"خيمة الاعتصام..الجولان المحتل" / ايمن ابوجبل*

مهداة الى اسرى الجولان العرب السورين في سجون الاحتلال ....

انه اليوم الرابع لخيمة الاعتصام والتضامن مع الأسرى والمعتقلين في مجدل شمس، واليوم الخامس لإضراب الأسرى في السجون ودموع الأمهات وحدها تتحدث عن الموقف.

رفاق الأمس يتنقلون بينهن لنقل أي خبر أو معلومة صغيرة عن مستجدات الاضراب، قلوبهن تخفق بقوة دموعهن، والشيوخ والشباب في الجانب الاخر من خيمة الاعتصام لا يمكلون سوى التنهيدات والعيون الصامتة امام " هذا المشهد " الذي يلقى بظلاله على كافة أطياف الساحة الجولانية.
--------------

* أسير محرر، عضو اللجنة الشعبية لدعم الاسرى في اضرابهم / الجولان المحتل-مجدل شمسفي ساعات ما قبل المساء، وصل وفد أمهات الأسرى وبعض الأصدقاء من بلدة بقعاثا ومعهم، اطفال يحملون اعلام سورية وعيون تحدق بـ " صور أبناء " معلقة على جدار الخيمة...

تبادلوا التحيات والسلامات مع أمهات الأسرى الجالسات في زاوية الخيمة التي افترشت بسجاد سوري قديم أنهكه الدعك. ووحده صوت سميح شقير يخترق هذا الصمت الصارخ،:" يا سجاني ويا عتمة الزنزاني "، يتخلله كلمة مواساة صادقة يحكيها احد الشيوخ المتقدمين في العمر لينتقل، دون مقدمات، الى الجلاء و فرنسا " التي ركعت امام الثوار " ...

العيون تخترق زجاج الصور، وتغوص بين الكلمات المكتوبة بعدد سنوات العمر وسنوات الاعتقال الطويلة. عشرون عاما من رحلة الاعتقال، تحفر في الوجدان كما يحفر الزمن في عمر الانسان، انها حكاية جولانية اصبحت مع الوقت حكاية كل بيت وكل طفل وكل شيخ، ولم يتبقى منها سوى الانتظار .. الانتظار الطويل. حيث يستمر الصراع اليومي مع الزمن، وصراع مع العمر الزمني لام اسير انهكها التعب والانتظار والامراض، فهل ستنتصر هذه الام وتحتضن ابنها الغائب الحاضر، ام ينتصر الزمن وتودع دنياها قبل لحظة الاحتضان الموعود. انها معركة بين الارادات.

في المساء تهب رياح شديدة، تهدد اعمدة الخيمة الخشبية، يتسارع الرفاق وجموع من الشباب المتطوعين، الى تثبيت ركائزها بإضافة المزيد من الخشب، ويشدون شوادرها بالحبال المتينة، همهم الوحيد، هو مواجهة الرياح وعدم سقوط صور رفاقهم الاسرى المعلقة التي تتمايل مع اشتداد الرياح، لكنها لا تسقط وكأنها في معركة مع الرياح، معركة الصمود والثبات في المواقع دون حراك. حالة تعكس حقيقة هذا الواقع داخل السجن :" لن نسقط يا رفيقي، سنواصل معركتنا حتى ننتصر، فهذه المرة تختلف عن تجاربنا السابقة التي خضناها معا، نحن اليوم نصارع السجان والزمان والموت". هكذا تحدث إليّ احد الرفاق قبيل دخوله هذه الملحمة الأسطورية التي تتجسد يوميا داخل الزنازين في عسقلان وهداريم وبئر السبع ونفحة والتلموند.

خيمة الاعتصام في الجولان السوري المحتل، ملتقى للاجيال، نساء ورجال وشيوخ واطفال، اقيمت الخيمة على ارض كانت سابقا ملكا لاحد المواطنين النازحين في الجولان، وتم شراؤها عبر الأسلاك من قبل لجنة وقف مجدل شمس حيث خصصت للشأن العام. وهي مساحة تكفي لإقامة خيمة اعتصام تستقبل المواطنين المتضامنين مع إضراب الأسرى.

في اليوم الأول تم تشييد الخيمة، ومدها بالكهرباء التي تطوع بها احد الرفاق المحررين، ثم عرضت لجنة الوقف مدها بالكهرباء من المبنى القريب، لمساهمة في تخفيف الاعباء المادية المترتبة. كبار السن كانوا يشعرون بالسعادة والحزن في ان واحد، سعداء بهمة الشباب وسرعة عملهم وحركتهم وإصرارهم على انجاز بناء الخيمة في نفس الليلة، وحزنهم نابع من محبتهم لهؤلاء الشباب في السجن في قرارهم بالاضراب عن الطعام دفاعا عن العيش والحياة ووقف اذلالهم من قبل جلاديهم المحتلين.

منتصف الليل، يرن الهاتف النقال " انه من السجن يا شباب" يعلو صوت احد الرفاق المناوبين هذه الليلة، صمت لا يخترقه سوى صوت الرياح وهي تضرب سقف الخيمة .." كيف حالكم يا اخوان، كيف الاهل، يعطيكم العافية، نحن صامدون، رغم التفتيشات ومصادرة كل شئ عدا الابراش والاسرة والمياه، حتى الملح ممنوع ومعظم ملابسنا....لم يتبق لنا سوى بدل واحد ..صابونة واحدة لكل اسيرين، نشعر بنقص شديد في زيارات المحامين، اين هم، لماذا لا ياتون" انهى مكالمته السريعة والصمت يخيم على اجواء الخيمة، لا جواب، بعد، على صرخة السجين: لماذا لا ياتون؟؟

في ساعات الصباح الباكر، بعض الرفاق نائمون، والاخرون يتحدثون باصوات خفيفة، سيارة جيش من "حرس الحدود" تنهي احاديثهم وتوقظ النائمين من نومهم، لا يتحدثون الى احد، فقط ينظرون ويتاملون الاعلام السورية والفلسطينية واللبنانية، التي ما زالت ترفرف على اعمدة الخيمة منذ اليوم الاول. احد الجنود يخرج كاميرته، ويلتقط صورة او اثنتين او اكثر، يرحلون عن المكان. فقط ، هدير المصفحة العسكرية وكثافة دخانها، يتمكن من اختراق هذه " السيادة الوطنية العربية السورية في ساحة سلطان باشا الأطرش مجدل شمس"ـ التي حققتها انتفاضة الأسرى في إضرابهم، فهل ستحتضن خيمتهم حريتهم.

التعليقات