الأسير المناضل علي جردات والاعتقال الإداري../ راسم عبيدات

-

الأسير المناضل علي جردات والاعتقال الإداري../ راسم عبيدات
قبل التطرق لحالة الأسير المناضل الكاتب والصحفي علي جردات، عضو اتحاد الكتاب الفلسطينيين، والذي كان وما زال أحد ضحايا هذا الاعتقال الجائر والمخالف لكل الشروط والقوانين الدولية، فإنه لا بد لنا من التعريف بهذا الاعتقال واستعراض مكثف وسريع لمحطاته الأساسية في سفر النضال الوطني الفلسطيني.

فالاعتقال الإداري هو"قيام السلطة أو حكومة الاحتلال باعتقال شخص ما دون توجيه أية تهم محددة إليه بصورة رسمية ودون تقديمه للمحاكمة وذلك عن طريق استخدام إجراءات إدارية"، وبما يعني بقاء الأسير الفلسطيني رهن الاعتقال دون عرضه على المحامي أو المحكمة لمدة ثلاثة شهور أو ستة شهور أو سنة قابلة للتجديد بسبب آرائه ومعتقداته السياسية المناهضة للاحتلال، أو بسبب التحقيق معهم لفترات طويلة، وعدم ثبوت أي تهمه أو مخالفة أمنية بحقهم يعاقب عليها قانون الاحتلال.

وسياسة الاعتقال الإداري بدأ الاحتلال بانتهاجها منذ اليوم الأول لاحتلاله الضفة وقطاع غزة، مستنداً بذلك إلى المادة (111) من أنظمة الدفاع لحالة الطوارئ البريطانية في أيلول/ 1945، ومن ثم قامت حكومة الاحتلال بسن التشريعات الخاصة بها، ومنها التشريع الأمني لعام 1970 من خلال الأمر العسكري رقم 378 متضمناً نفس بنود أنظمة الطوارئ البريطانية، ومن ثم قامت حكومة الاحتلال بإجراء تعديلات على هذا القانون، ولكن في الإطار الشكلي وبما لا يمس الجوهر، وهنا لا بد لنا من القول أن من يصدر أوامر الاعتقال الإداري في الداخل الفلسطيني - مناطق 48 - والقدس،هو وزير الدفاع الإسرائيلي، بموجب أنظمة الطوارئ لعام 1945، أما في الضفة الغربية فصلاحيات إصدار الأمر منوطة بالقادة العسكريين، بموجب الأمر العسكري (378 ) لمدة ست وتسعين ساعة، بعدها يتأكد الأمر من قائد المنطقة.

في السنوات الأولى من الاحتلال استخدم الاعتقال الإداري بشكل واسع، وتراجع في النصف الثاني من السبعينيات بعد ذلك ،ليصل أدنى درجاته في عام 1980. وفي كانون أول عام 87، وبسبب اتساع رقعة المواجهات والهبة الجماهيرية والمقاومة الشعبية، قام الاحتلال بسن تشريعات جديدة وإصدار أوامر جديدة لتسهيل عملية اعتقال المقاومين الفلسطينيين إدارياً وبالذات الأمر العسكري رقم 1228 والذي صدر في 17/3/1988، والذي أعطى صلاحية إصدار أمر الاعتقال الإداري إلى ضابط أقل من قائد منطقة، وقد شهدت عمليات الاعتقال الإداري تصعيداً خطيراً في الفترة من 87- 94،حيث بلغ عدد من اعتقلوا إداريا عشرين ألف معتقل، وقد زج بالمعتقلين الإداريين في سجن أنصار 3 في صحراء النقب،في ظل ظروف وشروط اعتقالية غاية في القسوة والصعوبة.

ومع توقيع اتفاق أوسلو وقدوم السلطة الفلسطينية، تقلص عدد المعتقلين الإداريين بشكل كبير، ولكن عاد ليرتفع من جديد مع بداية انتفاضة الأقصى في أيلول/2000.

وعملية الاعتقال الإداري للمناضل الفلسطيني لا تقتصر على ثلاثة أو ستة شهور أو عام كامل، بل هناك المئات من الأسرى من جرى تمديد اعتقالهم إداريا أكثر من عشر مرات، وهناك من جرى تمديد اعتقالهم قبل دقائق من مغادرتهم المعتقل، أو ليلة انتهاء مدة حكمهم الإداري، وبما يشكله ذلك من ضغط نفسي على المعتقل وذويه، وهذه سياسة ممنهجة من أجل كي الوعي الفلسطيني، وتحطيم المعنويات وكسر الإرادة عند الأسير وذويه، وهناك أسرى قضوا في الاعتقال الإداري بشكل متواصل خمسة أعوام فما فوق، بدون أية تهمة موجهة لهم سوى ملف سري ومعلومات سرية يحظر على الأسير ومحاميه الإطلاع عليها، وهي في الغالب ما تكون حجج ومعلومات وذرائع واهية تستخدم من أجل استمرار اعتقال المناضل الفلسطيني.

والمناضل الفلسطيني علي جردات هو أحد ضحايا هذا القانون وهذه السياسة الجائرة، فقد مورست بحقه هذه السياسة-أي سياسة الاعتقال الإداري، مرات متتالية تحت حجج وذرائع القيام بأنشطة ومهام محظورة، طبعاً وفق ملف ومعلومات سرية مقفلة، وقد اتبعت سياسة التمديد الإداري المتواصل مع المناضل جردات قبل وبعد قدوم السلطة الفلسطينية وحتى اللحظة الراهنة، وفي إحدى مرات اعتقاله الإداري السابقة وتحديداً في 5/3/2004، تعرض المناضل جردات لجلطة قلبية بالشريان التاجي في سجن عوفر/ بيتونيا- رام الله-، ومنذ ذلك الوقت تم زرع شبكة بالشريان التاجي الرئيسي، ويتناول الأدوية بشكل مستمر ويومي.

في منتصف عام 2008 أثناء الاعتقال الإداري في سجن عوفر/ بيتونيا، بدأ يعاني من مرض السكري ويتناول أدوية علاج السكري والقلب والضغط والكوليسترول، في ظروف اعتقالية غاية في السوء وإهمال طبي متعمد يعرض حياته لخطر جدي وحقيقي، ناهيك عن المعاناة المعنوية والمادية. فالكاتب والصحفي المناضل جردات تتبع بحقه سياسة قمع وتنكيل مبرمجة ومنظمة من قبل إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية، فهو كما كانت تخشاه خارج السجن، فهي تخشى دوره وحضوره ومواقفه في داخل السجن، وهي تعرف أنه صلب وعقائدي، لا يخشى سجناً ولا زنازين تحقيق أو محققين، يمارس دوره الوطني في كل المحطات والمواقع التي يتواجد فيها.

وضمن تلك السياسة الإجرامية التي تتبعها إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية بحق المناضلين الفلسطينيين، يجري قمع وترحيل المناضل جردات من سجن لآخر، ناهيك عن نقله المستمر من سجنه إلى محاكم التمديد الإداري والاستئناف المتكرر، وفي ظروف غاية في القسوة، مما يجعل الخطر الجدي يتهدد حياته. وبالنسبة لظروف نقله فمن المهم القول إنه في كل تمديد اعتقال إداري يجري نقله مرتين لمحكمة عوفر مرة لتثبيت الحكم وبعدها للاستئناف عليه، وتكون ظروف النقل قاسية جداً، حيث ينقل في سيارة "البوسطة" مقيد القدمين واليدين، ويتم إجلاسه على كرسي حديد، وفي انتظار المحكمة يزج به في زنزانة تسمى غرفة "المعبار" تفتقر إلى أي مقوم من مقومات الحياة، هو وعدد كبير من المناضلين، وهي باختصار رحلة عذاب لمناضل تجاوز عمره 57 عاماً، ويعاني من العديد من الأمراض الخطيرة مجتمعة، ولا يجري له فحص طبي شامل أو اهتمام طبي بالحد الأدنى، حيث أن تركيب شبكة القلب مضى عليها خمسة أعوام.

والمناضل جردات، لا يجري التعامل معه وفق القانون الدولي واتفاقية جنيف الرابعة، حيث يتم تجاهل كامل حقوقه كمعتقل إداري سياسي، بدون تهمة أو محاكمة، ناهيك عن أن عائلته زوجته وأبناءه سجى وباسل محرومون من زيارته، وفقط تزوره والدته البالغة من العمر 75 عاماً، مما يضيف إلى معاناته معاناة جديدة، ناهيك عن أنه تم تجديد الأمر العسكري بتمديد الاعتقال الإداري له حتى 1/3/2010.

إن سلطات الاحتلال تتحمل المسؤولية كاملة عن حياته ومعاناته وما قد يحدث له، والتي يجب أن تعمل على نقله من سجنه المعزول فيه "ايشل" في بئر السبع إلى سجن تتوفر فيه الحدود الدنيا من الرعاية والخدمات الطبية، وعلى كل الجهات الرسمية والشعبية والمهنية وفي المقدمة منها اتحاد الكتاب الفلسطينيين، القيام بسلسلة من الأنشطة والفعاليات الشعبية والجماهيرية من أجل المطالبة بإطلاق سراح الكاتب والصحفي المناضل جردات، ولتبذل جهود جدية وحقيقية من أجل إنقاذ حياته وتحرره من براثين الأسر هو وكل أسرى شعبنا من مرضى وإداريين وموقوفين ومحكومين وأطفال ونساء وشيوخ وعمداء أسرى.

التعليقات