بيتر بالاكيان: ثلاث قصائد مترجمة

بيتر بالاكيان

.

بيتر بالاكيان، كاتب أرمنيّ – أمريكيّ، فائز بـ "جائزة بوليتزر" (2016)، الّتي تُعَدّ إحدى أكثر الجوائز المعتبرة في الأدب، وقد نالها عن مجموعته الشعريّة "جورنال أوزون"، الّتي تشهد على الخسائر والمآسي القديمة الّتي تعرّض لها الشعب الأرمنيّ، وأزمة اليقين المفقود والفوضى الدامية في العالم.

تنشر فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة، ثلاث قصائد مترجمة من المجموعة.

 

(1)

حيث يأتي النحل في النهار

 

ينبعث هواء الليل

كالبخار،

من القدور الطينيّة،

 

ولا ترى شيئًا

لا تسمع صوتًا

ولا تبصر أيّ ضوء،

 

فقط أنت

تبدأ من جديد

في منتصف العمر،

كما يخدّرك القنفذُ البحريّ

ويجمّد أجفانك.

 

ترى النافذة الّتي بنيتها

حيث وضعت يديك

وكسرت جرّتك الفيروزيّة.

 

والأحجار الصفراء المشوّهة

حيث أحرق البخار

أشياء تعود إلى شهوتك الخاصّة،

وشوقك الشاحب للريح.

 

هناك، حيث سال دم القرنفل

وما زالت حياتك

تنبعثُ وتنزلق كالبخار،

 

تشعر بطرف المحراث الضائع

في الجبال

يناديك باستمرار!

 

 

(2)

هنا والآن

 

يأتي النهار كأشرطة صفراء شفّافة فوق الأشجار.

 

عندما أقول لكِ إنّ الضوء قصيدة

فأنا أكلّمك وحدك،

والسماء تسمع.

مثلي هي مفعمة بالأمل،

إذ أمشي خلال بذور الرمّان

في الريح المتلاطمة على أسوار البحر.

 

إن كنت تريدين قصيدةً تقوى على كلّ شيء،

فجرّبي المشي في أشجار الميس.

بخطًى متمهّلة.

ثمّ اخرجي نحو السور البحريّ.

 

ليس بعيدًا عن الغرفة

الّتي كان بها فان جوخ مريضًا،

رأسه على وسادة،

مصغيًا إلى ريح الشمال تترنّح،

والوحوش

تدفع غطاء تابوته الحجريّ

وتغادر.

 

هنا والآن،

بخار الحمّام الساخن يقبّل فَكّي،

الحمائم المتلاشية في الزرقة

تعانقني،

لوهلة قصيرة،

قبل أن تكسر العاصفة الفروعَ

وترميها في النهر!

 

أيّ أسئلة يمكنني طرحها؟

كيف ستجيب السماءُ الريح؟

الفجر لا يفطر القلوب.

العالم ليس مليئًا بالحبّ!



(3)

نشيد إلى دودوك*

 

ليست الريح ما أسمعُ

بينما أقود سيّارتي جنوبًا

عبر جبال "كاتسكيلز"*

بل مجرّد أخبار سيّئة من الراديو!

 

عاصفة البَرَد القاتمة

تنقشع فجأةً،

وهناك - في الأعلى -

أرى أرخبيلًا من الزرازير

يتشكّل في ذيل الغيوم!

 

لكن كيف تأتي الرياح

من خلالك أيّها القصب المزدوجُ

في جوفٍ بدائيّ؟

 

فحتّى عندما تجيء الأخبار السيّئة

في تقارير المساء،

يمكنني أن أضغط على زرٍّ في لوحة القيادة

وسماع أنفاسكَ تنفجر،

بذات الطريقة الّتي تهبّ بها الرياح

من شقوق النوافذ المهشّمة

في كنائس "ديليجان"!*

 

وذات الطريقة الّتي تثيرُ بها

الطرق المغبرّةُ الصخبَ

ثمّ تحشو به

رأسي الفارغ

كما لو أنّه مشمش خشبيّ خشن!

 

خليط

من حفيف الإطارات

على الأسفلت الرطب،

والخيوط البيضاء المتقطّعة

يجعل هذا المساء

غريبَ أطوار

ومثاليًّا للجنون!

 

ياه، كم يبدو فاتنًا

ذلك اللحن الأجشّ

لكلّ شجرة ريّانة

لمّا تطلقه عبر القصب

المنحوت داخلك!

يتدفّق

من فوق أجنحة الزرازير

إذ تعلو وتنخفض

بين جبال زجاجيّة

في مواجهة الشمس!

 

أخيرًا،

نستطيع سماع الأخبار السيّئة

وهي تقبّل الرياحَ

في صوتٍ

أقرب إلى الترتيل!

..........

* دودوك: اسم يطلق على المزمار الأرمنيّ، وهو عبارة عن آلة موسيقيّة نافخة مزدوجة اللسان تتميّز بنغمتها الدافئة والناعمة والخيشوميّة قليلًا، وتنتمي إلى فئة الأصوات الهوائيّة.

* كاتسكيلز: جبال تقع شرق نيويورك.

* ديليجان: مدينة في أرمينيا.

 

 

عمر زيادة

 

شاعر ومترجم من نابلس. حاصل على درجتي البكالوريوس والماجستير في اللغويّات التطبيقيّة والترجمة من جامعة النجاح الوطنيّة. يعمل مترجمًا في اتّحاد الكتّاب الفلسطينيّ. له مجموعة شعريّة بعنوان 'كلاب عمياء في نزهة' (2017)، صادرة عن الدار الأهليّة للنشر والتوزيع، بتوصية من لجنة تحكيم 'جائزة الكاتب الشابّ' لعام 2015، التابعة لمؤسّسة عبد المحسن القطّان.