ملح

هنري ماتيس، رقص (1909)

 

منذ فتحتِ باب الليل لي ولزجاجتي

ابتدأتِ بالحديث عن الندامة وجيوشها

لكنّكِ قلتِ أهلًا بمحمّد 

يسوق القرن الحادي والعشرين إلى أريكتي.

 

***

 

في كيسٍ من الورقِ المقوّى، جرت العادة 

أن أحمل رأسي إليكِ/ إلى جانب الملح والليمون الأخضر

الطنين الرهيب يـدقّ في أذنيه.

ضمّيه بفخذيكِ الدّسمين ولا تكوني أكثر قسوةً من الجغرافيا

ثمّة رائحةٌ تذكّرني بالعجين، بقميصٍ ارتوى مرارًا من عَرَقِ مَنْ نحبّهم

ضمّيه مثل جروٍ يثير حفيظة البؤس والفكاهة   

ضمّيه بفخذيكِ الدسمين، أو أعيديه إلى كتفيّ التمثال.

 

***

 

أناديكِ؛ فينحتُ لساني اسمكِ بالهواء

تنادينني؛ فيصعد اسمي مثل فوج قرودٍ شبقةٍ شجرتَكِ الباسقة

هكذا، نترك لاسمينا السرير ونجلس على العتبة نضحكُ وندخّن

ليس صدفةً، في هذي الليلة، أن يكونَ القمر هلالًا

في الخارجِ، خطواتٌ مبتهجةٌ تملأ نصف عزلتي

في السقف، نصف غيمةٍ يلهو في ظلّها الأطفال.

 

***

 

تحت نافذة ظليلةٍ بالفجر والفضول

حدّثْتني عن الندامة تتسلّل كالأفعى إلى مريئكِ

وحدّثتكِ عن الصخرة الّتي هشّمتُ عليها أنياب ضميري

عن الدموع الّتي زوّرتها الكحولُ فصارت ضحكاتٍ تليق بعربيدٍ حزين

يحمل رأسه في كيسٍ من الورق المقوّى

سأصعد في ليلتنا هذه، الليلة الّتي جعلتْ من شبابي زوبعة، 

إلى حيث شيخوختي ذائعة الصيت

وحتّى ذلك الوقت، سأزوركِ كلّ ذكرى ميلادٍ لأطمئنّ على طفولتك

فارمي بندامتكِ وأناملكِ المرعوبة إلى جيوب الدفء

كي لا يتجرّأ الحظّ، مجدّدًا، على خيانتك.

 

***

 

ابتسامتكِ الهشّة اللدودة لن تنال من عبقريّتي

منذ هَضَمَتِ الوحوش قلبي وأنا أدسّ البهجة في الحواسّ 

وأستحضر أرواحًا ترقص في برازخها

وأجعل من الضيف المريب مهرّجًا يبدّد الوجل والارتباك

وأسير إلى مكارم الذنوب محاطًا بالأبّهة والهتافات؛

فتعالي كي أعصر دماغي كالإسفنجة في وريدكِ.

منذ قلتِ لمحمّد القرن الحادي والعشرين: أهلًا

ورأسَهُ يتمرّغ على ربوة مؤخّرتكِ العارمة بالملح والليمون والأخضر.

 

 


محمّد عريقات

 

شاعر وكاتب فلسطينيّ يقيم في الأردنّ. صدرت مجموعته الشعريّة الأولى تحت عنوان 'أرمل السكينة' بطبعتين، عن المركز القوميّ للدراسات والتوثيق في فلسطين 2009، وعن المؤسّسة العربّية للدراسات والنشر في بيروت 2010. صدرت مجموعته الشعريّة الثانية 'أكلتني الشجرة'، عن المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر في بيروت 2016. حاصل على عدّة جوائز أردنيّة وعربيّة. يعمل في مجال الكتابة الدراميّة في المركز العربيّ للإنتاج الإعلاميّ.