حسن خضر ومقالات درويش في "اليوم السابع"

محمود درويش

خاصّ فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة

"محمود درويش: مقالات ’اليوم السابع‘" (2019)، هو الإصدار الجديد للكاتب حسن خضر، صدر أخيرًا عن "مؤسّسة الدراسات الفلسطينيّة" في بيروت ورام الله، ويحتوي على مقدّمة من سبع صفحات، كتب فيها حسن عن زمن نشر المقالات ومكانه، معرِّفًا بالمجلّة وشارحًا في الوقت نفسه الترتيب الّذي اعتمده في إخراج المقالات، لافتًا النظر إلى أنّه لم ينشر كلّ ما كتبه الشاعر في المجلّة؛ فقد انتقى منها قسمها الأكبر، ويرى أنّ المقالات، عدا أنّها نثر بديع وذات لغة لا يخبو بريقها بالتقادم، يرى أنّها تُشكّل شهادة على "فترة بالغة الحساسيّة في تاريخ الفلسطينيّين، وهموم محمود درويش ومشاغله الشعريّة والسياسيّة والمعيشيّة أيضًا".

يقسم حسن خضر كتابه ثلاثة أقسام، هي: "فضاء الآخر" و"كتاب المراثي" و"سهم في الخاصرة"، ويوضّح أنّه في نشرها لم يتقيّد بتسلسلها الزمنيّ على صفحات "اليوم السابع"، وحجّته أنّ عددًا منها يُكمل بعضه بعضًا "وإنْ بعدت المسافة الزمنيّة بينها"، لكنّه حرص على تثبيت التاريخ الأصليّ للنصوص، وفوق ذلك قام بـ "تصحيح أخطاء طباعيّة وردت في النصّ المنشور، وتعديلات طفيفة في التنقيط وتقطيع الأسطر"، فـ "نشر نصّ على صفحة كتاب، يختلف عن نشره مقالةً على صفحة تتكوّن من أربعة أعمدة في ‘اليوم السابع‘".

 

لماذا مقالات "اليوم السابع"؟

يتوقّف حسن في تقديمه أمام قضايا مهمّة، تمسّ المقالات الّتي تنتمي إلى وسائل تعبيريّة مختلفة، هي "المقالة والقصيدة والمذكّرات والتعليقات السريعة، ومداخلات قدّمها في مناسبات معيّنة، وأعاد نشرها في ‘اليوم السابع‘، كما فعل مع بعض افتتاحيّات ‘الكرمل‘".

 

 

ولا أريد هنا أن أعيد كتابة ما ورد في التقديم؛ فالأصل أن يقرأه القارئ هناك، لكنّي أرغب في الإشارة إلى نقطتين دفعتا صاحب الإصدار إلى إنجاز ما أنجزه، هما:

- أوّلًا: مكانة محمود درويش لدى الشعب الفلسطينيّ؛ فهو "الصوت الأكثر تعبيرًا ونفوذًا في صوغ معنى حضور شعبه في الزمان والمكان، وأحد مهندسي الهويّة وصنّاع الخطاب العامّ.

- ثانيًا: إنّ المقالات تكاد تكون مجهولة بالنسبة إلى كثيرين، وهو يقدّمها أيضًا للجيل الشابّ الّذي لم يتابع هذه المقالات، ولم يعرف الكثير عن تلك الفترة الحسّاسة؛ وهذا ما جعل حسن خضر يُعيد نشر المقالات، ويُجري على قسم منها تعديلات طفيفة تخصّ الأخطاء الطباعيّة والتنقيط والتقسيم، وممّا جعله أيضًا يعمد إلى كتابة هوامش وتذييلات عديدة تُعرِّف القارئ بأحداث وشخصيّات وتواريخ مهمّة.

 

عودةً إلى كتب درويش النثريّة

جهود حسن خضر جهود يُشكر عليها، لا شكّ في ذلك، ولكن بعض ما ورد في التقديم يستحقّ حقًّا الوقوف أمامه. كتب حسن الآتي حول إصدار المقالات :"وقد استثنينا كلّ ما أعاد محمود درويش نشره في مجموعات شعريّة، وكتب نثريّة، وما نشر في ‘الكرمل‘، من إعادة النشر في هذا الكتاب، مع استثناءات قليلة غالبًا أعاد البعض نشرها، أو نشر مقاطع منها، بأخطاء طباعيّة كثيرة، ومن غير التزام المصدر الأصليّ والتاريخ، ولا التنويه بسياقها السياسيّ والثقافيّ العامّ" 

حين عدت إلى كتاب "عابرون في كلام عابر"، وكتاب "في وصف حالتنا"، وهما كتابان طُبعا طباعة جيّدة، لاحظت أنّ نحو تسع وعشرين مقالة من الكتاب الّذي أصدره حسن خضر، موجودة فيهما، وما يختلف هو الترتيب فقط.

ولعلّ قارئ محمود درويش ومتابع أعماله، يتوقّف أمام الفقرة السابقة جيّدًا لكي يُسائِلها؛ فهل كلام حسن فيها دقيق؟
تتطلّب الإجابة العودة إلى كتب درويش النثريّة، الّتي أصدرها أو الّتي صدرت عن دور نشر معروفة، مثل "دار العودة" و"دار رياض الريّس"، وقد أصدرت له هاتان الداران العديد من الكتب النثريّة، وهي: "شيء عن الوطن"، و"يوميّات الحزن العاديّ"، و"وداعًا أيّتها الحرب، وداعًا أيّها السلم"، و"في وصف حالتنا"، و"ذاكرة للنسيان"، و"عابرون في كلام عابر"، و"الرسائل"، و"حيرة العائد"، و"في حضرة الغياب". والكتب الّتي صدرت في فترة كتابة المقالات هي: "في وصف حالتنا"، و"ذاكرة للنسيان"، والكتاب الّذي تلا صدور هذين الكتابين هو كتاب "عابرون في كلام عابر". وقد صدرت هذه الكتب في غير طبعة - أستثني هنا طبعًا كتاب "في انتظار البرابرة"، الّذي صدر عن "وكالة أبو عرفة" في القدس، ولا أعتقد أنّ درويش كان على اطّلاع عليه؛ فلا أظنّه يوافق على نشر كتاب له بالشكل الّذي ظهر عليه.

حين عدت إلى كتاب "عابرون في كلام عابر"، وكتاب "في وصف حالتنا"، وهما كتابان طُبعا طباعة جيّدة، لاحظت أنّ نحو تسع وعشرين مقالة من الكتاب الّذي أصدره حسن خضر، موجودة فيهما، وما يختلف هو الترتيب فقط.

 

إهمال جهود بنّيس

ربّما السؤال المهمّ الّذي يُثار هنا هو: هل كان نشر كتابَي "عابرون في كلام عابر" و"في وصف حالتنا"، عن "دار العودة"، بموافقة الشاعر؟ وإذا كانت الإجابة نعم، فما رأي حسن خضر في ما أورده في تقديمه؟

لقد أشرف الناقد المغربيّ محمّد بنّيس على نشر كتاب "عابرون في كلام عابر"، وكتب له مقدّمة، ولا أعتقد أنّ الشاعر اعترض على بنّيس؛ فحين جادلت الشاعر مرّة في سبب عدم إدراجه قصيدة "عابرون في كلام عابر" في أعماله الشعريّة، أجابني بأنّها ظهرت في كتاب خاصّ يحمل عنوانها.

وفي ما يخصّ الدقّة، فما أعرفه أنّ عبارة "خطاب الدكتاتور الموزون"، وردت "خطب الدكتاتور الموزونة"، وأنّ بعض القصائد لم يظهر في "مأساة النرجس وملهاة الفضّة"؛ فليس ثَمّة كتاب للشاعر بالعنوان الأخير، إنّما عنوان قصيدة ظهرت في ديوان "أرى ما أريد".

ما سبق يقودنا إلى اجتهاد حسن في ترتيب المقالات الّذي يختلف عن ترتيب بنّيس. أيّهما كان موفّقًا أكثر؟

ولا أريد الإجابة هنا عن السؤال؛ فهذا يتطلّب التفكير العميق في مضمون المقالات، وفي اجتهادات صاحبَي الإصدار، ولكن أما وجب أن يُشير حسن إلى كتاب "عابرون في كلام عابر" الّذي أصدره بنّيس؟

لا أريد أن أنتقص بهذه الملاحظات من قيمة الكتاب وجهد القائم عليه، لكنّي كنت أتمنّى لو نظر في الكتب السابقة، واستثنى ما نُشر فيها كلّيًّا، بعد الإشارة إليه، ومن ثَمّ نشر ما لم يُنشر من مقالات درويش في "اليوم السابع"؛ فلربّما أفادنا هذا أكثر في قراءة نتاج درويش، الّذي ظلّ في بطون الصحف والمجلّات.

 

نصّ واحد... ثلاثة أقسام!

ثمّة ملاحظات أخرى أودّ الإشارة إليها، وردت في قول حسن "لذا؛ يمكن قراءة هذه النصوص بصفتها نصًّا واحدًا، يقوم على قناعات ومرافعات وهموم شعريّة وسياسيّة، ويُستمدّ منها، ويتجلّى فيها، وتجد تعبيرها حينًا في ’التحليل السياسيّ‘، وحينًا آخر في ’تمارين شعريّة‘، لم يُعِد نشرها، كما في ’خطاب الدكتاتور الموزون‘، وفي قصائد نشرها في ’اليوم السابع‘، وأعاد نشرها في ديوان ’ورد أقلّ‘، وفي ’مأساة النرجس وملهاة الفضّة‘، وفي فصول ظهرت في المجلّة، وأعاد نشرها في ’ذاكرة للنسيان‘...". والسؤال هو: إذا كان بالإمكان قراءة هذه المقالات باعتبارها نصًّا واحدًا، فلماذا اللجوء إلى تقسيمها ثلاثة أقسام؟

وفي ما يخصّ الدقّة، فما أعرفه أنّ عبارة "خطاب الدكتاتور الموزون"، وردت "خطب الدكتاتور الموزونة"، وأنّ بعض القصائد لم يظهر في "مأساة النرجس وملهاة الفضّة"؛ فليس ثَمّة كتاب للشاعر بالعنوان الأخير، إنّما عنوان قصيدة ظهرت في ديوان "أرى ما أريد".

وكنت أتمنّى لو أوضح لنا حسن مناسبة قصيدة "يأس الليلك"، الّتي تصدّرت قسم "كتاب المراثي" وفيمَنْ كُتبت، وأرجّح أنّها كُتبت لمناسبة مرور سنوات على استشهاد ماجد أبو شرار، فأجواؤها الداخليّة قريبة من أجواء قصيدة درويش في رثاء ماجد "اللقاء الأخير في روما"

إنّ القصيدة الّتي كتبها درويش في رثاء معين بسيسو "خرج الطريق (في وداع معين بسيسو)"، لم تظهر في أعمال الشاعر. هنا، قدّم لنا حسن خدمة، تتمثّل بجمعه - في مكان واحد - ما كتبه درويش شعرًا ونثرًا في رثاء معين بسيسو، وفي ذكرى رحيله.

وكنت أتمنّى لو أوضح لنا حسن مناسبة قصيدة "يأس الليلك"، الّتي تصدّرت قسم "كتاب المراثي" وفيمَنْ كُتبت، وأرجّح أنّها كُتبت لمناسبة مرور سنوات على استشهاد ماجد أبو شرار، فأجواؤها الداخليّة قريبة من أجواء قصيدة درويش في رثاء ماجد "اللقاء الأخير في روما"، عدا أنّها نُشرت في شهر تشرين الأوّل (أكتوبر) عام 1987؛ وهو الشهر الّذي استشهد فيه ماجد، لكن عام 1981.

 

درويش ودور النشر

وعمومًا، يجب التحقّق من صلة درويش بدور النشر، وموافقته أو عدمها على نشر كتابَيه "عابرون في كلام عابر" و"في وصف حالتنا"؛ لأنّ التأكّد من هذا قد يؤكّد ما ذهبت إليه، أو يدفعني إلى قليل من التعديل فيه، وإن كنت لم أقرأ اعتراضات من الشاعر على طباعة الكتابين في حياته.

إنّ المقدّمة الّتي كتبها حسن وجب أن تحفل بإشارات أخرى، تُبصر القارئ بالمزيد قبل أن يُقدم على اقتناء الكتاب الّذي فيه مقالات جديدة ومقالات أخرى كثيرة، صدرت في كتب لم نسمع من الشاعر اعتراضات جوهريّة عليها.

 

 

عادل الأسطة

 

أستاذ جامعيّ وباحث. حاصل على الدكتوراه من جامعة BAMBERG في ألمانيا عام 1991. يكتب المقالة في الصحافة الفلسطينيّة والعربيّة. أصدر العديد من الكتب، منها: 'جداريّة محمود درويش وصلتها بأشعاره'، و'الصوت والصدى: مظفّر النوّاب وحضوره في الأرض المحتلّة'. يكتب القصّة القصيرة والرواية ويهتمّ بدراستهما.