سوسن كردوش قسّيس... فلسطينيّة تترجم الأدب الدنماركيّ إلى العربيّة

سوسن كردوش قسّيس

 

من الناصرة إلى كوبنهاجن

من الممتع دائمًا التحدّث إلى أشخاص يشبهونك في الغربة، فكم بالحريّ حين يكون الحديث مع ابنة بلدك ومدينتك، حيث تدور اللقاءات بلغة لا يستطيع إتقانها سوى أولئك الّذين نشؤوا في المدينة نفسها.

التقيت سوسن كردوش قسّيس منذ نحو عقد في كوبنهاجن، وتكرّرت اللقاءات، وتابعت خلالها رحلتها في الترجمة ونقل الأدب الدنماركيّ إلى اللغة العربيّة، حتّى جاءت هذه المقابلة في شقّتها المطلّة على أجمل مناطق كوبنهاجن.

بادرت إلى إقامة العديد من المشاريع والأنشطة، أبرزها «نادي الكتاب»، و«البيت الفلسطينيّ» الّذي شهد العديد من الفعاليّات الثقافيّة، واستضاف العديد من الكتّاب والأدباء والفنّانين من العالم العربيّ...

وُلِدَت سوسن في مدينة الناصرة، وتعلّمت في مدارسها، أنهت الماجستير الأدب العربيّ؛ إذ قدّمت رسالتها عن المرأة في كتابات غادة السمّان.

تعيش سوسن في كوبنهاجن منذ 1993، وتقول إنّها عندما انتقلت إلى الدنمارك لم يكن لديها معلومات كافية عن البلد، وتضيف: "عرفت فقط عن شكسبير وما درسناه في الأدب الإنجليزيّ، ووجدت نفسي في عالم تختلف صورته عن الصورة الّتي لديّ. تختلف كوبنهاجن عن كلّ عواصم أوروبّا الّتي زرتها، كما لو أنّ كلّ شيء في المكان متشابه؛ الألوان ذاتها، ملابس الناس، حتّى البضائع في السوبرماركت غير متنوّعة، كلّ شيء كان أحاديًّا أو ثنائيّ اللون. شعرتُ بغربة كبيرة، حتّى اللغة لم تكن مألوفة، ولم أسمعها من قبل".

 

الترجمة والنشر

بدأت سوسن بتكوين علاقات، وبادرت إلى إقامة العديد من المشاريع والأنشطة، أبرزها «نادي الكتاب»، و«البيت الفلسطينيّ» الّذي شهد العديد من الفعاليّات الثقافيّة، واستضاف العديد من الكتّاب والأدباء والفنّانين من العالم العربيّ، وكان بيتًا يعبّر بأناقة عن الثقافة العربيّة بشكل عامّ، والثقافة الفلسطينيّة بشكل خاصّ.

تقول سوسن: "بعد أن قلّصت من نشاطي في البيت الفلسطينيّ، نقلت اهتمامي إلى ما يمكن أن يخدم شريحة أوسع من المجتمع، وذلك من خلال الترجمة. في ذلك الوقت، طُلِبَ منّي الترجمة للمتحف والجامعة والعديد من المراكز الأخرى، وكانت الترجمات مرتبطة بمنطقتنا، رأيت أنّنا مكشوفون جدًّا للعالم والدنمارك، فهم يريدون أن يعرفوا عنّا، ولديهم مؤسّسات للقيام بذلك، كما أنّه مع وجود لاجئين من منطقة الشرق الأوسط من الفلسطينيّين والعراقيّين والسوريّين وغيرهم، فإنّ كلّ شخص طلب اللجوء قد كُشِفَت أوراقه جميعًا".

تشرح سوسن أهمّيّة الكتابة والترجمة، تقول: "يكتب الكاتب بلغته الأمّ، أي لمجتمعه، لكي تعرف المجتمع عليك أن تقرأ ما كتب لنفسه؛ الكتابة والأدب أفضل مرآة صادقة وشفّافة لمجتمع ما؛ فهما يأتيان بك إلى داخل البيت". 

 

إصدارات من ترجمة سوسن

 

نشرت «دار المنى» الرواية الأولى لسوسن، لكنّها لاحقًا قرّرت إنشاء دار نشر تُجْري من خلالها الترتيبات، وتوقيع الاتّفاقيّات وحقوق النشر، ودفع التكاليف، والطباعة، والغلاف والتصميم، ولكي تروّج وتحاول نشر الكتب وبيعها؛ تنظّم سوسن ندوات وأمسيات ثقافيّة خلال زيارتها إلى فلسطين، أمّا استمرارها في مجال الترجمة فهي غير متأكّدة من هذا الاحتمال؛ بسبب المجهود المكثّف والنفقات الكثيرة الّتي لم تَعُدْ تستطيع تحمّلها.

وحول مجمل تجربتها، تقول سوسن: "لقد أُصِبْتُ بخيبة أمل، رغم أنّنا في وضع لا نُحسَد عليه؛ فالقراءة والكتب في حاجة إلى راحة بال وهدوء، ونحن بعيدون عن ذلك. لكنّني كنت أتوقّع من مدرّسي التاريخ في المدارس أو المثقّفين، على سبيل المثال، أن يكونوا فضوليّين بسبب الأهمّيّة التاريخيّة والثقافيّة للكتب المترجمة، دون أن ننكر دور المؤسّسات الثقافيّة والنوادي الّتي يبادر إليها بعض النشطاء، إلى جانب نوادي القرّاء، وبعض الأقلام والصحف القليلة والدوريّات الّتي تسلّط الضوء على الجديد، وهؤلاء جميعًا يحرصون على إبقاء الحركة الثقافيّة حيّة في مجتمعنا، وهؤلاء جميعًا يستحقّون منّا الشكر الجزيل".

 

صورة للمجتمع الدنماركيّ

أوّل كتاب ترجمَته سوسن كان رواية «زيارة طبيب صاحب الجلالة» لبير أولوف إينكويست، تقول: "تتحدّث الرواية عن ملك مجنون، أحبّت زوجته طبيبه وحملت منه. توقّفت عن ترجمتها لفترة، رغم أنّها جذبتني لارتباطها بالتنوير والفكر والحركات في فترة الثورة الفرنسيّة". وتضيف: "عندما بدأ الربيع العربيّ، كنت قلقة جدًّا منه، وتذكّرت الرواية لأنّها تتحدّث عن الربيع الدنماركيّ وإزالة السلطة المطلقة للحاكم، وإدخال مفاهيم جديدة مثل الحرّيّة، والمساواة، وحقوق المرأة، وحقّ الطفل اليتيم والطفل غير الشرعيّ، وفتح الحدائق للعامّة. كما تشير الرواية أيضًا إلى أنّ الشخص الّذي أجرى التغيير قد أُعْدِم، وأولئك الّذين حارب من أجلهم، أخذوا سلال طعامهم في الصباح، وذهبوا لكي يحجزوا مكانًا، ليجلسوا فيه ويشاهدوا إعدامه. حينذاك قلت هذا ما يجب أن أترجم؛ فالسؤال الّذي يطرح نفسه، ما إذا كان المجتمع جاهزًا للتغيير، وكيف يحدث التغيير، تدريجيًّا أو دفعة واحدة".

تشير الرواية أيضًا إلى أنّ الشخص الّذي أجرى التغيير قد أُعْدِم، وأولئك الّذين حارب من أجلهم، أخذوا سلال طعامهم في الصباح، وذهبوا لكي يحجزوا مكانًا، ليجلسوا فيه ويشاهدوا إعدامه. حينذاك قلت هذا ما يجب أن أترجم...

الرواية الثانية الّتي ترجمتها سوسن هي «مجرّد أنثى» لليز نورغورد، وتتحدّث عن تطوّر المجتمع الدنماركيّ حتّى سبعينات القرن الماضي، وما لفت نظرها في الرواية ليس فقط موضوع المرأة والأطفال وتربيتهم ومعاملة الولد والبنت، بل افتتاحيّة الرواية المشابهة جدًّا لافتتاحيّة كتاب فدوى طوقان السيريّ؛ حيث ذكرت الكاتبتان أنّ المجتمع البرجوازيّ كان ينتظر دائمًا ولادة الابن الذكر. عندما وُلدت البنت في «مجرّد أنثى» لم تكن مرغوبة، وتقول الكاتبة: "جئت في طلبيّة غلط"، حيث كان أبوها يوصي على البضائع فتصله حسب الطلب. الرواية هنا أيضًا تمثّل مرآة للمجتمع الدنماركيّ، وهي تصف العائلة بدقّة؛ مَنْ هو اللصّ ومَنْ النصّاب. ونحن في عصرنا ومجتمعاتنا نعاني من هذه المسألة، في عدم الكشف عن حقيقة الناس. إنّها تصف العائلة بشفافية، دون أوهام، ففيها الفاشل وفيها المحتال وفيها الرجعيّ، والأمر نفسه يطال شخصيّات أخرى حتّى لو كانت تقف على رأس مؤسّسة ما في المدينة، أي أنّها تصف المجتمع كما هو، وهذا ما يمنح القارئ الفرصة لفهمه".

أمّا كتاب «خيرة أولاد الله» لمورتِن بابي، الّذي صدرت ترجمته هذا العام 2021، فهو يتحدّث عن زماننا، وتحديدًا عن حدث عام 2008؛ عندما هاجم ثلاثة شبّان دنماركيّين شابّين أحدهما عربيّ والآخر تركيّ، بينما كان الشابّان يوزّعان صحفًا دعائيّة، وقُتِلَ الشابّ التركيّ نتيجة لذلك.

وتقول سوسن: "نشأ الكاتب في نفس المنطقة، ويعرف البيئة والشابّ العراقيّ. كتب عن أحداث حقيقيّة. أُحيّي الشفافيّة الّتي انتقد فيها مجتمعه وتزايد العنصريّة فيه، وتركيزه على منشأ القتلة، وهو كريستيانيا، الّتي كانت معقل اليسار الدنماركيّ والاشتراكيّة والحرّيّة. ويشرح الكتاب أيضًا كيف ترتبط العنصريّة بالجهل، كما يتحدّث عن العنصريّة والعنف في مجتمع اللاجئين أيضًا".

 

أدب الرحلة والطفل

كتاب «العربيّة السعيدة» لتوركل هانسن مهمّ جدًّا، وما جعل سوسن تتوق إلى ترجمته أنّه يصف اليمن بطريقة رائعة، وتقول: "يؤلمني موضوع اليمن؛ لأنّه في رأيي بلد لم يأخذ حقّه. نحن ننظر إليه فقط بلدًا فقيرًا ومنكوبًا، بينما هو أصل حضارات كثيرة، وأعجبني ما قاله الكاتب: ما حدا قدر لليمن حتّى الإسكندر، كلّهم كانوا يصلون اليمن ويرجعون خائبين. الكتاب يتحدّث عن عالمنا، ويحتوي على صور لعدد من الدول العربيّة، إضافة إلى الخرائط. كانت الرحلة هي الأولى لهم إلى منطقتنا، وشكّلت أساسًا للمعلومات في الجامعات في جميع أنحاء العالم، لمدّة 200 عام".

"لكن ثمّة شيء آخر مهمّ لي عاطفيًّا، وهو كيف استطاع الدنماركيّ السفر، من الإسكندريّة إلى القاهرة إلى السويس وجدّة ومسقط وحلب وبغداد ودمشق والقدس وعكّا، وأنا لا يمكنني التنقّل بين الناصرة وبيروت؟

تضيف سوسن: "لكن ثمّة شيء آخر مهمّ لي عاطفيًّا، وهو كيف استطاع الدنماركيّ السفر، من الإسكندريّة إلى القاهرة إلى السويس وجدّة ومسقط وحلب وبغداد ودمشق والقدس وعكّا، وأنا لا يمكنني التنقّل بين الناصرة وبيروت؟ كيف استطاع قبل 250 عامًا، أن يسافر على حصان وحمار وبغل في كلّ هذه الأماكن، وأنا لا يمكنني حتّى إيصال هذا الكتاب إلى بيروت؟".

أمّا كتاب الأطفال «الغيلم الّذي أراد أن يتسلّق جبل إيفرست» للينا ليونهارت، فقد أعجب سوسن لأنّه يتحدّث عن الغيلم؛ وهو ذكر السلحفاة الصغير، وهو يخاف من المرتفعات، وكان مبدؤه أن تعرف ما تريد، وتعمل على تحقيقه خطوة خطوة، وفي حدود قدرتك، وألّا تلتفت إلى كلام الآخرين، وأن تحقّق ذاتك من أجل نفسك.

 

 


فلسطين إسماعيل

 

 

 

وُلِدَت في الناصرة وتقيم في كوبنهاجن. خبيرة إعلاميّة في مجال الإستراتيجيّات وتطوير الإعلام والاتّصال. مختصّة في إدارة المنظّمات غير الحكوميّة. تهتّم في أبحاثها وكتابتها بحقوق المرأة واللّاجئين والنازحين.