فوز بيتر هاندكه... فضيحة جديدة لـ "نوبل"؟

الأديب النمساويّ بيتر هاندكه

 

كثرت الترشيحات في الأيّام القليلة الماضية، وازداد عدد المُتراهَن عليهم أو عليهنّ للفوز بجائزة "نوبل" للآداب 2019. وهذا أمر من المتوقّع أن يحدث، نظرًا إلى أنّ هذا العام يشهد منح جائزتين على غير العادة، إضافة إلى ما قاله أندرياس أولسون، رئيس لجنة جائزة "نوبل" للآداب في "الأكاديميّة السويديّة": "إنّ الجائزة ستكون أكثر تنوّعًا، وتراعي التوازن بين الجنسين، وتتجنّب مركزيّة أوروبّا الّتي هيمنت سابقًا"؛ وهذا بالطبع فتح المجال لطرح أسماء جديدة، وغير متداولة بين النقّاد أو القرّاء أو المهتمّين من قبل.

وبعد عامين وخمسة أيّام من الانتظار بعد حادثة الحجب، يخرج السيّد ماتس مالم، عضو "الأكاديميّة السويديّة"، بالطريقة المعتادة لمنح الجائزة، فيفتح الباب الأبيض المخطّط باللون الذهبيّ، ويُدلي بإعلان الفائزَين رقم 115 ورقم 116 في تاريخ الجائزة:

المثير للاهتمام أنّ المراهنات كانت نوعًا ما صائبة؛ فقد كانت البولنديّة توكارشوك في المركز الرابع، في توقّعات موقع "Nicer Odds" ورهاناته، وكان النمساويّ هاندكه في المركز الحادي عشر، حسب الموقع نفسه

"فوز الكاتبة البولنديّة أولغا توكارشوك بجائزة ’نوبل‘ للآداب لعام 2018، عن الخيال السرديّ المتمثّل في أنّ العاطفة الموسوعيّة تمثّل عبورًا للحدود، كشكل من أشكال الحياة. وفوز الكاتب النمساويّ بيتر هاندكه بجائزة ’نوبل‘ للآداب لعام 2019، عن أعماله المؤثّرة مع البراعة اللغويّة، فأظهر محيط التجربة الإنسانيّة وخصوصيّتها".

 

ما بين المراهنات والنتائج

كان من المتوقّع أن يكون ثمّة تساوٍ في منح الجائزة لكلا الجنسين؛ فكان لدينا كاتبة، كما كان لدينا كاتب. لكنّ المثير للاهتمام أنّ المراهنات كانت نوعًا ما صائبة؛ فقد كانت البولنديّة توكارشوك في المركز الرابع، في توقّعات موقع "Nicer Odds" ورهاناته، وكان النمساويّ هاندكه في المركز الحادي عشر، حسب الموقع نفسه. لكن ما لم يتوقّعه كثيرون أن تُمنَح أوروبّا جائزتَين، خاصّةً بعد تصريحات السيّد أندرياس أولسون بتجنّب مركزيّة أوروبّا وهيمنتها على الجائزة.

 

إحصائيّات

وهكذا، يبلغ العدد الإجماليّ لجوائز "نوبل" للآداب 116 جائزة، وقد مُنِحت أوّل مرّة عام 1901 للشاعر الفرنسيّ برودوم. وزاد نصيب النساء من الجائزة ليصل 15 جائزة، ولتكون المرّة الثالثة خلال آخر سبع سنوات؛ وهو ما يعني اهتمامًا أكبر بالقلم النسائيّ، على صعيد الكتابة أو النقد ومنصّات التقدير. ورغم أنّ سنّ الكاتب النمساويّ هاندكه هي 77 عامًا، إلّا أنّه ليس الأكبر في تاريخ الحاصلين على "نوبل" للآداب، فلا يزال دوريس ليسينغ، الحاصل على الجائزة عام 2007، الأكبر سنًّا بـ 88 عامًا، ومع إعلان جائزتَي عام 2018 وعام 2019، يكون متوسّط أعمار الفائزين 65 عامًا. من ناحية أخرى، ترفع بولندا رصيدها من جوائز "نوبل" للآداب إلى 7، وتزيد النمسا من رصيدها إلى 3 جوائز.

 

مَنْ هي أولغا توكارشوك؟

البولنديّة أولغا توكارشوك وُلدت عام 1962، وقد نشأت في بيئة مليئة بالكتب، إذ كان أبوها أمينًا لمكتبة. كانت انطلاقتها الحقيقيّة بعد روايتها الثالثة "Primeval and Other Times"، الّتي تحدّثت فيها عن قصّة عائليّة مبنيّة بمهارة على الخيال متضمّنةً أجيالًا عدّة، فتبدأ عام 1914، وتتناول تاريخ بولندا في القرن العشرين، بتفاصيل واقعيّة في مكان أسطوريّ تتخلّله الرمزيّة.

 

الأديب البولنديّة أولغا توكارشوك

 

في روايتها "Flights" الّتي نُشرت عام 2007، وفازت بجائزة "مان بوكر" العالميّة 2018، أولغا لا تهتمّ بمشهد الحدود بقدر ما تهتمّ بظاهرة عبور الحدود، الّتي من الممكن أن تكون جسم إنسان. عنوان في البولنديّة "Bieguni" مأخوذ من اسم طائفة روسيّة قديمة، يعتقد أعضاؤها أنّ الحركة المستمرّة تمنع انتصار الشرّير. وتضمّنت فكرة الرواية خرائط ورسومات قديمة للتنقّل، لتعكس عالمًا يدور في رحلة مستمرّة، فتطير الكاتبة إلى القرن السابع عشر، وتسلّط الضوء على قصّة عالِم التشريح الهولنديّ فيليب فيرهاين، الّذي شرّح ساقه المبتورة ورسمها. أمّا خلال القرن الثامن عشر، فتستعرض الكاتبة قصّة العبد المولود في شمال أفريقيا، لكنّه بعد موته ظهر مرّة أخرى في النمسا. من الواضح أنّ الكاتبة البولنديّة لا تنظر إلى الواقع بصفته شيئًا مستقرًّا أو دائمًا، بل تصنع رواياتها في توتّر بين الأضداد الثقافيّة، فمثلًا، العقل مقابل الجنون، والذكور مقابل الإناث، والمنزل مقابل الاغتراب.

 

مَنْ هو بيتر هاندكه؟

الكاتب النمساويّ بيتر هاندكه يتميّز بغزارة أعماله وتنوّعها، بين الرواية والقصّة والشعر والمسرح والمقالات والترجمات، لكنّه في المقابل شخص يتميّز بمواقفه السياسيّة اليمينيّة، الّتي أدّت إلى هجوم الكثيرين عليه ونقدهم للجنة جائزة "نوبل"، حتّى وصفه الكاتب الأميركيّ بيتر ماس بـ "المريض فكريًّا"، وذلك بسبب دعمه للتيّار اليمينيّ في صربيا، وتأييده حصار سراييفو، وإنكاره جرائم الحرب بحقّ البوسنيّين.

أدبيًّا، فإنّ هاندكه معروف لدى القارئ العربيّ بأعماله المترجمة، مثل "خوف حارس المرمى عند ضربة الجزاء"، الرواية الّتي تحوّلت إلى فيلم عام 1972، و"رسالة قصيرة لوداع طويل"، و"المرأة العسراء"، و"الشقاء العاديّ"

أدبيًّا، فإنّ هاندكه معروف لدى القارئ العربيّ بأعماله المترجمة، مثل "خوف حارس المرمى عند ضربة الجزاء"، الرواية الّتي تحوّلت إلى فيلم عام 1972، و"رسالة قصيرة لوداع طويل"، و"المرأة العسراء"، و"الشقاء العاديّ"، وهي الرواية الّتي تحدّث فيها عن مذكّرات والدته، وترجمها بسّام حجّار.

يُحسَب لهاندكه اهتمامه الاستثنائيّ بالمناظر الطبيعيّة والوجود المادّيّ للعالم، ممّا جعل السينما والرسم اثنين من أعظم مصادر إلهامه. في الوقت نفسه، تُظهر كتاباته سعيًا حثيثًا للمعاني الوجوديّة؛ لذلك فإنّ التجوال والهجرة أسلوب نشاطه الأساسيّ؛ إذ اختار المنفى مسار حياة، وهنا تتكرّر تجربة اجتياز العتبات والحدود الجغرافيّة. إذن، يمكن وصفه بأنّه كاتب المكان؛ فليس في المقام الأوّل المدن الكبرى، بل الضواحي والمناظر الطبيعيّة الّتي تجذب انتباهه. وأخيرًا، يقول في مذكّرات نشرها: "إنّ "الكلاسيكيّات أنقذتني"، وهو ما يشهد على رغبة هاندكه في العودة إلى حواسّ الإنسان وتجربته الحيّة.

 

رصيد العرب: جائزة واحدة فقط

لم يستطع أيّ كاتب عربيّ، تحت سقف الرواية أو الشعر أو القصّة أو غيرها، باستثناء نجيب محفوظ، أن يتوَّج بجائزة "نوبل" للآداب، الّتي مُنِحت لمحفوظ عام 1988، رغم أنّ اسم أدونيس واسم نوال السعداوي يُطرَحان في السنوات الأخيرة كلّ مرّة، ومع هذا فلا نتيجة.

هذا يفتح أبواب الأسئلة الّتي من الضروريّ أن تُطرَح للنقاش والتداول: ألا يستحقّ الأدب العربيّ حقًّا؟ أم أنّ معايير الجائزة تختلف عمّا يتناوله كتّاب العربيّة في كتاباتهم؟ هل إرث نجيب محفوظ حمل ثقيل؟ أم أنّ طريقة وسياسات الترشيح لها دور في إيصال أسماء الكتّاب العرب إلى لجنة الاختيار؟ أم أنّ الترجمة المحدودة والترويج المحصور لهذا الأدب هو السبب؟

 

 

أحمد جابر

 

 

قاصّ وكاتب من فلسطين. حاصل على الماجستير في هندسة الطرق والمواصلات. حائز على جائزة مؤسّسة عبد المحسن القطّان للكاتب الشابّ 2017، عن مجموعته القصصيّة "السيّد أزرق في السينما".