05/09/2014 - 18:23

شح المياه يدفع الغزيين لحفر آبار داخل بيوتهم

"التقرير الأخير الذي صدر عن الأمم المتحدة عام 2013 تحدث بشكل واضح أنه بحلول عام 2016 لن يتبقى قطرة مياه صالحة للشرب لوجود أزمة بسبب سنوات الحصار".

شح المياه يدفع الغزيين لحفر آبار داخل بيوتهم

بانتظار تعبئة المياه في غزة (محمد عيد - أ ف ب)

بعد أسبوعين بلا ماء، وبعد معاناة استمرت خمسين يوما خلال الحرب الإسرائيلية على غزة، قرر أبو أسامة، مثل المئات من سكان القطاع، حفر بئر في حديقة منزله.
 
فقد أدت ثمانية أسابيع من القصف الإسرائيلي العنيف برا وجوا وبحرا إلى تدمير قسم كبير من مصانع معالجة المياه وشبكات التوزيع. ومع توقف الحرب وإعلان وقف إطلاق النار في 26 آب (أغسطس)، كان لا بد للغزيين أن يبحثوا عن حل لمشكلة النقص الحاد في المياه.
 
ويقول أبو أسامة خضر (45 عاما): "على مدى أسبوعين لم تصلنا مياه البلدية وفي البيت حوالي خمسين فردا معظمهم أطفال صغار، هذا دفعني لأفكر فورا بحفر بئر مياه".
 
ومشكلة المياه في غزة ليست مستجدة، وما يزيد من حدتها شح الأمطار في المنطقة الساحلية شبه القاحلة. بالإضافة إلى الفوضى والاستغلال غير القانوني للمياه الجوفية مع زيادة مضطردة في عدد السكان. كل هذا يسهم في تعميق مشكلة نقص المياه وتلوث الموارد الشحيحة المتوفرة.
 
وازداد الوضع سوءا بسبب الحصار الذي تفرضه إسرائيل منذ 2006 على قطاع غزة المكتظ.
 
ويقول منذر شبلاق، مدير عام مصلحة بلديات الساحل، إنه "تم حفر أكثر من عشرة آلاف بئر" في القطاع منذ بدء الحصار الإسرائيلي. ويضيف أن "كلها حفرت من دون ترخيص ولكن من دونها لا يمكن توفير المياه للمنازل من دون انقطاع. البعض يعتقد أنه لا بد من توفير المياه على مدار الساعة".
 
وحفر البئر أمر بالغ الكلفة. ويقول أبو أسامة إنه اضطر لدفع ألفي دينار أدرني  لذلك، وهو مبلغ يفوق بكثير إمكانيات القسم الأكبر من سكان غزة حيث تعاني 40% من اليد العاملة من البطالة.
 
ويقول أبو أسامة: "كنا معرضين للموت لكن ربنا نجانا، الحمد لله، شرب أولادنا واستحموا ووزعنا مياه على كل الجيران في الحارة".
 
ومثل أبو أسامة، قرر أبو محمد حفر بئر لكي تتمكن أسرته من الشرب والاغتسال.
 
ويقول أبو محمد: “المياه كانت مقطوعة كل الوقت، والحرب زادت الطين بله". يضيف: "البلدية لا يمكنها توفير مياه الري ولا الشرب والاستحمام والنظافة، لهذا يلجأ الناس إلى الآبار".
 
وتصف زوجته أم محمد الوضع مازحة بقولها: "وكأننا لسنا في القرن الحادي والعشرين. نرفع الماء من البئر ونطبخ على الحطب" وهي تغسل الأطباق مستخدمة إبريقا ملأته من البئر في حديقة المنزل. وتشير إلى شجرتي نخيل مصفرتين: "كان لدينا أزهار وحديقة جميلة، لكن كل شيء احترق بسبب الحر والجفاف".
 
ويقول أحمد وهو مقاول حفر آبار إرتوازية: "كل صاحب بيت من ثلاثة أو أربعة طوابق يتوجه لحفر بئر"، ويضيف: "في الفترة الأخيرة زاد الطلب على حفر الآبار بشكل غير طبيعي".
 
وأدت الحرب الأخيرة إلى تفاقم المشكلة، "بسبب انقطاع التيار الكهربائي وتدمير خطوط الإمداد المركزية للمياه"، كما يذكر منذر شبلاق.
 
وتضررت المحطة الكهربائية الوحيدة المهمة لمعالجة المياه خلال الحرب.
 
ويضيف شبلاق أن "المعيار العالمي في حالة الحرب يشير إلى أن المؤسسات الاغاثية الدولية هي التي تساعد في المياه وهذا ما حصل في الحرب لكن عودة الوضع إلى طبيعته متعلق بعودة انتظام توفير الكهرباء"، مشيرا إلى أنه "في ظل عدم وجود شرطة وقانون هناك من استغل ظروف الحرب لحفر الآبار".
 
ويقول ربحي الشيخ، نائب رئيس سلطة المياه، إنه خلافا لما يظن من يقومون بحفر الآبار، فإن المياه الجوفية باتت شحيحة بسبب سوء الاستغلال وقلة الأمطار.
 
ويوضح أن "المياه المتاحة لا تتجاوز ثلث احتياج المواطنين في القطاع لأن المصدر الوحيد هو الخزان الجوفي الساحلي الذي نشترك فيه مع إسرائيل ومصر والكمية في الخزان لا تتجاوز 55 مليون متر مكعب فيما نحتاج أكثر من 190 مليون متر مكعب سنويا، هذا عجز واضح".
 
ويشير الشيخ إلى “أن الانقسام الفلسطيني ساهم في استغلال المواطنين بحفر آبار بشكل غير قانوني ما أدى إلى استنزاف إضافي لمياه الخزان الجوفي وتدهور الوضع اكثر خلال فترة الحرب مع ازدياد معاناة المواطنين في توفير المياه".
 
ويقول بأسف أن "كل ما يتم حفره الآن هو من دون ترخيص والترخيص هو مهم ليساعدنا في تحديد الأماكن الأكثر ملائمة لحفر الآبار وتحديد كميات المياه الممكن استخراجها بشكل آمن من الخزان الجوفي ككميات وكنوعية مياه أيضا".
 
ويضيف أن حفر الآبار وسحب المياه بطريقة عشوائية يخلق مشكلة أخرى هي أن "كميات المياه هذه التي تؤخذ من البئر الخاص ستتحول بالنهاية إلى مياه الصرف الصحي وتذهب إلى محطات المعالجة التي لا تعمل كلها حاليا بسبب نقص الكهرباء، وهذا يعني حملا إضافيا على محطات المعالجة".
 
وتحذر الأمم المتحدة وخبراء من أن الأضرار التي أصابت المياه الجوفية في غزة ستصبح أضرارا دائمة في 2020.
 
ويذكر شبلاق أن "التقرير الأخير الذي صدر عن الأمم المتحدة عام 2013 تحدث بشكل واضح أنه بحلول عام 2016 لن يتبقى قطرة مياه صالحة للشرب لوجود أزمة بسبب سنوات الحصار".
 
ويقول شبلاق أن "95% من مياه غزة أصبحت غير قابلة للاستخدام الآدمي من دون معالجة" بعد أن لوثتها مياه الصرف وهذا زاد من كمية النترات فيها.
 
ويوضح أن "نسبة النترات تصل إلى 200-250 ملجم في الليتر في غزة في حين أنها ينبغي أن لا تتجاوز 50 ملجم في الليتر. والأمر نفسه بالنسبة للكلور، حيث تصل النسبة إلى ألفي ملجم في الليتر في بعض المناطق في غزة في حين أن النسبة المسموح بها هي 250 ملجم".
 
ويقول إن الأزمة ستظهر جلية قبل سنة 2016، في حين أن برامج الاصلاح متعثرة بسبب الحصار ونقص التمويل.
 
ويقول ربحي الشيخ إن "تحسين طرق الري بإصلاح شبكات المياه تم بدء العمل فيها وتحتاج حتى سنة 2018 لكن شرط أن تكون المعابر مفتوحة والمواد متوفرة وتوفر التمويل المطلوب".
 
ونوه إلى بدء "برنامج مياه غزة الطارئ" الذي يعتمد على توفير كميات مياه إضافيه لقطاع غزة منها موضوع تحلية المياه في المحطة الكبيرة ومحطات تحلية مياه البحر صغيرة الحجم كحل مرحلي أو سريع لتوفير المياه ويتضمن إنشاء محطات لمعالجة الصرف الصحي لاستخدامها في الزراعة لأن قطاع الزراعة يعتمد على الخزان الجوفي نفسه ويستنفد حوالي 50 % من المياه التي تستخدم في القطاع.
 
وخلال مفاوضات وقف إطلاق النار في القاهرة، التزمت إسرائيل بالسماح بإدخال المواد الأساسية لإعادة إعمار القطاع الذي تهدم قسم كبير من منازله ومنشآته. ولكن لم يسمح حتى الآن بدخول الإسمنت أو الحجارة ولا الفولاذ عبر المعابر التي تصل غزة بإسرائيل.

التعليقات