عباس يبحث عن التهدئة لاستثمار الهبة دبلوماسيًا

نقل خلاله الطرف الإسرائيلي للرئيس عباس نية تل أبيب تهدئة الأوضاع وعدم التصعيد، فيما نقل أبو مازن رسالة إلى تل أبيب مفادها أن على الحكومة الإسرائيلية لجم المستوطنين لأنهم السبب الرئيسي في التصعيد.

عباس يبحث عن التهدئة لاستثمار الهبة دبلوماسيًا

محمود عباس (أ.ف.ب)

تشير كل المعطيات في الفترة الحالية إلى أن الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، يبذل مجهودًا جبارًا لتهدئة الهبة الجماهيرية الفلسطينية، وتتلخص جهوده بأن يخرج منها بمكاسب يستطيع استثمارها دبلوماسيًا وسياسيًا في الساحة الدولية، خاصة بعد تهميش القضية الفلسطينية عربيًا ودوليًا في الفترة الأخيرة والضغط على أبو مازن حتى لا يتخذ أي خطوة أحادية الجانب في الأمم المتحدة او مجلس الأمن، دون أن تنقلب الطاولة على رأسه داخليًا في حال استخدم أجهزته الأمنية لقمع المتظاهرين.

ورغم النفي الرسمي في السلطة الفلسطينية، نقلت صحيفة 'العربي الجديد' عن مصادر رفيعة قولها إن لقاء أمنيًا رفيع المستوى عقد يوم الأربعاء الماضي ضم الطرفين، الإسرائيلي والفلسطيني، نقل خلاله الطرف الإسرائيلي للرئيس عباس نية تل أبيب تهدئة الأوضاع وعدم التصعيد، فيما نقل أبو مازن رسالة إلى تل أبيب مفادها أن على الحكومة الإسرائيلية لجم المستوطنين لأنهم السبب الرئيسي في التصعيد.

وقالت المصادر إن 'أبو مازن قام بتحركين في الأيام الأخيرة لتهدئة الأوضاع: أولاً، اتصلت الرئاسة الفلسطينية بقيادات عربية ورؤساء سلطات محلية فلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948، وتم الطلب منها بعدم زيارة المسجد الأقصى تجنباً للمزيد من التوتر، أما الأمر الثاني فقد أمرت الرئاسة الفلسطينية تلفزيون فلسطين الرسمي بتقليص بث المواجهات الفلسطينية، وعدم بث موجة مفتوحة من أماكن المواجهات تؤدي إلى زيادة وانتشار الغضب في الشارع الفلسطيني ضد الاحتلال'.

وبحسب المصادر، أعلم أبو مازن وزراء خارجية بريطانيا والولايات المتحدة، فيليب هاموند وجون كيري، وأمين عام الأمم المتحدة، بان كي مون، أنه لا يستطيع التأثير على مجرى الأحداث لأنه لا سيطرة لديه في القدس، وأرسل تلميحًا مبطنًا بقوله لهم إنه شخصيًا لا يستطيع دخول القدس والصلاة في المسجد الأقصى، مؤكدًا على أن كل المواجهات تجري في المناطق المصنفة على أنها مناطق 'ج'، أي أنها مناطق تحت السيطرة الإسرائيلية وفق اتفاق أوسلو. وقال إنه حتى في المناطق التي تقع تحت سيطرته سمحت إسرائيل لنفسها بانتهاكها.

وأشارت الصحيفة نقلًا عن مصادرها إن الولايات المتحدة وبعض الدول العربية والأوروبية احتجت لدى أبو مازن على ما وصفوه بـ'تحريض تلفزيون فلسطين' وأن بإمكانه السيطرة على هذا الأمر، وعلى أثر هذه المحادثات، أصدر أبو مازن أوامره يوم الأربعاء التي تقضي بعدم بث المواجهات، خاصة قرب مستوطنة 'بيت إيل'، حتى لا يؤدي البث الطويل إلى احتقان لدى الشباب يمكن ان يتطور لمظاهرات وصدامات.

ولعل الأوامر التي تبلورت مساء الأربعاء الماضي، وانعكست على تغطية التلفزيون الفلسطيني الرسمي، جاءت نتيجة طبيعية للاجتماع الأمني رفيع المستوى، الذي ضم قادة الأمن الفلسطينيين والإسرائيليين، وبقرار من الرئيس عباس. ورغم نفي السلطة الفلسطينية عقد مثل هذ الاجتماع، إلا أن مصدراً مطلعاً أكد لـ'العربي الجديد' أن 'الاجتماع تم بالفعل، وضم قادة الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية، وقادة الأمن الإسرائيليين، وتم التوافق على تهدئة الأوضاع الحالية، والعمل على عدم تطويرها حتى لا تخرج الأمور من السيطرة'.

وتابعت المصادر أن 'الأمن في كلا الطرفين يقوم بجهود كبيرة لمنع تدهور الأوضاع لحالة انتفاضة شاملة، حيث يقوم الأمن الفلسطيني بالانتشار في أماكن التماس، لكنه لا يمنع المواطنين بالقوة من الوصول إليها، حتى لا يرتد الغضب الشعبي نحو الأمن الفلسطيني، وهذا أمر يتفهمه أمن الاحتلال الإسرائيلي، الذي أكد بدوره أنه لن يستخدم القوة المفرطة، وسيحرص على ألا يسقط شهداء بشكل يؤجج الوضع أكثر'. وتؤكد المعطيات أنه لا مصلحة ولا نية للسلطة الفلسطينية بالتصعيد، لكن لديها مصلحة ببقاء حالة الاشتباك الميداني غير العسكري، المضبوط إلى حد كبير، لاستخدامه كأوراق قوة أمام الدول العربية والإدارة الأميركية التي أدارت الظهر للقيادة الفلسطينية، وطلبت من عباس العودة إلى المفاوضات من دون أي ضمانات، خلال زيارته إلى نيويورك نهاية الشهر الماضي. وأكدت مصادر متطابقة أن جون كيري نقل تهديداً من رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو إلى الرئيس أبو مازن، مفاده بأنه سيمنع وفد الرباعية الذي يزور رام الله وتل أبيب، في 15 من الشهر الحالي من الوصول إلى رام الله، إذا ما استمرت الأوضاع كما هي عليه من مواجهات.

وقال مستشار الرئيس والشخصية المقربة منه محمود الهباش، لـ'العربي الجديد': لقد طلبت عدة أطراف (رفض تسميتها) من الرئيس العمل على تهدئة الأوضاع، وأكد لهم أنه غير معني بالتصعيد ولا يريده، لكن على العالم أن يعرف أن الذي بدأ بالتصعيد هو الجانب الإسرائيلي، وإذا كانت الحكومة الإسرائيلية غير معنية بالتصعيد، فعليها أن توقف انتهاكات المستوطنين والاعتداءات على الأقصى والفلسطينيين، على تعبير الهباش.

وحول تهديدات الرئيس بعدم لقاء الرباعية، أجاب الهباش أن 'هذا الموقف تجاه الرباعية غير مستغرب، وإسرائيل معنية بوضع كل العراقيل الممكنة وغير الممكنة أمام جهود العملية السياسية، وسبق وقامت بإفشال جهود وزير الخارجية جون كيري، ومن قبله'. وأضاف أن 'إسرائيل هددت بمنع الرباعة من الدخول ولقاء الرئيس، ولكن هذا لا يعني أن كيري هو الذي بلغ الرئيس بهذه التهديدات'. وفي حين نفى الهباش حصول أي لقاءات أمنية وسياسية إسرائيلية ــ فلسطينية، جزم بأنه 'لم يتم طلب أي شيء من الأمن الفلسطيني، لأنه لا توجد اتصالات ولا تنسيق أمني، وكل ما ينشر إسرائيلياً يأتي من باب ذر الرماد في العيون'.

التعليقات