"نوبل للآداب" 2019: فائزان اثنان، على أمل تجاوز الفضيحة

ميداليّة جائزة نوبل

خاصّ فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة

يوم الخميس القادم، لن تعلن الأكاديميّة السويديّة فائزًا واحدًا لـ "جائزة نوبل للآداب"، بل فائزَين اثنين، وبإعلان الأكاديميّة السويديّة هذا الأسبوع فائزَين، وهو الفائز في هذا العام، والفائز في العام الماضي الّذي لم يُعلَن نتيجة للفضيحة الجنسيّة الكبيرة الّتي عصفت بالأكاديميّة، يأمل القائمون على الجائزة أن يتجاوز الحدث الفضيحة الكبيرة إلى ما كانت عليه قبلها.

لقد أُجِّلت "جائزة نوبل في الأدب" العام الماضي، بعد فضيحة الاعتداء الجنسيّ وسوء السلوك الماليّ حسب بيانات رسميّة؛ وهو ما أدّى إلى سلسلة من الاستقالات في الأكاديميّة السويديّة الّتي تُدير الجائزة. أُدين جان كلود أرنو بحادثة الاعتداء الجنسيّ، وحُكِم بالسجن عامين؛ الأمر الّذي دفع زوجته كاتارينا فروستنسون، عضو الأكاديميّة، إلى الاستقالة، في كانون الثاني (يناير) من العام نفسه.

لقد أُجِّلت "جائزة نوبل في الأدب" العام الماضي، بعد فضيحة الاعتداء الجنسيّ وسوء السلوك الماليّ حسب بيانات رسميّة؛ وهو ما أدّى إلى سلسلة من الاستقالات في الأكاديميّة السويديّة الّتي تُدير الجائزة

من جهته، يثق رئيس لجنة الجائزة بأنّ الجائزة يمكن أن تعود، من خلال تجنّب المنظور "الموجَّه نحو الذكور"، و"مركزيّة أوروبّا" الّتي هيمنت على الحكم في الماضي؛ وهذا قد يضيّق من مؤشّرات حول المحتملين للفوز بالجائزة.

ومع إعلان جوائز كلٍّ من عامَي 2018 و2019 يوم الخميس القادم، تأمل الأكاديميّة أن تحظى بقبول أكبر من المجتمع الأدبيّ العالميّ؛ إذ تبلغ قيمة الجائزة المقدّمة نحو 9 ملايين كرونا سويديّة (740 ألف جنيه إسترلينيّ)، وينال الجائزة الكاتب ذو "العمل الأكثر تميّزًا في اتّجاه مثاليّ"، على حدّ تعبير مؤسّس الجائزة ألفريد نوبل ورؤيته.

ونظرًا إلى المعايير المنشورة الّتي قدّمتها الأكاديميّة هذا العام؛ فإنّ الروائيّة الروسيّة ليودميلا أوليتسكايا، وروائيّة غواديلوب ماريز كوندي (حائزة نوبل البديلة للعام الماضي)، والكنديّة مارغريت أتوود، إضافة إلى الروائيّ الهنغاريّ لازلو كراسناهوركاي، والروائيّ الإسبانيّ خافيير مارييس، وكذلك الأرجنتينيّان كارلوس هان وسيزار إيرا، والكاتب البولنديّ أولغا توكاركزوك، والصينيّ ما جيان، والجنوب أفريقيّ أنتيجي كروغ، فضلًا عن المرشّحَين الدائمَين هاروكي موراكامي ونغوجي ثيونجو، هؤلاء هم الأقرب - على ما يبدو - خاصّةً بعد أن كشف أندرس أولسون، رئيس لجنة "جائزة نوبل في الأدب"، عن معايير جديدة لهذا العام.

"سيستغرق الأمر بعض الوقت لاستعادة الثقة والاحترام. العلاج التامّ لمّا يحدث بعد. ما زال البطاركة الّذين لا يمكن المساس بهم يحكمون، لكنّنا نأمل أن يتعلّموا شيئًا بعد الفوضى الّتي تسبّبوا فيها..."

وبالنظر إلى أنّ الفائزَين الأخيرَين، كازو إيشيغيرو وبوب ديلان، كلاهما يكتبان باللغة الإنجليزيّة، و14 فقط من بين الـ 114  الحائزين نوبل في الأدب من النساء، أقرّ أولسون هذا الأسبوع بضرورة قيام هيئة المحلّفين "بتوسيع المنظور قليلًا"، وبالتالي تبدو النساء أكثر ترشيحًا لنيل الجائزة المرموقة.

وأضاف: "لقد كان لدينا منظور أكثر شموليّة حول الأدب، ونحن الآن نبحث في جميع أنحاء العالم، في السابق كنّا أكثر توجّهًا نحو الذكور. الآن، لدينا الكثير من الكاتبات اللواتي يُعتبرن رائعات حقًّا؛ لذلك نأمل أن تكون الجائزة بعمليّة أكثر كثافة وأوسع نطاقًا من ذي قبل".

إلى جانب ذلك كلّه، فقد وافقت الأكاديميّة السويديّة أيضًا على نظام مؤقّت، يكون بموجبه إضافة خمسة أعضاء مستقلّين لا يمثّلون الأكاديميّة إلى لجنة نوبل، الّتي تضمّ عادة 18 عضوًا. وقالت "مؤسّسة نوبل" إنّ الخطّة تتطلّب من اللجنة الجديدة تقديم اقتراح مشترك للحائز المحتمَل لـ "جائزة نوبل" في نهاية المطاف، في ترتيب سيُنفَّذ على مدى السنوات القليلة المقبلة.

النظرة العامّة في مجتمع نوبل لهذا العام، تُشير إلى أنّ هذه العودة ليست سوى مجرّد بداية لعمليّة إعادة بناء بطيئة؛ لأنّ الأكاديميّة السويديّة، حسب تعبيرهم، "فقدت الكثير؛ ليس فقط بسبب اتّهامات التحرّش والتمييز الجنسيّ، والمتّهم الّذي انتهى به المطاف إلى السجن بتهمة الاغتصاب، بل أيضًا في كيفيّة معالجة الأمور مع أعضائهم". "سيستغرق الأمر بعض الوقت لاستعادة الثقة والاحترام. العلاج التامّ لمّا يحدث بعد. ما زال البطاركة الّذين لا يمكن المساس بهم يحكمون، لكنّنا نأمل أن يتعلّموا شيئًا بعد الفوضى الّتي تسبّبوا فيها. لقد كانت كارثة من صنع الإنسان، كارثة عاقبت الأدب نفسه".

تستقرّ الجائزة في حضن كاتب معيّن، على مشروع أدبيّ راسخ، له هويّة محدّدة، وإسهام واضح في الفكر الإنسانيّ

والجائزة تُعلَن كلّ عام، بُعَيد ترشيح أكثر من 350 اسمًا، وتفحص لجنة متخصّصة هذه المقترحات، ويجري التصويت على قائمة قصيرة سرّيّة، في عمل يُحاط بسرّيّة كاملة، لا يقوم على فحص كتاب واحد، بل تُمنح الجائزة لكاتب على مجموعة من أعماله.

منذ أكثر من عشر سنوات، ثمّة أسماء أدبيّة وازنة تتردّد كلّ عام، منها مَنْ فاز فعلًا، مثل كاتبة القصّة الكنديّة أليس مونرو، الّتي وُصفت بأنّها "سيّدة فنّ الأقصوصة الأدبيّ المعاصر"، إضافة إلى الشاعر السويديّ توماس ترانسترومر الّذي حازها؛ لأنّ شعره يُعَدّ مدخلًا جديدًا للواقع، من خلال صوره المكثَّفة الشفّافة، ولأنّ دواوينه اتّسمت بالوضوح والاستعارات المعبّرة. وثمّة أسماء تُذكَر كلّ عام لكنّها لا تفوز، مثل السوريّ أدونيس، والأمريكيَّين فيليب روث وتوماس بينشون، والإنجليزيَّين ماك إيوان ونيل جيمان، وغيرهم.

لا علاقة للجائزة بمعدّلات القراءة ونسب البيع، ولا بكُتب بعينها؛ فالجائزة تذهب إلى أسماء غير معروفة، أو إلى أسماء لم يتداولها الإعلام كثيرًا. عادةً، تستقرّ الجائزة في حضن كاتب معيّن، على مشروع أدبيّ راسخ، له هويّة محدّدة، وإسهام واضح في الفكر الإنسانيّ. الفرنسيّ باتريك موديانو مثلًا، حاز الجائزة لتمكّنه من إتقان فنّ أدب الذاكرة ومعالجة المصائر البشريّة في أبرز أعماله، أمّا سفيتلانا أليكسيفيتش فحازتها لتعدُّد الأصوات الإنسانيّة في أعمالها، أو ما أُطلق عليها آنذاك "الرواية الملحميّة". بابلو نيرودا حازها لسبب سياسيّ؛ لأنّ أدبه اعتُبر أدبًا في مواجهة الأنظمة الشموليّة.

ننتظر يوم الخميس، ونرى.

 

 

أمير داود

 

 

كاتب وباحث في الشأن الثقافيّ من فلسطين. يكتب في منابر عربيّة وفلسطينيّة، صدرت له مجموعة نصوص سيريّة بعنوان "صديق نقطة الصفر".