من أطلق النار على الحبيب بورقيبة؟

تناسخ | موريس أليس

 

-1-

لم يكن المُلازم مصطفى كمال - 77722، يرغب بتلبية الدعوات الجماهيريّة للإفطار العلنيّ في اليوم الأوّل من شهر رمضان اللئيم. اكتفى عِوضًا عن ذلك بإفطار بسيط في مطبخه الصغير، كوب من القهوة وقطعة أو اثنتين من الكورواسون وملعقة كبيرة من مربّى المشمش. لم يكن يرغب في قضاء الوقت مع الآخرين، وخاصّة أبناء هذا الجيل المملّ، بل فضّل مجالسة القدماء العظماء الذين عاشوا وكافحوا في حقب التاريخ الملحميّة والمفصليّة.

لهذا، فضّل الملازم مصطفى كمال قراءة كتاب قديم استعاره من مكتبة "تشارلي إيبدو" الوطنيّة وسط العاصمة. غمّس قليلًا من الكورواسون في مربّى المشمش، وشرب رشفة من القهوة، وانغمس في كتاب "سوبرمان العربيّ: عن الله والزواج والرجال الذكوريين واختراعات كارثيّة أخرى"، للمناضلة جومانة حدّاد. قرأ بصوت لا مرتفع ولا منخفض، أبياتًا من قصيدة كتبتها الثائرة: "أنا لا أؤمن بالله لأنّني أعرف كيف أدمّر نفسي بنفسي… أنا لا أؤمن بالله لأنّني إلهة نفسي ولأنّني أفضّل أن أؤمن بنفسي".

ياااااه!

كم هي عظيمة هذه المناضلة، فكّر المُلازم مصطفى كمال، قد تكون أبياتًا عاديّة في هذا الزمن المملّ، ولكن كيف امتلكت هذه المرأة الجرأة لكتابة مثل هذا الكلام الشجاع والنقديّ قبل قرنين في وسط عصر الظلام والتكفير؟ كيف قارعت هذه المقدامة لوحدها أربعمائة مليون عربيّ ومليار مسلم؟

مرّت ثلاث سنوات على دخول المُلازم مصطفى كمال إلى الخدمة كرئيس لوحدة هندسة المستنسخين في شرطة العاصمة، وتبقّت ثلاث سنوات أخرى قبل إخراجه من الخدمة، ولم يحدث أيّ شيء يُذكر. أين التفجيرات الإرهابيّة؟ أين المجازر بالرشاشات وقطع الرؤوس؟ أين استعباد النساء وبيعهنّ في السوق السوداء؟ أين إعلانات الخلافة والتحالفات الدوليّة المتنوّرة العادلة للردّ عليها؟

رنّ الهاتف النقّال  للمُلازم مصطفى كمال فجأة. نظر إلى الشاشة فوجد أنّ العقيد مُصطفى كمال 9001 يرنّ عليه.

- نعم سيّدي!

- أيها الملازم، معك ثلاثون دقيقة لتصل إلى قصر الحبيب بورقيبة، يبدو أنّ أحدهم أطلق النار عليه.

- حاضر سيّدي!

قال الملازم قبل أن تنفجر في رأسه شلّالات من الحماسة والنشوة والتوتر. 
 

-2-

في السنة الأولى من القرن الحادي والعشرين، بدأ المسلمون بتنفيذ خطّتهم للسيطرة على العالم. هاجموا مدينتيّ نيويورك وواشنطن، ومن ثمّ قامت الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران بغزو العراق وقتل قادته العلمانيين، وفي تركيا حصل انقلاب عثمانيّ على العلمانيّين الكماليّين الشجعان الذين كانوا قد حاربوا في سبيل التنوير لعدّة عقود. وخلال عقدين، سيطر المسلمون على تونس ومصر وليبيا وسوريا ولبنان وحتى على أجزاء كبيرة من أوروبا وأعلنوا إقامة الخلافة في العراق والشام.

تشكّل تحالف علمانيّ متنوّر من أجل ضرب هذا الخطر الهائل، وقد نجح الردّ في البداية لعدة عقود، إلا أن قُطعان المسلمين الغاضبة والعنيفة رجعت وغزت الدنيا مرّة أُخرى على رقعة كبيرة بين آسيا وإفريقيا وأقاموا خلافة جديدة دامت سبع أسابيع في عام 2050. يعود قِصر هذه المدّة إلى قوّة ونجاعة السلاح النوويّ. قامت الخلافة الجديدة بجمع الرؤوس النوويّة الباكستانيّة بالصواريخ الإيرانيّة والغوّاصات المصريّة وأطلقوا صاروخًا على عاصمة التنوير مدينة باريس ودمّروها، فردّ العالم المتحضر، وخرجت مئات الطائرات والصواريخ والقذائف من الهند والصين والولايات المتّحدة وروسيا وبريطانيا، وطبعًا من فرنسا الجريحة، فانتهت مشكلة الإسلام بعد أربعة عشر قرناً من الرعب والاجرام. 

في عام 2120 انعقد في مدينة نيس جنوبيّ فرنسا، المؤتمر المتوسطيّ العلمانيّ الأول لأبناء شمال إفريقيا والشرق الأوسط في المهجر، والناجين من المحرقة النوويّة الإسلاميّة. تمحورت أجندة الاجتماع حول إمكانيّة إعادة بناء حضارات جنوب المتوسط وجنوب البحر الأسود بعد خمسة عشر قرنًا على الكارثة الإسلاميّة المدمّرة. في المؤتمر العلمانيّ التاسع عام 2133، تقررّ إنشاء وطن قوميّ للمتوسّطيين العلمانيّين على أرض ما كان يُعرف بالجمهوريّة التونسيّة، خاصّة وأنّها كانت الأقلّ تعرّضًا للقصف النوويّ، وأنّها كانت واحة للتسامح والديمقراطيّة حتى في وسط عصر التكفير والظلاميّة. 

في المؤتمر العلمانيّ الرابع عشر، عام 2141، استُخدم مصطلح جمهوريّة قرطاجة للإشارة إلى هذا الوطن القوميّ، وفي المؤتمر الخامس عشر عام 2145، تمّ تبنّي الاسم الرسميّ لهذا الوطن الجديد: جمهوريّة قرطاجة المتنوّرة العلمانيّة اللادينيّة اللاإسلاميّة النومديّة الفرعونيّة الفينيقيّة الكنعانيّة البابليّة. في المؤتمر الثامن عشر 2150، تم إحياء ذكرى مرور مائة عام على الكارثة النوويّة الإسلاميّة التي أدّت إلى موت المليارات من النساء والأطفال الأبرياء، حيث تمّ تدشين مستوطنة قرطاجة الأولى المقامة على أراضي العاصمة التونسية. 

في المؤتمر العلمانيّ الحادي والعشرين في عام 2059، تمّت صياغة المسوّدة الأولى من الدستور القرطاجيّ، والذي أكدت مواده على علمانية الدولة. وفي المؤتمر الثاني والعشرين في عام 2062، تمّت إضافة مادّة تقرّ أن الفرنسيّة والإنجليزيّة هما اللغتان الرسميّتان في البلاد، وأنّ الدستور يُقرّ بِحريّة اللغة، وخاصّة لغة الشعوب التي أُبيدت أو انتهكت من قبل المسلمين، مع وضع قيود على اللغات التركية والفارسية والحظر التامّ للّغة العربيّة بوصفها اللغة الأساسيّة لكتابهم المحظور المدعو بالقرآن. 

وفي ذات الدورة من المؤتمر تمّت إضافة مادة خاصة بإنشاء مجلس للحكماء من أجل صيانة الدستور وحماية العلمانيّة، وفي عام 2167، دخل الدستور القرطاجيّ حيز النفاذ بعد إتمام مهام إنشاء مجلس الحكماء المتنوّرين. لم تكن عمليّة إنشاء المجلس سهلة، خاصّة وأنّها قد ضمّت في عضويّتها أكثر من خمسين مستنسخًا لشخصيّات تاريخيّة علمانيّة متنوّرة مثل جون لوك، وجان جاك روسو ومنتسكيو وفولتير ودينس ديدرو وتوماس جيفرسون وكريستوفر هتشينز وريتشارد دوكينز وسام هاريس وأدونيس، وبالطبع، الحبيب بورقيبة.

-3-

اللاإسلام هو الحل.

هكذا كُتب بالإنجليزيّة والفرنسيّة تحت صورة لرجل راقٍ يلبس بدلة بربطة عنق أنيقة يحمل في يمينه كأسًا من النبيذ، وفي شماله علم قرطاجة. هذه اللّافتة الضخمة كانت تُغطّي جدران أحد المباني القريبة من بيت الملازم مصطفى كمال. في الشارع المحاذي لذلك المبنى كانت دوريّة لشرطة العلمانيّة، أو هيئة الأمر بالعلمانيّة والنهي عن الدين. وقف على ذلك الحاجز عنصران من الشرطة يستخدمان أجهزة الكشف عن الصيام على المارة بالمركبات الأرضية.

في إحدى الاجتماعات الأولى لمجلس الحكماء المتنوّرين، كان هناك عددٌ من الأسئلة الأساسيّة للحيثيّة التي ستُنفّذ بها أيديولوجيّة الدولة. أحد تلك الأسئلة الأساسية تمحور حول ما يتوجّب فعله بالتقويم الهجريّ على العموم وشهر رمضان بالذات. فريق من الحكماء قال إنه يجب دفن التقويم في أعماق التاريخ المنسيّ، خاصّة وأنّ قلّة من الناس تابعوا واستخدموا هذا التقويم المجنون حتى في عصور الظلاميّة والتكفير. أمّا الفريق الثاني فردّ بأنّه على كلّ مواطن علمانيّ صالح أن يتذكّر موعد حلول رمضان من أجل أن يمارس حقّه بالإفطار فيه عمدًا وعلنًا. وهكذا تقرّر أن تحتفل جمهوريّة قرطاجة بموسم رمضان، نكاية بموسم رمضان.

قطع الملازم مصطفى كمال الشارع واتّجه إلى موقف الحوّامات، كان مستعجلًا ومتحمِّسًا لمعرفة ما حدث مع الحبيب بورقيبة. هل هي محاولة اغتيال؟ هل سيعود المسلمون؟ هل ستقوم خلافة جديدة؟ هل ستحارب الجمهوريّة ضدّها؟ سيطلب حيها الملازم مصطفى كمال أن يرسلوه إلى الجبهة الأماميّة في أرض الخراب المشعّة نوويًّا في كابل ومكّة وبغداد والخرطوم، سيحارب وسيقاتل وسوف يموت سعيدًا.

صعد المُلازم في حوّامته الطائرة وانطلق في سماء قرطاجة العاصمة. كانت مدينة بيضاء رخاميّة خالية من الشوائب مليئة بالصروح الضخمة والأبراج الكبيرة، والذي زاد من جمال تلك المدينة في عينيّ المُلازم في ذاك الصباح على وجه التحديد، وخاصّة بعد أن أطلق أحدهم النار على الحبيب بورقيبة، هو أنّها قد باتت مرّة أخرى، واقعة تحت تهديد وجوديّ.

كلّ ما بناه أبناء وبنات ومستنسخي قرطاجة بات أكثر بهاءً في ذلك الصباح.

جامعة أوليفيا العلمانيّة، المؤسّسة العلميّة الأولى عالميًّا في مجال العلوم الاجتماعيّة العلمانيّة وتقنيات فصل الدين عن الدولة.

مجلس الحكماء المتنوّرين، ذي القبّة الضخمة والأعمدة الرشيقة المتّزنة.

تمثال حريّة التعبير عن الرأي على جزيرة شكله وسط بحيرة العاصمة. كان صرحًا يبلغ طوله مائة وخمسين متر للبطل المقدام سلمان رُشدي وهو يمتطي مفتول العضلات حصانًا ويُمسك بيمينه قلمًا على شاكلة رمح يهزم فيه المستبدّ الإمام الخميني، الذي جاء منحوتًا على شاكلة تنّين معمّم الرأس مسحوق مهزوم تحت أرجل حصان.

وأمّا الصرح الأكبر في شمال العاصمة، فهو القصر الرئاسيّ القرطاجيّ والذي يبلغ حجمه ثمانية وعشرين كيلومترًا مربّعًا وارتفاعه ثلاثمائة متر، ذلك لأنّه يحوي رئيسة الجمهوريّة ومؤسّستها، القائدة الخالدة، ميكا-نوال سعداوي. (1) في عصر الظلام والتكفير، كانت ميكا - نوال السعداوي مناضلة بشريّة تُدعى نوال السعداوي، ناضلت ضدّ المسلمين ومنظومتهم الظلاميّة القامعة قرنًا كاملًا، وتمكّن أنصارها من إنقاذ عقلها العظيم الرائع الذي لا مثيل له، ووضعوه في هيكل آليّ من أجل استمرار رسالتها النبيلة إلى أبد الآبدين، ولإثبات أنّ الأنثى بإمكانها أن تبقى حيّة ولا تموت، وليس فقط إله المسلمين الذكر. في البداية وضع عقلها في هيكل آليّ يبلغ طوله 5 أمتار، واستمرّوا في تطوير هيكلها والإضافة عليه قبل حرب الخلافة النوويّة وبعدها وأثناء رئاستها للمؤتمرات العلمانيّة وتأسيسها لجمهوريّة قرطاجة حتّى وصل طولها إلى سبعين مترًا وهي مدجّجة بأحدث التكنولوجيا الدفاعيّة ضد الدين (هناك إشاعات أنّها تملك رؤوسًا نوويّة).

-4-

وصل المُلازم مصطفى كمال إلى مسرح الجريمة بعد خمسة دقائق من الطيران. هبط بجانب بيت الحبيب بورقيبة، حيث كانت هناك دوريّات للشرطة العلمانيّة ومكتب الأمن المركزيّ العلمانيّ وقوّات حفظ العلمانيّة.

ضرب المُلازم التحيّة للعقيد مصطفى كمال 9001 ولرفاقه الآخرين. توجّهوا نحو جثّة بورقيبة في المطبخ.

" موعد الوفاة، الساعة الرابعة والنصف صباحًا"، قبل الفجر قال العقيد مصطفى كمال.

 "هل هناك أيّ شهود على حادثة الاغتيال يا سيّدي؟" قال المُلازم.

- لدينا ما هو أفضل من الشهود.

- حقًّا؟! هل قبضتم على القاتل؟

- نعم.

شعر المُلازم مصطفى بدقّات قلبه تتسارع، أراد أن يرى عدوّه، أن ينظر إليه وأن يلمسه بيده: "من هو؟"

- الموظّف الأمنيّ مصطفى كمال 53338 الحارس الشخصيّ للحبيب بورقيبة.

خلال المؤتمرات العلمانيّة التي سبقت إنشاء جمهوريّة قرطاجة، كان هناك جدلًا واسعًا حول كيفيّة تنفيذ العلمانيّة في الوطن القوميّ الجديد. بعض المؤتمرين طالب بتنفيذ النموذج السوفيتيّ، إلّا أنّ هؤلاء تمّ استبعادهم من المؤتمر (وتمّ اعتقالهم من قبل السلطات الفرنسيّة بتهمة الانتماء إلى تنظيم ستالينيّ). الآخرون طالبوا بتطبيق العلمانيّة الأنجلوسكسونيّة، إلّا أنّهم كانوا عددًا محدودًا من المُؤتمرين. معظم المُؤتمرين كانوا معجبين بالعلمانيّة الفرنكفونيّة، إلّا أنّهم لم يعرفوا الطريقة المُثلى لتطبيقها في الجمهوريّة الموعودة، فالحبيب بورقيبة (الأصليّ)، حاول تطبيقها في القرن العشرين ولم ينجح، لهذا وجد المؤتمرون أنّ من الأفضل خلط العلمانيّة النظريّة الفرنسيّة بالعلمانيّة التطبيقيّة التركيّة، خاصّة وأنّ مصطفى كمال اتاتورك كان الأكثر نجاعة تاريخيًّا في تحويل بلد إسلاميّ إلى بلد حديث علمانيّ (حتّى لو كان هذا النجاح مؤقّتًا).

لهذا، اقترح بعض المؤتمرين، ومنهم القائدة الخالدة نوال السعداوي، زيادة فعاليّة العلمانيّة التركيّة عن طريق جعل كلّ موظّفي الأمن والشرطة مستنسخين من التركيبة الوراثيّة لمصطفى كمال أتاتورك. اعترض بعض الحاضرين على ذلك، لأنّهم رأوا حساسيّة في أن يحكم الجمهوريّة المستقبليّة مستنسخون ذوي أصول تركيّة، خاصّة مع تجربة الحكم العثمانيّ. إلّا أن هؤلاء المؤتمرين الأقليّة، اقتنعوا لاحقًا بأنّ المستنسخين الكماليين هم الطريقة الفُضلى لضمان عدم عودة الخلافة الإسلاميّة، فالدين هو الخطر الكبير وليست الأصوليّة القوميّة. وهكذا، اتّفق المؤتمرون على إضافة بند في الدستور بإنشاء وزارة الداخليّة العلمانيّة والتي تضطلع بمهام حفظ العلمانيّة، وأن يكون كلّ موظّفيها من المستنسخين، وتصل أعمارهم التشغيليّة إلى ستّ سنوات فقط، حتّى لا تتكوّن لديهم أيّ نزعات انفصاليّة قوميّة مع الوقت.

جلس حول الطاولة في غرفة التحقيق، المُلازم مصطفى كمال والعقيد مصطفى كمال والحارس الشخصيّ مصطفى كمال. 

"لماذا أطلقتَ النار على الحبيب بورقيبة؟" سأل الملازم.

"كان الأمر أوتوماتيكيًّا." أجاب الحارس الشخصي.

"نحن مستنسخون وكل ما نفعله أوتوماتيكيّ، لكن في ذات الوقت كلّ ما نفعله قائم على المنطق" قال العقيد.

"بدا لي الأمر وكأنه منطقيّ في تلك اللحظة، أقسم لكم!" قال الحارس الشخصيّ. 

"كيف؟" قال الملازم. 

"كنت في تلك اللحظة متأكداً أنّني في حضرة العدوّ "قال الحارس الشخصي. 

"بورقيبة؟ عدو؟! هل أنت مستنسخ إسلاميّ؟!" قال العقيد. 

"لا، لقد فعلت ذلك لحماية العلمانيّة!" قال الحارس الشخصيّ

"لا أفهم، كيف تحمي العلمانيّة بقتل أحد رموزها؟" قال الملازم

"لقد استيقظ بورقيبة من النوم في اليوم الأوّل من رمضان، وذهب لشرب عصير المشمش الثقيل، جاءتني معلومات من السجلاّت القديمة المزروعة في رأسي، أنّ عصير المشمش الثقيل كان يُسمى بقمر الدين من قبل المسلمين المشارقة، وكانوا يستهلكونه في وجبة قبل الفجر تُدعى السحور فوجدت نفسي آنيًّا أطلق النار عليه للتخلّص من الخطر الإسلاميّ". 

-5-

في الليلة ذاتها، كان المُلازم مصطفى كمال يشاهد التلفاز. لم يقرأ كلمة واحدة من كتاب جومانة حداد، ولن يكمل قراءته على الأغلب. كان يشاهد قناة الاخبار: 

تبادل الاتّهامات والشتائم بين الحزب الحاكم العلماني الفرنكفونيّ وحزب المعارضة العلمانيّ الانجلوسكسونيّ بشأن المسؤوليّة الأمنيّة عن حادثة الاغتيال. 

احتفالات بإعادة استنساخ الحبيب بورقيبة وإدخاله إلى الخدمة غدًا.

 متظاهرون على جزيرة شكله، أمام تمثال سلمان رشدي، يتظاهرون ويلوحوّن بأعلام قرطاجة ولافتات تقول: "لا، لن يقتلونا ولن يُسكتوننا".  

وخطاب القائدة الخالدة رئيسة الجمهوريّة ميكا-نوال السعداوي على عرش طوله مائة متر: "لقد أثبتت التحقيقات أن المسلمين هم من اغتالوا الحبيب بورقيبة، يبدوا أن عمليّة الإبادة الإسلاميّة ضدّنا نحن العلمانييّن المتنورين لم تتوقف، ويبدو  أنّ هذه الحرب ما زالت قائمة ضدّنا، وعليه سنضرب بيد من حديد" قالت وهي تضرب كفّها الحديدية بقبضة من حديد.

رنّ الهاتف فإذا هو العقيد مصطفى كمال مرة أخرى.

"مرحبًا أيها الملازم" قال العقيد. 

"مرحباً سيدي" ردّ الملازم. 

"أريد أن أعلمك بخبر سيء وبالغ الأهمية، إن الحارس الشخصي مصطفى كمال 53338 ليس الوحيد الذي سيخرجونه من الخدمة" قال العقيد. 

"أنا أيضًا؟" سأل الملازم. 

- ليس فقط أنت، سيخرجونني أنا أيضًا من الخدمة، وكذلك 143 مستنسخًا آخر من مختلف الأجهزة الأمنيّة، هنالك عملية تطهير وتغطية كاملة من أجل السيطرة على الوضع.

- كم سنة خدمت يا سيدي؟

- واحدة فقط، أنت؟

- ثلاث، لكنني لم أعد أرغب في الثلاث المتبقية.. .ما هي الحادثة الأكثر إثارة للاهتمام خلال السنة التي عشتها يا سيدي.

- كنت مرّة في المترو أجلس مقابل امرأة كهلة، أخبرتني عن حادثة وقعت قبل عقدين، قتل فيها مستنسخ أحد المواطنين القرطاجنيين.

- حقاً؟ كيف حدث ذلك؟

- كان هناك طفل يلعب جنوبيّ العاصمة على دراجة هوائية، فسقط على الأرض، فقال الرجل القرطاجنيّ جملة "يا ساتر" على مسمع مستنسخ، فأطلق النار عليه... في سبيل الحفاظ على العلمانيّة.

 


 

فخري الصرداوي

 

 

كاتب وقاصّ من رام الله. يعمل في مجال القانون الدوليّ والعلوم السياسيّة، حاصل على الماجستير في العمل الدوليّ الإنسانيّ من "جامعة ديوستو" في إقليم الباسك. يهتمّ بالكتابة الساخرة من المجتمع التقليديّ، ومن ثقافة الصوابيّة السياسيّة على حدّ سواء.