أحاديث عن حروب علينا ألّا نصدّقها

من عمل لغوشكا ماكوجان 2019 | متحف الفنون المعاصرة - نيويورك

خاصّ فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة

أنا حزينةٌ لأنّي...

السبب على طرف لساني

لا

الحزن هو الّذي يقف على طرف لساني

ممشوق القوام مثل ضابطٍ

يوزِّع جنوده في أنحاء القلب

هو الّذي يقف على طرفه، ويضخّ أسلحته مثل دولةٍ إمبرياليّة

أطلب هدنةً قصيرةً في أطراف أصابعي لأتلمّس موضع الألم

في حَنْجَرَتي لأقول آآآآآآخ، وأمدّ الألف، كما يمدّ الليل سواده

وفي مقلتيّ، لأفجّر مدامعي دون حساب

(لا تصدّقوني إن حدّثتكم عن الحرب، ص 85-86).

 

سكاكين في ظهور القصائد

كتبت أسماء عزايزة عبر صفحتها على فيسبوك، عند إعلانها قرب صدور مجموعتها الشعريّة الثالثة "لا تصدّقوني إن حدّثتكم عن الحرب"، كلمات قليلة كانت كفيلة بأن أتشوّق إلى قراءة مجموعتها: “هاي القصائد عبارة عن سكاكين في ظهور القصائد اللّي ظهرت في مجموعات شعريّة أسبق، وستتحوّل بعد زمن قصير إلى ظهور لسكاكين جديدة". تساءلت: كيف لشاعرة أن تكتب شعرًا ثمّ تنشره وتطعنه أمامنا؟ لماذا لا تطعن في شعرها في العتمة؟ حتّى أنّ عنوان هذه المجموعة فيه طعنة جاهزة: "لا تصدّقوني"!

أسماء عزايزة شاعرة فلسطينيّة، وُلدت عام 1985 في قرية دبّورية في الجليل، وتعيش حاليًّا في مدينة حيفا. صدرت لها مجموعة شعريّة بعنوان "ليوا" (2011)، تبعتها بعد أربع سنوات "كما ولدتني اللدّيّة" (2015)، وجاءت مجموعتها الثالثة الّتي نتناولها هنا بعد أربع سنوات أيضًا "لا تصدّقوني إن حدّثتكم عن الحرب" (2019)، وقد تُرجمت قصائدها إلى لغات أوروبّيّة عدّة.

تحتوي المجموعة الّتي نتناولها على 26 قصيدة طُبعت في 95 صفحة من القطع "المتوسّط"، وقد صدرت في العام نفسه باللغة الهولنديّة. تظهر في غلاف المجموعة نمور ورديّة تدير ظهورها إلى الرائي، باستثناء واحد منها، وهذه الفكرة لا بدّ من أن يكون مصمّم الغلاف قد التقطها بذكاء شديد، ممّا قالته أسماء في آخر قصيدة في المجموعة بعنوان "استعارة":

كذبتُ حين شبّهتُ رغباتي بالنمور

فالأخيرة جبّارة، والأولى نذلة

 

ومَنْ يعرف أسماء شخصيًّا أو يتابعها على مواقع التواصل الاجتماعيّ، يعرف كم هي شاعرة فائقة النشاط! نشاطها وظهورها الدائم ثقافيًّا في المحافل المحلّيّة والدوليّة مدعاة إلى الفخر؛ فهي تكتب الشعر والمقالة، وتبيع الكتب، وتنظّم الفعاليّات، وتكافح لإحياء ثقافتها الفلسطينيّة وسط غابة لا ترحم. وأسماء تشارك وتحضر وتدعم أمسيات وفعاليّات ومعارض أدبيّة وثقافيّة، وتُدعى إلى مهرجانات دوليّة مهمّة. ما أودّ قوله هنا شيء أريد أن يتذكّره التاريخ، وهو أنّ أسماء، ببساطة وبكلّ التعقيد، واحدة من أهمّ الشاعرات والشعراء الفلسطينيّين في هذا الجيل؛ فهي تملك في حقيبتها شعرًا جميلًا، وربّما ما هو أهمّ من ذلك: تملك نفسًا طويلًا للكفاح من أجلها ومن أجل "نحن".

تقول أسماء في قصيدة "حديث قصير في النعش":

أنا لم أنته بعدُ من دروسي

لم أتعلّم كيف أشفي قدم غليلي الأعرج

كيف أختبئ من صفعة الحبّ مثل قشّةٍ في اللهيب

كيف أشمّ جثث مَنْ يُقتلون في المذابح، ولا إخالها رائحتي

كيف أطعِم كلاب الخيبة قبل أن تغرس أنيابها في عنقي

 

إحالات

إنّ الطريقة الّتي اختارت فيها أسماء عناوين قصائد مجموعتها، تجعلنا نلاحظ تنوّع ثقافتها الخاصّة ووسعها وإلهامها، وتجعلنا أيضًا نتذكّر الطعنة الّتي في عنوان مجموعتها؛ فنجد عنوانًا أُخذ من عنوان فيلم أمريكيّ "سايكو"، وآخر من اسم مقطوعة موسيقيّة "The Dance of the Soma"، وآخر من جملة قالها كاتب رومانيّ "لم أصدّق أنّني سأتعلّم يومًا أن أموت"، وآخر من اسمها "أسماء"، وآخر من اسم شخصيّة تاريخيّة "أنا وهولاكو"، وآخر من جملة قالها أديب فلسطينيّ "لكنّ الضبع لم يأكلني"، وآخر من حدث تاريخيّ "لسعة نحلة في ذكرى سقوط جدار برلين"، وآخر من برج فلكيّ "الحوت"، وعدّةٌ أُخذت من تفاصيل حياة يوميّة، مثل "جرعة زائدة" و"مترو" و"أخبار عاجلة"، وعدّة أخرى أُخذت من تفاصيل دقيقة جدًّا، مثل "خيط يهرب من ثوب في متحف" و"الحرب ترفع الفساتين إلى الركب" و"مربّعات سكنيّة". ويمكننا القول إنّ هذه الإلهامات تضمّنت بشكل أو بآخر حروبًا إنسانيّة، يمكن تصديقها أو يصعب علينا ذلك.

 

 

في هذه المجموعة، نلاحظ سريعًا شعرًا حيويًّا مفعمًا بالتفاصيل البسيطة للحياة اليوميّة في ثقافتها؛ فتقول: "إنّها بدعة لا تساوي قشرة بصلة"، وتقول: "قريتي المسالمة مثل حمامة راقدة/ المستلمة مثل خروف في مسلخ"، وتقول: "خيول الأعراس أغشت عيونها بالحنّاء، وانتحرت"، وتقول: "مثل بائع خبزٍ عجوزٍ وضجر"، وتقول: "منذ جلستْ حيفا القرفصاء عند عتبة الحلم".

هذا غير ذكرها لمكوّنات تراثيّة فلسطينيّة وعالميّة في تشبيهاتها، وذكرها لشخصيّات سواء كانت حقيقيّة أو تراثيّة فلسطينيّة وعالميّة، ولشعوب تركت أثرها في التاريخ وفي وعي الشاعرة؛ فنجد ذِكْرًا لأسماء شخصيّات مثل فرويد، وقاسم حدّاد، ودراكولا، ورابين، وهولاكو، وجوكر، وأوديب، ودييجو سيغالا، وفيروز، وإيديث بياف، وموغابي، وكيم، وشارون، وباسل الأعرج، وعشتار، وبلفور، وجبرائيل، وسلمان ناطور، وكفافيس، ومدن وأماكن أيضًا مثل: الخليل، وبغداد، وبرلين، وحلب، وعدن، والبوسنة، وبابل، ودجلة، وجبل الطور، ومرج ابن عامر، وقاسيون، ورأس شمرة، والكوليسيوم، وأوشفيتس. أسماء تستخدم الشعر مزيّةً ليلخّص الشخصيّات والأماكن في عبارات أو أفعال، سواء حدثت أو لم تحدث؛ فإنّها تخلق برقًا شعريًّا تاريخيًّا جميلًا.

 

فخاخ

بلا إهداء، وبلا مقدّمات، افتتحت أسماء المجموعة بقصيدة "سايكو" الّتي تعبّر فيها عن صراعها مع ما تكتبه فعليًّا "بينما أعمل في مكتبٍ مضاءٍ بالنّيون"، وما تخبّئه ذاتها من شعر، فتقول:

في المرّة الوحيدة تلك، طنّتْ أذناي طنينًا بلا رحمة. أطبقتُ عليهما، وهُرِعْتُ إلى الطابق العلويّ

أكتب قصائد عن الإنسانيّة وبشاعة الحروب

وعن العزلة ومنظورها الوجوديّ

وعن الحبّ المجرور بعربة موتى

الشعْر يقهقه في القبو

 

وتختم المجموعة بمقطع، تذكّر فيه القرّاء بما قالته في البداية، وكيف أنّها خدعتهم في ما وضعت من شعر بين البداية والنهاية. جاء في قصيدة "استعارة":

المهمّ

ليست مشكلة الشعراء في أنّهم كذّابون

المأساة في تصديقهم الأعمى

...

...

كالمذابح

 

لكن الفكرة في القصيدة الأولى أصبحت باهتة، حين كرّرتها الشاعرة في قصيدة "لا تصدّقوني إن حدّثتكم عن الحرب"؛ إذ قالت:

لا تصدّقوني إن حدّثتكم عن الحرب

لأنّي أتحدّث عن الدم وأنا أشرب القهوة

 

وفي قصيدة "استعارة" تستخدم أسماء التكرار في شكل إحالة لما قالته في قصيدة أخرى "مثل حجرٍ في القاع"؛ إذ قالت في الأخيرة:

الحبّ أعمى كالمذابح

إلّا أنّ المذابح

على الأقلّ

لا تطيل علينا الطريق

 

وقالت في قصيدة "استعارة":

ولو صدقتُ في أن أقول في قصيدة "الحبّ أعمى كالمذابح"

كذبتُ

 

وتستخدم الأسلوب نفسه في القصيدة الواحدة أيضًا، فتقول في قصيدة "لكنّ الضبع لم يأكلني": "أقود سيّاراتٍ، لألمّ ذكرياتي الميتة من الشوارع".

وتقول في نهاية القصيدة نفسها:

أو أصيرَ مجرّد ذكرى

وتلمّني سيّاراتكم من الشوارع

 

واعتمدت أسماء على تكرار المفردات أو الألفاظ مطيلةً قصائدها على نحو ملحوظ، وفي رأيي قارئًا، سيبقى التكرار صديقًا غدّارًا للشعراء، وسيبقى للشعر بمثابة العدوّ كيفما جاء. وقد أخفقت أسماء حين أفرطت من توظيف هذا الأسلوب في قصائد عدّة؛ فلحظة أن يلتقط القارئ ما يحاول الشاعر فعله، يصبح ما يحاول الشاعر قوله أقلّ شعريّة، تقول أسماء:

المعنى!

الخفّاش الأعمى الّذي عضّني، فأصيبتْ مفرداتي بالسعار

ها هو الفزع يقع في حبّ الطمأنينة

الحبّ والوحدة توأمان من بويضةٍ واحدة

الحبّ ينام مطمئنًّا في سرير البلادة

المعنى يفزعُ

 

ورغم أنّ أسماء أوردت أفكارًا مكرورة في مواضع قليلة جدًّا، خاصّة حين تحدّثت عن الحرب، إلّا أنّها استخدمت الأثر الدينيّ - وهو فخّ ينصبه الابتذال للشاعر - في سياقات جميلة، تقول أسماء:

أنا؟

يتبعني الغاوون؟

أنا لم يتبعْني أحد

كلّ ما في الأمر أنّي تسرّبتُ من حفلتكم المدوّية دون أن تلحظوني

تسرّبتُ كخيطٍ رفيعٍ لا يُرى من الأثواب المطرّزة الّتي علّقتُموها في صدور المتاحف

 

وتتخلّل بعض القصائد برك سرديّة مليئة بالشعر، وتفعل الشاعرة هذا خاصّة عندما يكون ماء الكلام باردًا، فتقول في قصيدة "أنا وهولاكو":

"ليس عندي غضبٌ عليكَ. أوقعتَ المملحة على جرحي دون أن تقصد، مارًّا فوق صدري مثل نسرٍ. وعندما تجوع تمزّق خرافي بأظافيرك الّتي تظاهرتَ بأنّها أداةٌ للعزف على آلتكَ. كلانا عزف عن التفكير بالخراف. ولم نَعُدْ نشفق عليهم بعد أن اختفوا تمامًا في معدتكَ".

 

حروب الشاعرة

تتحدّث الشاعرة عن حروب ماضية لم تعشها، وحروب حاضرة، وحروب مستقبليّة تتوقّع أن تعيشها، وتتحدّث عن هواجسها بالحرب، ولا تريدكم أن تصدّقوا، بالضرورة، أيّ شيء من حديثها، فتقول: "تشغلني الحرب، لكنّي أخجل من الكتابة عنها". وتقول في موضع آخر: "صرت صمّاء بعد أن عزفتْ طبول الحرب على طبلة أذني"، وفي آخر: "صوت الضرب يملأ الرئات. الناس ينظرون من الشبابيك دون انفعالٍ كأنّهم لوحاتٌ مؤطّرة"، وتقول أيضًا: "حوصرتُ في أكثر بقع العالم قداسةً. انهال عليّ رصاصٌ، كما انهالت كلمات الربّ على الأنبياء"، وتقول: "والواقع، أنّ نفوسنا أشدّ شرًّا من الحروب"، وتقول عن أخبار الحرب:

الأخبار تصير خبرًا واحدًا

القتل والتعذيب والغرق، كلّهم أطفالٌ من جينٍ لرجلٍ واحد

وفي قصيدة "لم أصدّق أنّني سأتعلّم يومًا أن أموت" تقول أسماء:

لم أكن حيث كان الموت درسًا واحدًا، وإلى الأبد

حيث الصاروخ الّذي خانتْه ذاكرته، فنسي الطريق

الرصاصة الّتي لم تقصد أن تتوقّف عن أن تكون قلمًا

المذبحة الّتي مرّت في الطريق العامّ، ورمت السلام

بينما كنتُ أسير في الشارع الخلفيّ

أقطف الصّفّير، وأشاهد الحروب في أفلام الكرتون

 

يحاول الشعراء – عادةً - إعادة تعريف أشياء مألوفة لنا، لكن وفق مشاعرهم وتجاربهم، وهنا لم توفّر أسماء جهدًا في خلق تعريفات مدهشة؛ فتعرّف الوسادة بأنّها "هاويةٌ تطلّ على الخوف"، والأحلام بأنّها "صكوكٌ مفتوحةٌ"، والخطيئة بأنّها "أصيص ورودٍ بلاستيكيّة"، والخوف بأنّه "غولٌ من تأليف الجدّات"، والنجاة بقولها:

النجاة حبلٌ مديدٌ وسميكٌ بين ضفّتين

ندفع أجسادنا فيه، ولا نصل إلى الضفّة الأخرى

 

ولا بدّ للشعراء من أن يقولوا شيئًا أو أشياء عن نظرتهم إلى القصيدة، وفي هذا المجال تقول أسماء:

حين استبدلتُ بجلسات العلاج النفسيّ

قصائد مجّانيّةً؛ لأنجو

وتقول في قصيدة أخرى:

أفكّر برأسي الخاوي مثل كهفٍ

أفكّر بالحياة المروّعة الّتي ينبغي أن أحشوها في رأسي حتّى أخرج بقصيدة جيّدة

 

وتقول في قصيدة أخرى:

كبرتُ والقصائد تجيء وتروح مثل مياهٍ جارية

وتصير صالحةً للشرب

وتقول في قصيدة أخرى: خارج الحياة أرى قصيدتي

 

وحروب أسماء ليست حروب مدن فقط، بل حروب تتعلّق بالذات أحيانًا، وبالصداقة والحبّ أحيانًا أخرى، هي حروب على أيّ صورة قديمة أخذناها لهذه العواطف. تتحدّث أسماء عن الحبّ في أشكاله ومراحله المختلفة، فتقول:

ينمو قلبي في البئر كشجرة رمّان

كلّما انكسر غصنٌ، أتسلّق آخر في الطريق إليكَ

ينكسر كلّي، فأصير عشًّا

الطيور تنظر في الماء، فترى وجه بوسنيّةٍ يضحك، أنظر فيه، فأرى وجهكَ

 

وتصف الوقوع في الحبّ:

الحديقة الأليفة تصبح غابة

والغابة تصبح رحمًا

وتقول عن تجنّبها الوقوع في الحبّ:

كانت حبالي هزيلةً

ودلوي مثقوب

 

وتجمع بين الحبّ والافتراق في صورة جميلة، فتقول:

وتتذكّرون كيف قوّمتُ ظهري بمسامير الحبّ

وكيف صلبتُه فيها

وتعود لتقول في موضع آخر:

هل رحل الأحبّة؟ أم طردناهم؟

هل انكسرتْ ظهورنا من الحبّ؟ أم من المشي صوبه؟

 

وتقول عن الأصدقاء:

يا أصدقائي المنفيّينْ

لم يعلّمني أحدٌ صناعة أخبار الحياة

أخباركم، على مهلٍ تجيء، وتطرق الباب كضيفٍ خفيف الظلّ

فيما أنا، سإخال طرقتكم نَقْر يمامٍ على الشبّاك

وأظلّ مرقدةً في سريري

أستمع لأغاني سيغالا وفيروز في وقتٍ واحدٍ

أتخيّلهما على مسرحٍ واحدٍ

في كفنٍ واحد

 

وتدخل الشاعرة في حرب مع ذاتها فتلقي عليها سهامًا عدّة فتّاكة، فتقول: "لم نَعُد قادرين على صفع مَنْ كان يتوجّب علينا أن ندير له خدَّنا الأيسر"، وفي موضع آخر: "جرفتْني الحياة كما جرفتْني أمّي من فرجها"، وفي آخر: "أقف للألم، فيصطدم بي من الخلف، ويموت أبي في فراشه دون مقدّمات"، وأيضًا: "ستدفنني الغربان، لأنّي مثلها لم أتعلّم المشي"، وأخيرًا: "إنّما هو ماء قلبي الّذي تعلّمتُ أن أحوّله إلى أسفلتٍ، كلّما تذكّرتُكَ".

 

فلنبدأ من جديد

تضع أسماء في مجموعتها سؤال الموهبة والصنعة في مأزق محيّر، وتسحب الشعر خطوة محمودة أخرى من طريق السلاسة، وتضعه في موقف حرج، أمام الموسيقى الداخليّة وضوضاء العالم المتزايدة في أرواح الشعراء. قصائد المجموعة أشبه بفصول معرفيّة مليئة بالعاطفة لمَنْ يلتقطها، تحملك بمشاعر وتفاصيل عميقة تصارع السطح، لا تعرف إن كنتَ بعدها مثقلًا أم أكثر خفّة.

كتاب الشعر الجيّد هو الّذي تشعر بعده بأنّك قرأت غير كتاب، وخضت غير تجربة، وتألّمت غير ألم، بالتأكيد كتاب أسماء هذا واحد من هذه الكتب، رغم أنّها تصرّ على ألّا نصدّقها. وكتابها من الكتب القليلة الّتي تجعلني أتساءل: في أيّ تاريخ كتبَتْ كلّ قصيدة؟ وفي أيّ مكان؟ وكيف؟ الشاعرة جعلتني ألهث وراء كلّ هذا الجمال. كلماتها كانت أشبه بحجارة بناء أثريّ جميل. لا أريد شيئًا الآن إلّا أن أنسى ما رأيته في هذا الكتاب؛ لأتمكّن من زيارته مجدّدًا.

أكنتُ أقول لكم قصيدةً؟

ماذا تقول؟

فلنبدأ من جديد!

 

 

يحيى عاشور

 

شاعر فلسطينيّ من مواليد غزّة عام 1998. يدرس علم الاجتماع وعلم النفس في جامعة الأزهر – غزّة. عضو في عدد من الأطر والمبادرات الأدبيّة والأكاديميّة. حصل من "برنامج اليس" على منحة للتبادل الثقافيّ مدّتها عام في ولاية أوهايو الأمريكيّة. له مجموعة شعريّة بعنوان "أنت نافذة... هم غيوم" (مؤسّسة تامر للتعليم المجتمعيّ، 2018)، وهو حاصل على جائزة "كتابي الأوّل" من مؤسّسة تامر.