نزهة على الأكتاف

جان ميشيل باسكيات، الركوب مع الموت (1988)

 

لا

عندما وصل الرجل إلى منصّة الإعدام سأله الشرطيّ: هل ترغب بطلبٍ أخير؟ فقال: لا.

سأل الشرطيّ ساخرًا: لا... ببساطة لا؟

قال الرجل: انطقها جيّدًا أرجوك... لقد كلّفتني حياتي!

 

عمل 

كانت الساعة السادسة صباحًا، الأجواء ربيعيّة والحياة رائعة والأوقات الثمينة تنفد على مهل، وكان هنالك رجلٌ يبحث في القمامة عن علب الكولا والبيرة الفارغة، يضغطها بقدمه ويلقي بها في صندوقٍ يحمله على كتفه.

وفي الجهة المقابلة، كان هنالك مَنْ يدخل الزحام بهمّةٍ ونشاطٍ ويبحث عن أناسٍ بعينهم... يضغطهم بقدمه الضخمة... ويلقي بهم في صناديق مغلقة تُسَمّى توابيت!

وكانت الأجواء ربيعيّة والحياة رائعة والأوقات الثمينة تنفد على مهل. 

 

تماوت 

أسعل وأتلفّت حولي...

لا يلفت انتباه الناس عادةً رجلٌ وحيدٌ يسعل!

سأتماوت إذن... أرتمي بالقرب من شاورما الريم ويهرع الناس...

تقول فتاة جامعيّة: أنا أوّل مَنْ رأى الجثّة... تتصوّر معي سيلفي وتمضي!

تمرّ شاحنة: بيت الدفن الإسلاميّ... يقول السائق: هيّا إلى الصندوق الخلفيّ...

يردّ معلّم الشاورما: الإسعاف بالأوّل.

ثمّ يحدث الشجار... رأيت السائق يضرب معلّم الشاورما ورجلٌ بمريولٍ أبيض أغلب الظنّ أنّه صيدلانيّ يشدّ شعر الشيخ، وكانت فتاةٌ تصرخ: إنّهم يتحرّشون بي... ويحتدم الشجار مجدّدًا...

نهضتُ وقلت : أذهب إلى الشقّة.

لكنّهم كانوا يركضون خلفي: عودي أيّتها الجثّة! 

 

جثث طازجة 

ذهبنا للمقبرة. ثمّة جثّةٌ طازجةٌ دُفِنَتْ حديثًا

صادفنا كلبًا متّسخًا يرتمي أسفل شجرة... وعشبًا منهكًا ينمو على حوافّ السور العالي

قرأنا الفاتحة... وتبادلنا العزاء فيما بيننا

بعضنا قال كلامًا غامضًا يشبه الرثاء 

أطلنا المكوث حتّى تنبّهنا إلى جثثنا تتفسخ بيسرٍ هناك... قال شيخٌ معنا: هذا يكفي... ومُنافٍ للشريعة

فقلنا: نعود أدراجنا هادئين

لكنّا تنبّهنا، فجأةً

إلى أنّنا محمولين على الأكتاف! 

 

أناقة

الليل: معطفٌ أسودُ كبير.

الرجل الّذي يتدلّى من المشنقة: ربطة عنق.

 

في المشهد

في المشهد أمّهاتٌ طيّباتٌ مهووساتٌ بالغسيل... يُنْهينَ غسيل العائلة باكرًا ويتوجّهنَ على شكل سربٍ إلى المستشفى ليغسلن الكلى!

في المشهد ضوءٌ طازجٌ يسقط على الفاترينا المملّة... يدٌ ترتّب الأشياء... رائحة الصيف الحارّة تتسرّب من ردهات البيوت العتيقة... في المشهد طفلٌ يهوي وليس ثمّة قاع... أغنيةٌ ريفيّةٌ ممزوجةٌ برائحة الهيل والعرق بعد أن يجفّ على الياقات المهترئة... بنتٌ تسكب الشاي وأخرى تشطف العتبات الناعسة.

في المشهد جمهورٌ من الموتى يتردّدون على أحلام رئيس البلديّة... يرفعون يافطاتٍ مكتوبٌ عليها: نطالب بترميم سور المقبرة! 

يظهر على شكل وميضٍ للحظةٍ ويختفي: باب، حافّة درابزين، شجرة مشمش، أثلام، شهداء، ما تيسّر من سورة الرحمن، مواويل، دبكةٌ شعبيّة، ثمّ بتتابعٍ مضنٍ: رسالة، رسالةٌ وشريط أغانٍ، ابتساماتٌ عجولة، زجاجة عطرٍ رخيص، لمسة يدٍ، همسٌ جافٌّ حزين، قبلةٌ حارقةٌ في الزقاق، مسدّس، صرخةٌ مدوّية، بقعة دم... بقعة دمٍ كبيرة، بقعة دمٍ تتّسع باطّراد... لتشمل الكون!

 

مشهد أوّل 

3

2

Cut

ثمّ يتدحرج رأسي أمامي!


 


عامر الشقيري

 

 

كاتب أردنيّ، صدرت له مجموعتان قصصيّتان بعنوان "هزائم وادعة" (2013)، و"تداعيات مسخ مسالم للغاية" (2015)، حصل على جائزة الإبداع الشبابيّ للقصّة القصيرة عام 2011، وجائزة  القصّة القصيرة عن موقع "سواليف" في دورته الأولى.