في قلبي حفرة صغيرة

ريتو شينا (الهند)

 

لم أرغب يومًا في أن يصير قلبي

مقبرة،

فكلّ الذين أحببتهم فيما مضى

وقتلتهم فيما بعد

دفنتهم في الذاكرة.

 

حين مُتَّ

سيّجتُ لك قلبي كلّه،

وحوّطّتُ قبرك بالورود

حتّى صار قبرك

حديقة.

 

أزورك وحدي مساءً

في العتمة،

فكلّ الّذين فرحوا

حين رأوا خطّين على

جهاز فحص الحمل

البيتيّ

حزنوا عندما علموا بأنّك

راحل،

وقالوا إنّهم سيجّددون

حضورهم في موعد فرحٍ لاحق

وذكّروني بأنّنا لا نحدّ

على الأطفال الصغار

فكيف لنا أن نفعل ذلك

على الأجنّة؟

ثمّ أداروا ظهورهم

واشتغلوا كالعصافير

ينقلون الحكاية من فمٍ

لآخر...

 

لكن ليس هذا ما جعلني

أحوّل قلبي لمقبرة،

ففي البداية لم أفكّر بتفاصيل

الحِدادِ والجنازة،

إنّما تساءلتُ لماذا ترتدي

النساء اللّاتي ينجبن أطفالًا

واللّاتي يُسْقِطْنَ أطفالًا

القمصان الورديّة ذاتها في المشفى؟

 

ولماذا تسألني الممرّضة إن كنتُ

أودّ أن أرضِع طفلي الآن

في حين أنّ صدري لا تفوح

منه رائحة الحليب

وطفلي يتفتّتُ بفعل

كبسولاتٍ ذوّبتُها تحت اللسان

من يد ممرضّةٍ أخرى؟

 

وخطر لي حينها

أن أعلّق لوحةً فوق سريري

مكتوبٌ عليها:

ترقد هنا نصف أمّ،

رقودًا مؤقّتًا

لحين يكفّ جنينها عن التأرجح

والدوران

وينزلق من بين قدميها

بقعةَ دم.

 

لكنّي سرعان ما نسيتُ الأمر،

وانشغلتُ بتعداد الأطفال الّذين

سأنجبهم فيما بعد،

وستكون محبّتي لهم مشوبةً

بفقدانٍ قديم.

 

وظللتُ أسقي الأمل حتّى

تدلّى مثل مدّادة،

فنحن نخال أنّ الموت يتسلّى بنا

ويلقي نكاته هنا وهناك،

وبأنّ هذا الكابوس لن يكون في النهاية

 إلًا مزحةً ثقيلة...

 

لكنّك سَقَطْتَ دفعةً واحدة

 في قعر المرحاض،

ومن يومها كلّما باعدتُ

 سهوًا بين ساقيّ،

شعرتُ بك تنزلق من جديد

فأسارع في ضمّهما

وفي الانغراس مكاني

مثل شجرة.

 

وظللتُ أعوي مثل ذئبٍ جريح
هناك في الغرفة الباردة،

حتّى تذكّرتُ أمر الجنازة،

ولأنّي لم أجد شيخًا، ولا معزّين

ولا حفّاري قبور

نكشتُ في قلبي حفرةً صغيرةً

بحجم عصفور،

لأنّهم ظلّوا يقولون لي

إنّك ستصير طيرًا في الجنّة

وأنا لم أفكّر حينها سوى

 في أنّي لا أفهم لغة الطيور،

ولا أعرف طريق الجنّة

لكنّي أذعنتُ وآمنتُ بالنبوءة،

حتّى أراك،

مجدّدًا أراك،

طفلًا أو عصفورًا أو وردة.

 

وكلّما سمعتُ زقزقةً في الليل

قلتُ: هذا قلبي

فيه كلّ هذا الغناء الحزين،

وحفرةٌ صغيرة.

 

 

* حازت هذه القصيدة على المرتبة الأولى في «جائزة سلوان عبّاسي لأدب المرأة - مسابقة الشعر» (الدورة الأولى، 2021).

 

 

نورة صالح

 

 

طالبة ماجستير في مجال ثقافة وأدب الأطفال بـ «جامعة تل أبيب»، حاصلة على البكالوريوس في اللغة العربيّة من «كلّيّة سخنين». خرّيجة ورشات الكتابة والنقد لأدب الأطفال في «دفيئة حكايا»، ومرشدة كتابة إبداعيّة للأطفال.