هل كانت مقاطعة «مهرجان سيدني» مبرّرة من أجل دعم فلسطين؟ | ترجمة

ألعاب ناريّة في سيدني | أ ف ب

 

المصدر: The Conversation.

ترجمة: علاء سلامة - فُسْحَة.

 

كان النجاح الباهر لحملة الفنّانين الأخيرة المؤيّدة لفلسطين؛ من أجل مقاطعة «مهرجان سيدني»، مثالًا حيًّا على أخذ مواطنين فاعلين زمام السياسة الدوليّة بأيديهم.

نحو 35% من المشاركين في المهرجان انسحبوا منه، معترضين على دعم إسرائيل لرقصة صمّمتها مصمّمة رقصات إسرائيليّة، ونفّذتها «فرقة سيدني دانس» بـعشرين ألف دولار أميركيّ، ووقّع أكثر من ألف فنّان على رسالة دعموا فيها قرار المقاطعة.

الغضب على إسرائيل جاء بعد اتّهامات بارتكاب جرائم حرب في غزّة، واتّهامات بالأبارتهايد من قِبَل «منظّمة هيومان رايتس ووتش»، والآن «منظّمة العفو الدوليّة»، وكذلك إخلاء بيوت في القدس الشرقيّة وتدميرها، والاستيطان الاستعماريّ الّذي يتوسّع دائمًا في الضفّة الغربيّة.

الغضب على إسرائيل جاء بعد اتّهامات بارتكاب جرائم حرب في غزّة، واتّهامات بالأبارتهايد من قِبَل «منظّمة هيومان رايتس ووتش»، والآن «منظّمة العفو الدوليّة»...

أثارت المقاطعة الصخب واللغط، أدانها وزراء الفنّ الفيدراليّون والمحلّيّون المحافظون، وكذلك فعل السفير الأستراليّ السابق إلى إسرائيل، ومجموعات يهوديّة أستراليّة محافظة، وبعض الفنّانين، واستشاطت إسرائيل غضبًا.

مثل غزال تجمّد في ضوء سيّارة، اعترف منظّمو المؤتمر بشكل متأخّر بالاعتراضات الأخلاقيّة للمقاطعين من خلال التعهّد بأنّهم سيعيدون النظر في سياسة المهرجان قبول التبرّعات من حكومات أجنبيّة، لكنّهم رفضوا أن يعيدوا الأموال الإسرائيليّة. ورقصت «فرقة سيدني دانس»، مثيرة إعجاب النقّاد والمشاهدين.

 

اعتراض ضعيف بشكل مفاجئ

قدّم معارضو المقاطعة اعتراضات ضعيفة بشكل مفاجئ؛ قالوا إنّ المقاطعة تكمّم الفنّ لأسباب سياسيّة.

لقد اختار الفنّانون بأنفسهم عدم المشاركة في «مهرجان سيدني»، مقتنعين، في السوق الحرّ للأفكار، بحجج منظّمي حملة المقاطعة، وكان الفنّانون الّذين أرادوا المشاركة في المهرجان أحرارًا في ذلك، وكذلك كان المشاهدون أحرارًا في المشاهدة. لم يكن هناك إغلاق للمهرجان، على شاكلة الإغلاقات النقابيّة، لقد كانت هذه المقاطعة إلى حدّ كبير مقاطعة ’ذكيّة‘.

وكما وجدت «المحكمة الأوروبّيّة لحقوق الإنسان» بالإجماع عام 2020، فإنّ الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل محميّة بصفتها حرّيّة تعبير، وحرّيّة التعبير نقيض تكميم الأفواه.

تعمل الديمقراطيّات فقط إذا ما كان المواطنون قادرين على التعبير عن آرائهم، آملين إقناع الآخرين بها. إنّه لمن السخف أن يدين وزراء حكوميّون المقاطعة ويصفونها بتكميم الأفواه، هذه الانتقادات للمقاطعة تستخفّ بالفنّانين، وكأنّهم لا يمتلكون أهليّة اتّخاذ قراراتهم بأنفسهم.

يقول المعارضون للمقاطعة إنّها تسيّس الفنّ، لكنّ النقد السياسيّ كان منذ أمد بعيد جدًّا واحدًا من وظائف الفنّ والفنّانين. الفنّ ليس موسيقى مصاعد فحسب. تُسْتَخْدَم الحجّة ذاتها من أجل الدعوة إلى عدم تسييس الرياضة، لكنّ الحكومة الأستراليّة لم تجد غضاضة في مقاطعة ألعاب الأولمبيّات الشتويّة في بكين بالصين دبلوماسيًّا.

وكما وجدت «المحكمة الأوروبّيّة لحقوق الإنسان» بالإجماع عام 2020، فإنّ الدعوة إلى مقاطعة إسرائيل محميّة بصفتها حرّيّة تعبير، وحرّيّة التعبير نقيض تكميم الأفواه.

يجادل النقّاد بأنّ إسرائيل تُسْتَهْدَف لأسباب معادية للساميّة، بينما سجلّات حقوق الإنسان في دول أخرى أسوأ كثيرًا، لكنّها ليست مسؤوليّة الناشطين من أجل فلسطين أن يخوضوا حروبًا، من أجل ضحايا كلّ دولة سيّئة في العالم.

بل يُحْسَب لهم أنّهم استطاعوا تنظيم حملة مقاطعة ناجحة، يمكن الناشطين في أماكن أخرى أن يتعلّموا منها. ليس انتقاد إسرائيل على خروقاتها للقانون الدوليّ معاديًا للساميّة، ولا القيام باحتجاجات سلميّة من أجل دفعها إلى التوقّف عن تلك الخروقات.

يجادل المعارضون للمقاطعة بأنّ إسرائيل ديمقراطيّة، لكنّ الديمقراطيّات أيضًا تعتدي على الحقوق، ويجب ألّا تكون محصّنة من العقوبات. وبكلّ الأحوال، فإنّ إسرائيل ليست ديمقراطيّة بالنسبة إلى خمسة ملايين فلسطينيّ يعيشون تحت السيطرة العسكريّة الإسرائيليّة. معظمهم لم يتمكّنوا من التصويت في انتخابات إسرائيليّة منذ أكثر من خمسين عامًا. حتّى المستوطنون الإسرائيليّون في فلسطين يتمتّعون بحقّ الانتخاب.

يحذّر المعارضون للمقاطعة من أنّ «حَماس» أعلنت تأييدها للمقاطعة، وكأنّ مجرّد استحضار شبح الإرهاب كافٍ لنزع الشرعيّة عن المقاطعة بشكل آليّ. إنّ «حَماس» تؤيّد لقاحات كوفيد أيضًا، وذلك بالكاد يجعل هذه اللقاحات شيئًا سيّئًا. محاولة تشويه سمعة منظّمي الحملة؛ من خلال ربطهم بـ «حَماس» محاولة رخيصة.

يجادل المعارضون بأنّ الفنّانين الّذين يعانون من أجل لقمة العيش في حاجة إلى العمل، خاصّة أنّ دخولهم تدهورت خلال فترة الجائحة. ومرّة أخرى نقول، يعرف الفنّانون جيّدًا إذا ما كانوا يريدون أن يتخلّوا عن دخلهم من أجل أن يقفوا مع حقوق الإنسان.

 

الأسئلة الّتي يجب أن تُسْأَل حول أيّ مقاطعة

ثمّة ثلاثة أسئلة حقيقيّة يجب أن تُسْأَل حول أيّ مقاطعة: هل خروقات المخالفين جدّيّة بما يكفي من أجل تبرير المقاطعة؟ هل الضرر الجانبيّ على الأبرياء، إن وُجِد، متكافئ ومنطقيّ؟ هل يمكن المقاطعة أن تساهم في تحسين سلوك المذنب؟

أوّلًا، إنّ مخالفات إسرائيل للقانون الدوليّ موثّقة بشكل كامل. إسرائيل تحرم الفلسطينيّين من حقّهم في تقرير مصيرهم، وفي امتلاك دولتهم، وقد ارتكبت جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانيّة، وتحجب العدالة عن الضحايا.

إسرائيل فائقة الحساسيّة في ما يتعلّق بصورتها أمام حلفائها الغربيّين. إنّ انتشار التعاطف مع القضيّة الفلسطينيّة في المجتمع الأستراليّ، زاد من وعي إسرائيل بقضبان القفص الّذي يحيط بها...

تثبت رعاية إسرائيل للمستوطنات غير القانونيّة أجندتها باستعمار فلسطين، لا تحريرها ولا إحلال السلام فيها. ولطالما تحدّت المجتمع الدوليّ، بما في ذلك «مجلس الأمن الدوليّ» و«محكمة العدل الدوليّة».

إنّ التجاوزات الفلسطينيّة لا تبرّر التجاوزات الإسرائيليّة، وأن تكون دول أخرى أسوأ من إسرائيل لا يُضْعِف من حجّة مقاطعة إسرائيل، بل تسلّط الضوء على ضرورة مقاطعة دول أخرى كذلك.

ثانيًا، لم تسبّب مقاطعة إسرائيل إلّا ضررًا جانبيًّا محدودًا. لقد استهدفت حملة المقاطعة الدعم الإسرائيليّ لرقصة إسرائيليّة غير مسؤولة عن إسرائيل، تنفّذها «فرقة سيدني دانس» غير المسؤولة عن إسرائيل، وتسبّبت في بعض المتاعب للجمهور. هذه، بالنسبة إلى المقاطعين، تضحيات بسيطة إذا ما كان وصم التعاون مع إسرائيل مكروهًا قد يدفعها إلى تغيير سلوكها.

ثالثًا، المقاطعة انتقام بلا معنى، إذا لم تمتلك إمكانيّات النجاح والتأثير. يصيح منتقدو المقاطعة إنّ التركيز على كمّيّة قليلة من الأموال الإسرائيليّة، من أجل رقصة بسيطة في سيدني البعيدة، لن تكون قادرة على جلب السلام إلى الشرق الأوسط.

لكنّ إسرائيل فائقة الحساسيّة في ما يتعلّق بصورتها أمام حلفائها الغربيّين. إنّ انتشار التعاطف مع القضيّة الفلسطينيّة في المجتمع الأستراليّ، زاد من وعي إسرائيل بقضبان القفص الّذي يحيط بها، وبازدياد عزلتها الدوليّة.

 

الموضوع موضوع ضمير

إنّ مقاطعة المواطنين في ازدياد، سببها بالضبط أنّ الحكومات الغربيّة، بما فيها حكومتا أستراليا والولايات المتّحدة، فشلت بشكل ذريع في تحميل إسرائيل لمسؤوليّاتها عن انتهاكاتها المنظّمة. يجب ألّا نطبّق عقوبات قانون ماجنتسكي الجديد لحقوق الإنسان على أعدائنا مثل روسيا والصين فحسب، بل على ’أصدقائنا‘ حين يسيئون التصرّف.

يجب أن يستجيب الأستراليّون إلى ضميرهم في ما يتعلّق بأنواع المقاطعة المختلفة، لكنّ حجّة المقاطعة جيّدة، ويجب أن تؤخذ بجدّيّة، لا أن تُرْمى جانبًا من خلال انتقادات خادعة ومضلّلة.

لن توقف الصين قمع أقلّيّة الويغِر لأنّ أستراليا لم ترسل دبلوماسيّيها إلى الأولمبياد، لكنّنا نقاطع بكلّ حال؛ من أجل أن نَصِمَ هذا السلوك المريع. مَنْ يعرف أيّ أثر سيكون لفراشة المقاطعة، حين ترفّ بأجنحتها في صحراء سياسة الشرق الأوسط؟ قليل جدًّا ما يمكن أن نخسره، وكثير جدًّا ما يمكن أن نكسبه.

يجب أن يستجيب الأستراليّون إلى ضميرهم في ما يتعلّق بأنواع المقاطعة المختلفة، لكنّ حجّة المقاطعة جيّدة، ويجب أن تؤخذ بجدّيّة، لا أن تُرْمى جانبًا من خلال انتقادات خادعة ومضلّلة.

 


 

بن سول، أستاذ القانون الدوليّ، مركز سيدني للقانون الدوليّ، جامعة سيدني، أستراليا.

 

روزَنَة: إطلالة على الثقافة الفلسطينيّة في المنابر العالميّة، من خلال ترجمة موادّ من لغات مختلفة إلى العربيّة وإتاحتها لقرّاء فُسْحَة - ثقافيّة فلسطينيّة. موادّ روزَنَة لا تعبّر بالضرورة عن مبادئ وتوجّهات فُسْحَة، الّتي ترصدها وتنقلها للوقوف على كيفيّة حضور الثقافة الفلسطينيّة وتناولها عالميًّا.