بأيّ شيءٍ آخر.

 

المساحات انسحب منها حضورٌ مصرٌّ على الحضور نحو عتمةٍ لست أعرفها.

 

هدوء الصّوت، عمقه، لم يعد يتسرّب عبر السّمّاعة ليقول دفئًا في لحظة بردٍ شديدٍ تصيبني، متى اشتدّت السّياط.

 

البريد لم يعد يأتي بنصوصٍ عن رحلةٍ طويلةٍ ومضنيةٍ من أجل غرس وردةٍ في يباس العالم.

 

خلافات العمل لم تعد دروسًا نتعلّم منها ما يجب أن نكون.

 

الإرهاق الواضح في الملامح رغم كلّ حيل إخفائه، لم يعد سببًا للسّؤال عن الحال.

 

عتاب النّظرات العميق الحنون تشوّش.

 

نشوة تلقّي نصٍّ جديدٍ يعجبك، ضباب.

 

الصّمت الطّويل صار صمتًا حقيقيًّا، يُلمس، يُشمّ، يُرى...

 

كنت أتحسّسه مكتشفًا ملامحه في ترنيمات الشّيخ فوق صندوقك الأبيض الممدّد على طاولةٍ في قريةٍ جبليّةٍ لم تتصالح معها كثيرًا، لكنّك أحببتها أكثر منك، فخضعت لحبّك:

 

'معكم جنازة رجلٍ مؤمنٍ،

أديبٍ شاعرٍ،

مفكّرٍ شجاعٍ من أهل التّوحيد والإيمان،

والحقيقة والبرهان،

تغمّده الله بالرّحمة والرّضوان،

وأسكنه فسيح الجنان.

إنّه رؤوفٌ منّان،

متطاولٌ ’بالمانّة‘ والإحسان،

الصّلاة على هذه الجنازة الحاضرة أثابكم الله، وسبحان الدّائم الباقي الحيّ الّذي لا يموت.

اللّهمّ صلّ وسلّم،

وزد وجُد وامْنُن وأنعم،

وبارك بجلالك وجمالك على أشرف الأمم،

سيّد العرب والعجم،

وإمام مكّة وزمزم والمدينة والحرم.

من أطاعه السّيف والقلم،

مليح الشّيم،

معدن البيض والجود والحكم.'

 

اليد

الوجه الأوّل

المرويّات

المساحات

هدوء الصّوت

البريد

خلافات العمل

الإرهاق

العتاب

النّشوة

الصّمت

ترنيمات الشّيخ

صندوقك الأبيض

 

نحن

أنت

أنا

 

النّقطة الّتي وضعتها في رأس الصّفحة كافيةٌ جدًّا لتقول كلّ شيء

كلّ شيء

 

 

علي مواسي

 

من مواليد باقة الغربيّة في فلسطين. شاعر ومدرّس للّغة العربيّة وآدابها، ومحرّر لمجلّة فُسْحَة – ثقافيّة فلسطينيّة ومقرّها حيفا. حاصل على منحة 'هيليكون' للشّعر المعاصر، وخرّيج مشروع 'متان' للكتابة الإبداعيّة الشّابّة، ومشروع 'بيت الشّعر' في القدس للكتابة الإبداعيّة.

حصل على المركز الأوّل في جائزة الجامعة الأردنيّة للشّعر – كلّيّة الآداب، وكذلك على المركز الأوّل في فنّ الإلقاء الشّعريّ، بإشراف كلّيّتي الآداب والفنون في الجامعة الأردنيّة. له مجموعة شعريّة، 'لولا أنّ التفّاحة'، صادرة عن الدار الأهليّة للنشر والتوزيع.