الأسيرة دعاء الجيوسي تدخل عامها الاعتقالي التاسع../ راسم عبيدات

الأسيرة دعاء الجيوسي تدخل عامها الاعتقالي التاسع../ راسم عبيدات
لا فرق بين سجن وسجن فكلها سجون متلاصقة سجان يمسك سجان، ما دام الاستهداف واحد والمعاملة واحدة، لا حصانة لأحد من الاعتقال الطفل والشيخ والشاب والفتاة والمرأة والعجوز، فكل من يقاوم الاحتلال مستهدف.

ونساء شعبنا الفلسطيني من بداية الاحتلال ناضلن جنباُ إلى جنب مع أبناء شعبهن الرجال، وعدد اللواتي دخلن السجون ومراكز التحقيق الإسرائيلية من بنات ونساء شعبنا الفلسطيني منذ تلك البداية وحتى اللحظة الراهنة يزيد قليلاً عن (10000)، أما مجموع ما دخلن سجون الاحتلال منذ بداية انتفاضة القدس والأقصى في أيلول/ سبتمبر 2000 فهو (800 ) فتاة وامرأة، والقائمة لم تنته بعد ولا أفق قريب لنهايتها إلا بكنس الاحتلال وزواله.

ورحلة القيد والأسر والتعذيب للأسيرات الفلسطينيات، هي نفس رحلة القيد والأسر والتعذيب لكل أبناء شعبنا الأسرى، ولا تختلف عنها في أي من مراحلها أو أساليبها فهي واحدة ومتشابهة، حيث أساليب التحقيق والتعذيب النفسية والجسدية، والعزل في زنازين وأقسام خاصة، بل والزج بالأسيرات المناضلات في أقسام السجينات الجنائيات اليهوديات من صاحبات الأحكام الجنائية الخطيرة، وكذلك الحرمان من أبسط الحقوق ومقومات الحياة الإنسانية في سجون وصفها قادة ووزراء الاحتلال بأنها "فنادق خمسة نجوم"، حيث الغرف الضيقة جداً رديئة التهوية والإضاءة وتعشعش في جدرانها الرطوبة وتستخدم كغرف نوم وأكل وحمام، ومنع إدخال الكتب والأغراض الخاصة من خلال الأهل والحرمان من زيارة الأهل ولفترات طويلة أو مقابلة المحامين أو ممثلي الصليب الأحمر، ناهيك عن القمع الدائم والتفتيشات المذلة والمهينة والعارية والمنتهكة للخصوصيات، مضافاً إليها عمليات الدهم الليلية من قبل وحدات قمع السجون المسماة بوحدة "النحشون" والعقوبات لأتفه الأسباب من خلال الزج بالأسيرات في الزنازين وأقسام العزل والترحيل القسري من سجن لآخر، من أجل إبقاء الأسيرات في حالة عدم استقرار دائم أو خلق بنية تنظيمية واعتقالية، تمكن من وضع برامج ورسم خطط من أجل التصدي ومواجهة إجراءات وممارسات إدارة مصلحة السجون الإسرائيلية بحق الأسيرات الفلسطينيات، والتي وصلت حد لا يطاق، من خلال الاعتداء على خصوصيات الأسيرات بفتح وقراءة ما يردهن من رسائل خاصة من الأهل على مسامع جميع الأسيرات.

والأسيرة دعاء الجيوسي من طولكرم والمعتقلة منذ 07/06/2005 وصاحبة الحكم الأعلى بين 37 أسيرة فلسطينية، والمحكومة بالسجن لثلاثة مؤبدات واثنين وثلاثين عاماً، بسبب إيصالها لأحد الإستشهاديين من رفاق الجبهة الشعبية إلى مدينة نتانيا. تلك الطالبة المتميزة والمتفوقة في علم الاجتماع في جامعة النجاح، كانت طالبة ناشطة في مجال العمل الاجتماعي والجماهيري، وضمن الكتلة الطلابية التابعة للجبهة الشعبية (جبهة العمل الطلابي)، هالها ما قام به وارتكبه الاحتلال من جرائم وقتل وتدمير بحق شعبنا الفلسطيني، حيث قامت دبابات شارون بعملية اقتحام شاملة للضفة الغربية، وهذا حتم عليها، بحكم انتمائها الوطني وشعورها العالي بالمسؤولية، أن تشارك في الأنشطة والفعاليات الانتفاضية، إلى أن جاءت ليلة السابع من حزيران/ 2002، حيث اقتحمت بيتهم قوات كبيرة من جيش الاحتلال ورجال مخابراته، والذن حاولوا الاعتداء عليها وكالوا لها الشتائم والسباب، ليجري بعد ذلك اعتقالها ورحلة طويلة وقاسية من التعذيب بمختلف أشكاله وأنواعه في معتقل الجلمة في الشمال الفلسطيني لمدة شهرين، لم يسمح لها خلالها بالاستحمام أو حتى تغيير ملابسها، وكانت فترات التحقيق تستمر معها لساعات طويلة تمتد لأكثر من اثنتي عشرة ساعة يومياً، يتناوب فيها على التحقيق معها مجموعة من المحققين، ويمارسون عليها طقوسهم السادية والوحشية في فن التعذيب، ومن بعد ذلك نقلت إلى غرف السجن والذي لم تكن ظروف غرفه بأحسن حال من ظروف الزنازين، ومن ثم جرى نقلها إلى معتقل الرملة. ودعاء المصابة بفقر الدم تتعمد إدارة السجن عدم تقديم العلاج لها وهي محرومة من زيارات الأهل منذ فترة طويلة.

وفي السجن تدرك دعاء أن مرحلة نضالية جديدة في حياتها قد بدأت، فقد رتبت أمورها على أساس عدم إضاعة الوقت، بل الاستفادة منه في تثقيف نفسها والارتقاء بمستوى وعيها وخبراتها وتجاربها، والعمل على بناء وخلق بنية تنظيمية لحزبها، والمشاركة الفاعلة في الأنشطة الاعتقالية والوطنية، بحيث أضحت واحدة من الرموز الاعتقالية النسوية، وأكثر من مرة عزلت وقمعت في الزنازين وأقسام العزل والترحيل من سجن لآخر على هذه الخلفية.


ودعاء لها شقيق يصغرها بعدة أعوام، وهو طالب أصيب برصاص جيش الاحتلال في المناشطات. ويعمل والدها في وظيفة في وظيفة حكومية، أما والدتها فربة بيت. وتصف والدة دعاء "أم جميل" مشاعرها تجاه ابنتها المعتقلة بالقول إن دموعها لم تجف وما زالت تنهمر منذ تسع سنوات، عندما اعتقلت قوات الاحتلال ابنتها.

وتضيف أم جميل إن العمى يكاد يصيب عينيها من شدة البكاء، كما أن الفرح لم يعرف إلى قلبها طريقا، فهي تقول بأنها نسيت المعمول الذي لم تصنعه منذ اعتقال دعاء.

وتصف ابنتها بأنها "فتاة رائعة ولا أحد يشبها في أخلاقها ومرحها، فقد تركت فراغاً لا يمكن أن يشغله أحد. كانت تضفي على المنزل أجواء مرحة حتى أنها كانت تفتح شهيتها على الطعام".

كما أن أم جميل تعد الأيام والساعات والدقائق، وتتابع كل الأخبار المتعلقة بصفقة التبادل، وقد أصيبت بانهيار عصبي أكثر من مرة وعدة إمراض هي وزوجها وهما يترقبان الأنباء المتضاربة حول صفقة التبادل، هل ابنتها مشمولة بصفقة التبادل أم لا؟.

و"أم جميل" تتمنى على الفصائل الآسرة "لشاليط" أن تستمر على ثوابتها وشروطها، وبأن تشمل صفقة التبادل كل الأسيرات من أبناء شعبنا، وخصوصاً أن خمسة منهن محكومات بالسجن المؤبد فما فوق ( آمنه منى وأحلام التميمي وقاهرة السعدي وسناء شحادة ودعاء الجيوسي). وتشدد أيضاً على شمول الصفقة كأولية المتزوجات من الأسيرات، وكل أبناء حركتنا الأسيرة من ذوي الأحكام العالية وخصوصاً القدماء منهم والذين تجاوز عدد الذين قضوا منهم عشرين عام فما فوق، وهم 117 أسيراً. كما وتناشد وتطالب آسري شاليط أن تكسر الصفقة المعايير والشروط الإسرائيلية وخصوصاً ما يتعلق بأسرى الداخل الفلسطيني والقدس.

وختاماً تبقى المناضلة الأسيرة دعاء الجيوسي وكل أسيرات وأسرى شعبنا منارات في الظلام ومشاعل ترسم لنا طريق الحرية والتحرر والعيش في الوطن الحر والمستقل، وبانتظار بزوغ ذلك الفجر علينا أن نكثف ونوحد جهودنا وطاقاتنا وفعلنا سلطة وأحزاب وفصائل ومؤسسات وأفراد من أجل أن ينال أسرانا حريتهم بعزة وكرامة.

التعليقات