بصيرة | شعر

 

بصيرة

 

أبصرت ما لم أره

لم يكن شيئًا ذا معنىً،

ذاك الّذي منحته كلّ وقتي

لم يكن شيئًا أبدًا،

كان قلبًا بائسًا فحسب.

 

مرّت سنوات كثيرة،

وأنا أحاول غسل طبق العالم المتّسخ

دون جدوى،

حتّى قرّرت أن أكسر الطبق

وأدهن بطلاء قاتم مراياي كلّها.

 

سأرى نفسي، ربّما في ماء بحيرة ما

أو في زجاج الحلم المتكسّر،

كامرأة من أوّل الخلق

لم تختبر وجهها

كعتمة بسيطة،

لا تفكّر بانعكاس الضوء على الملامح.

 

فلتلدني الحياة،

الحياة ذاتها الّتي قتلتني/ قَتَلْتُهَا

ولم يُحاسبنا على تلك الجريمة أحد.

 

بيضاء صفحتي اليوم

سأملؤها بما أشتهي،

بالحبر

بالدم

بالدمع

سأمزّقها ربّما وأهديها للريح،

أو أقدّمها للنار النهمة

كوجبة دسمة.

 

هذا المكان/الزمان

القاع

التردّي

الهبوط

الوعي

الهاوية،

حيث أقف وحدي

لا أمدّ يدي للنجاة

ولا صوتي ينادي

فقط أتأمّل الارتفاع الشاهق للخوف،

دون أيّ فزع.

 

أخذتْ الحياة نهائيًّا شكل حفرة عميقة

وأنا،

أريد أن أستقرّ فيها كحجر مرميّ ومنسيّ.

يعجبُني أنّني قد مَلَكْتُ نفسي أخيرًا،

حين تخلّيت عن الحبّ/ حبّك.

 

لم أعد أحلم أن أسير في طرقات معبّدة

تنمو على أطرافها الأشجار،

فقد تعلّمت كيف أرقص بخفّة

فوق الصخور الوعرة.

 

***

 

نسيت أن أكتب لك

 

نسيت أن أكتب لك،

فعلت أشياءً كثيرة

أشياء

لا يمكن أن تتخيّلها،

لكنّني نسيت أن أكتب لك.

 

ما من حجر يكسر مرآة صمتي إلّاك

صمتي المحايد الّذي يشبه الخوف.

 

كسرتني حين ذهبت بي إلى العتمة،

حين كان الضوء في أوّله.

 

أيّ ألم ذاك الّذي تركته تحت جلدي

قطع من الزجاج المكسور تتمشّى بي،

أنا نهر دم عذب.

 

يا حبيبي الّذي كنته

كيف صارت صورتك الآن،

وأين هو المأوى.

 

ما شكل قلبك بعدي

إنْ لم يكن كأسًا تسكبه عليّ.

 

وهذا العطش الهائل،

هل أسمّيه الجفاء؟

 

نسيت أن أكتب لك،

فعلت أشياءً كثيرة

أشياء

لا يمكن أن تتخيّلها،

لكنّي نسيت أن أكتب لك.

 


 

شذى أبو حنيش

 

 

شاعرة فلسطينيّة حاصلة على البكالوريوس في علم الاجتماع، وعضو في اتّحاد الكتّاب والأدباء الفلسطينيّين. أصدرت مجموعتها الشعريّة الأولى «حبّ يحوم كبعوضة مزعجة» عام 2015، وتمّت ترجمتها إلى اللغة الإنجليزيّة. أصدرت مجموعتها الشعريّة الثانية «أغوتني الهاوية» عام 2019، وتعمل على تحضير ديوان شعريّ جديد.