أصير ما لا أصير | شعر

 

يقع ديوان «أنانهم» للشاعر الأسير أحمد العارضة في 114 صفحة، وهو صادر عن دار «طباق للنشر والتوزيع». يصدر الديوان ضمن مشروع «كلمات حرّة» لتوثيق أدب الحرّيّة، وعنوانه نحت لغويّ بين الـ «أنا» والـ «نحن» والـ «هم». 

تنشر فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة نصوصًا من ديوان «أنانهم» بإذن من دار النشر.

 

(أ ن ا)

أصير ما لا أصير  

أصير بغير انتباه 

                القلق

أُلبّي نداء اليمامة فوق السطوح 

بغير التفات 

يقلّل من وطأة الرعش 

فوق عراء الرصيف الأخير.

 

أصير بغير انتباه 

                الأرق 

أُتمّ مراسم نفيي

وأُنهي القصيدة قبل نضوج السفارج،

بعد نضوج الطبول الخفيّة 

في طيّة النثر، 

وأُلقي بدرب انبثاق الغنائيّ فيّ 

انتثار المرير.

 

أصير بغير انتباه

                 الشفق 

أُوضّئ نهر الكنائيّ  بالتوريات 

وأَثلم (قصدًا) تفتّق عن حبر قلبي 

لأُلهم بعض الّذين استقلّوا (العدول) 

بغير انزياح  

بأنّ انزياح الدلالة في ماء شِعْرِيَ 

                      فِعْلُ الخرير.

 

أصير بغير انتباه 

                 الشبق 

أُخبِّئ تحت قميص لعذراء بِكْر 

طيرًا 

يُمَسَّدُ ليلًا 

ويُفرَكُ كيما يُدّر انتشاءً، 

يحصي الأنامل بالزقزقات 

              وفجرًا يطير.

 

أصير بغير انتباه 

                العرق 

وتنضح فيّ العبارة 

[واضحًا. واضحًا]

وأَرشح من مفرداتي كأنّي انعكاسي أنا

وشعرًا أصير.

 

أصير ندائي عليّ 

وليس لديّ سواي يجيب النداء، 

سوى مَنْ أضعت زمان 

وما عدت أعثر بعد ضياعي 

على مَنْ تقمصّتُ يومًا 

                 بعشق عسير.

                                                                

أصير بغير انتباه 

                 (أنا) 

ومثلي أُؤدّي المسافة 

                     صمتًا 

كصمت الورود لدى مَنْ سقتها تنهيدة 

في الصباح، 

وغابت بغير انتباه، 

أصير (أنا) 

أنا، لا سواه 

كلحن بدائيّ للموت 

يُعْزَفُ 

         عمرًا قصيرًا.

                   

***

 

قهوة في المساء البعيد

 

قهوة في المساء البعيد 

تغّني ارتعاش العرائس  

سقفًا من العشق 

وقسطًا من هدوء. 

 

قهوة في الصباح القريب 

تقيس المسافة 

صيفًا تخلّلها وانقضى. 

تغطّي غياب المكوث 

أمام الحديقة، خيطًا من الكستناء

يُطرِّزُ زاوية في الوسادة. 

 

قهوة في المساء البعيد 

تُحرِّكُ رقّة  أيد 

فتحكي الروائح 

لون الصباح. 

 

تُراه اشتعال الخيال 

حباه النعاس 

ولم ينتظر للخاتمة؟

تُراها افتراض ثريّ؟

 

قهوة في المساء البعيد 

تُعيد الشراع لصفصافة 

باقية 

تُدِرُّ ظلالًا على العابرين 

تُعيد الشراع لأصله في البلاد: 

ثوبًا مطرّزًا بالحنطة المشتهاة

تُوزِّع طيب الروائح  

في موسم للحصاد

تُضيء جبين الصبيّة بالياسمين. 

 

قهوة في المساء البعيد 

تُعيد وتَرْجِعُ عمّا تُعيد 

كيف بذهن الّذين نَسَوْا 

فاحت قديمًا 

بعشق تعتّق.

 

قهوة في المساء 

تُشمّ على مهل 

علّ 

يُخلَّد فوحًا دفينًا.

 

قهوة 

كيف ستُنسى  

مع المرّ من (الشوكولا) 

والحديث عن العطْر 

حين تَعَشَّقَ بُنّ الصبيّة  

فوحَ يديها 

ولم يستجب لشفاه 

تمنّت عليه احتراقًا إضافيًّا 

يُخفي شذاها. 

 

قهوة 

سمراء 

شقراء

حنطيّة. 

 

ذابت وراء الحواسّ 

تُعين الكفيف من الذاكرة 

ليكشف عشق الطريق. 

 

قهوة في المساء 

تفوح بهذا (المساء) 

ولا شيء ممّا حَكَتْه القصيدة 

يصلح حتّى 

لعقد مواءمة ماكرة - سوى 

بالجناس -

جناس يُقارب بين المذاق 

ولسعته في الرائحة.


 

وركوة هذا المساء المشوّه،  

تُطعَّم بالهال أو بالقرنفل 

مجازًا 

يُزاوج بين التصوّر والافتراض. 

 

قهوة في المساء 

لنيران (هذا) المكان 

انطفاء 

يكاد يكون انطفاءً 

ولا وهْج يعلو ببضع اخضرار  

يَحُفّ الإناء. 

ولا حتّى نارًا 

تَحُفّ الأثافي بالكحل 

أو بالرماد.

 

قهوة،  

من غير قهوة. 

مساء،

بغير مساء

ورشفة هذا المجاز 

بلا طعم يُذكر 

سوى مرّها.

 


أحمد العارضة

 

 

شاعر فلسطينيّ، اعتُقِلَ في العام 2004 وحُكِمَ عليه بالسجن المؤبّد ثلاث مرّات. صَدَرَ له مؤخّرًا عن دار «طباق للنشر والتوزيع» ديوان «أنانهم»، وسبق وصَدَرَ له ديوان «وشم على قارعة العدم»، وديوان «خلل طفيف في السفرجل».