جنازة لاعب خفّة: نصوص من المجموعة الفائزة بجائزة القطّان

للفنّان جون أولسين أوب

"جنازة لا عب خفّة"، عنوان المجموعة الشعريّة للغزّيّ أنيس غنيمة، الحاصلة على المركز الأوّل في مسابقة الكاتب الشابّ - حقل الشعر، لعام 2017، من مؤسّسة عبد المحسن القطّان، التي أُعلنت نتائجها أمس الإثنين، في متحف محمود درويش برام الله.

وقد جاء في بيان لجنة التحكيم حول المجموعة، أنّها "تقدّم خطابًا شعريًّا ناضجًا ومتمكّنًا، واستعارات وصورًا مدهشة، وزخمًا شعريًّا يتدفّق في نصوص منسابة عن القسوة والحزن، عبر شعريّة تتميّز بالذاتيّة والتجريب والإبداع، وحزن ذاتيّ مبرّر يمتلك الكفاءة لفتح كوّة على ما هو إنسانيّ وعامّ. ويبشّر هذا الشعر الطازج بصوت شعريّ مميّز، وله موقع محدّد من العالم".

وأضافت: "عالم القصائد ليس واسعًا، لكنّه عميق وحادّ ومؤثّر. لعلّ أجمل ما في هذه المجموعة طريقة تناولها لكلّ ما يتقاطع معها، مهما كان بسيطًا، أو عابرًا، وأنّ هناك ذاكرة للقصائد تستطيع أن تشير إلى التاريخ الجمعيّ، ولكن دون أن تتحدّث باسمه، وأنّ لكلّ قصيدة في هذه المجموعة شخصيّتها وبناؤها الذي يخصّها".

تنشر فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة مجموعة من نصوص مجموعة "جنازة لاعب خفّة"، بإذن من صاحبها.

 

أشياء قليلة عنها

 

لكِ ضحكة أرجوحة يغنّي فوقها طفل.


*

أنتِ ضحكة أولئك الذين

لفرط جوعهم لكِ

يأكلون الحزن.


*

كلّ هؤلاء الأطفال

في ضحكتكِ،

تحت شالكِ

ثمّة أغانٍ لهم

ملامح فرقة كاملة

في عينيكِ،

تؤدّي بنَفَسِ إله.

*

أرمي إبرة في قلبي،

وحده اسمكِ – يتردّد.

*

اسمكِ

من مليون قصيدة،

نحولكِ، ليس ضعفًا في النصّ.

*

أغنية طويلة على حبل غسيل

أَقْصَرُ فساتينك.

*

شَعركِ..

شَعركِ المقدّس

وهو يرتلّ

سورة الشِعرِ،

منسابًا

في عتمة واضحة،

كما نهر

حبّ

يعبر قلب شاعر.

*

جمدت البحيرة

ما من ملح هنالك الآن

جمالكِ يتفتّح

كزهرة في حائط مشقوق

وقلبي أراه كباب مشرع.

*

أكتب عنكِ

من فوق شجرة

أنا أقلّ شأنًا

من عصفور لا يجد مكانًا.

*

تفتحين النافذة

للزهرة التي بلا ملامح

وتأخذين الحديقة في عينيكِ.

أينما ذهبتِ

فإنّ غابة على الأقلّ

تتبعكِ، وكلّما أدرتِ وجهكِ

وردة تنمو

في الطين اليابس.

 

 

بما أحمله ويحملني

 

أجراس آثامي تدقّها يد الليل القدّوس

وتجرّني ترتيلة السأم والغبار،

آهٍ، أيّها المجد الطالع

يا سفينة الصحراء في نهر آسن

يا خشب المسرّة بأسره،

ويا مزامير وجودي في كلّ حين

هأنذا بما أحمله ويحملني،

مولود في الذي وُلد لي

 

 

عبادة الوردة

 

طوال حياتي بلا أحد،

أحفر بالطوب وجنتيّ

اللتين مثل قبر منبوش

أرسم بيتي قبالة نهر

بلا ماء...

لأعطش لكَ أيّها العالم البغيض

أيّها الأصدقاء البعيدون والتائهون

أيّتها الربّات

يا صفوة ما في العدم.

أعبد وردة

وأقدّس عيني البلاستيك

لا أُعْجِبُ أحدًا –

كلّ قطار يمضي

أصفّق له بيدين من فولاذ

مرتاحًا على سكّة لا تقود لشيء.

 

 

مسرّة الرجل الغريب

 

أتطلّع الى ميتة مزهرة

تقليد نومة الزهرة التي بلا اسم

لا شيء، كلّ ما أرغب بتركه

لكم، أنتم أيّها الأصدقاء والأخوة،

وبحمّى من يتبع ذاكرته

أتطلّع سريعًا إلى أن أنسى

يسرّني أن أضحّي بحياتي

لأجل لا شيء

أقول لكم أنتم:

يسرّني أن أمنح ما لديّ

للمجهولِ الذي ينتظر

إنّني أعيش مثل منبوذ معي

ومثل خردة مع الآخرين

كلّ ما قلته

محته صرخة امرأة واحدة

وهي تلد شاعرًا،

كلّ ما يودّ قوله الآن

لا يودّ قوله أبدًا...

 

 

لا فرق، كن كما شئت

 

إنّها الواحدة والنصف

ليلًا...

ما زلتُ سعيدًا

عشتُ يومًا عاديًّا

استيقظتُ وحيدًا جدًّا وسأنام وحيدًا كذلك

مرتاح البال

وبلا عناق،

أقول للعالم:

لا فرق، كن كما شئت.

*

أصحو مع العصافير

وأنام مع الكلاب

أربّي قطّ شوارع أجرب

وغزلانًا متطوّعة لقصائد لا تركض

لديّ ملامح أجنبيّ أو غريب في منفى

وأحتفظ بعلامة متشرّد على جبيني

أبدو كغول عندما أضحك

كدودة عندما أبكي

يعرفني الباعة الجوّالون وعمّال النظافة

ثيابي متّسخة وجيوبي مثقوبة

في رأسي سوق خضار ومشترون

وفي قلبي فواكه بالمجّان.

*

ليس هنالك من مكان

كلّ الخرائط لا تصلح

بيتي مشيّد بآثام امرأة تركتها

فيه أغنّي وحدي

وأنام وحدي

لا أحلم بأحد، لا أتذكّر أحدًا...

لو يتنبّأ بي

بستانيّ أعور

لو يراني بعينه المطفأة فقط...

أحلم لو أكون الشجرة التي أصعدها

في الطفولة

وأن تكون لي مليون ذراع

ألعب بها بالدسائس

مع هذه الثعابين

أن تحتفي بي حشرة منقرضة

وأن تنتهي سلالتي...

قبل أن تبدأ.

 

أنيس غنيمة

 

مواليد مدينة غزّة، شاعر ومحرّر ومبرمج ويب. مدير تحرير لموقع إلكترونيّ يعمل على دعم المحتوى العربيّ على شبكة الإنترنت (دارج. نت). عضو التجمّع الشبابيّ من أجل المعرفة "يوتوبيا". حاصل على جائزة الكاتب الشابّ في مجال الشعر – المركز الأوّل (2017)، التي تمنحها مؤسّسة عبد المحسن القطّان.