زيارات الأهل لأبنائهم الأسرى في السجون الإسرائيلية: مسلسل ذل وهوان

-

زيارات الأهل لأبنائهم الأسرى في السجون الإسرائيلية: مسلسل ذل وهوان
... بقدر ما تشكل زيارة الأهل للأسير مصدراً للفرح والسعادة الغامرتين (للطرفين الأسير والأهل)، حيث أن هذه الزيارات لها أكثر من قيمة ومعنى عند الطرفين، فهي للأسير وسيلة للاطمئنان والوقوف على أوضاع وأحوال الأسرة والعائلة والأحبة والوطن..

وكذلك فهي وسيلته الوحيدة للتواصل والتفاعل مع العالم الخارجي، حيث يضع الأسير الأهل في صورة أوضاعه وأوضاع أخوته ورفاقه الأسرى، وشروط وظروف اعتقالهم. أما بالنسبة للأهل والعائلة، فتكمن قيمة وأهمية هذه الزيارة لهم، وتصبح لها قيمة تاريخية، يوزع بتحققها وتمامها الأسير والأهل الحلويات داخل السجن وخارجه، عندما يكون الأسير ممنوعاً من الزيارة، فالعديد من الأسرى طالهم المنع من الزيارة لسنوات تحت حجج وذرائع الأمن، والأهل يكونون في لهفة وشوق لمشاهدة ابنهم الأسير والوقوف على أحواله وأوضاعه بعد فترة الغياب الطويلة تلك.

والمنع من الزيارة ليس قصراً على الأسير وحده، بل هناك الكثير من العائلات منعت من زيارة أبنائها الأسرى تحت نفس حجج وذرائع"الأمن المزعوم"..

وما يثير الضحك والسخرية أن هذا الأمن يطال أناسا من الأهل تجاوزوا سن السبعين.. حتى أن العديد منهم غادروا هذه الدنيا دون أن تكتحل عيونهم بمشاهدة أبنائهم الأسرى. ومن جهة أخرى لكم أن تتصوروا مدى فاشية وحقد وقذارة الاحتلال، وما يولده لدى الإنسان الفلسطيني من قهر وحقد.. فأنا أعرف أباء وأمهات، تقدموا بطلبات من أجل الحصول على تصاريح لزيارة أبنائهم الأسرى، ويأتيهم الرد: " بعدما تم فحص طلبك رفض، لأن أجهزتنا الأمنية تقول عليك أن تبرر ما يثبت أن الأسير ابنك"! فهل هناك ما هو أسوأ وأحقر من هذا القانون القراقوشي؟

ومسلسل الذل والمعاناة والمهانة، ليس قصراً أو وقفاً عند هذا الحد، ففي أحيان كثيرة وبعدما يهيأ الأهل ويعدوا أنفسهم للزيارة، حيث يصحون من ساعات الفجر الأولى ليوم الزيارة، لكي يقطعوا مسافات طويلة والعديد من الحواجز العسكرية، من أجل الوصول إلى نقطة التجمع، التي ستنطلق منها حافلة الصليب الأحمر إلى السجن المنوي زيارته، وعند وصولهم هناك يعودون أدراجهم بخفي حنين، بسبب أن الجيش الذي سيرافق الحافلة لم يحضر أو لم يبلغ بمرافقة حافلة أهالي الأسرى..

وفي مناسبات أخرى يقطع الأهالي مئات الكليو مترات، من اجل الوصول للسجن المنوي زيارته، وهناك تكون الصدمة، حيث يبلغهم السجان بتلذذ وحقد، أن الأسرى المنوي زيارتهم غير موجودين في المعتقل، وانه تم نقلهم وترحيلهم إلى سجون أخرى، وطبعاً هذا في الكثير من المرات، لا يكون إلا بعد جولة من التفتيش في أجساد الزائرين، تطال كل سنتمتر..

وإمعانا في إذلال وقهر الأسرى والأهالي، يقوم الاحتلال بوضع أو نقل أسرى من سكان الشمال أو الداخل الفلسطيني (عرب الداخل) وحتى سكان الجولان المحتل، الى أقصى سجون الجنوب (نفحة والنقب وريمون )، بسبب أن الأسرى المقموعين أو المرحلين لهم نشاط ودور بارز في التصدي لإدارات السجون في هجماتها على الحركة الأسيرة لسحب منجزاتها ومكتسباتها،آو فرض شروط وإجراءات قمعية جديدة عليها.

وفي العديد من المرات ولطول وبعد المسافة، فإن العديد من العائلات تسافر قبل موعد الزيارة، للمبيت عند الأقارب أو الأصدقاء أو عائلات أسرى قريبة من السجن المنوي زيارته. ورغم كل ذلك ففي العديد من المرات، ورغم كل المعاناة والذل والقهر، لم تتمكن عائلات من زيارة أبنائها الأسرى، لأن إدارة السجن المفرطة في الحقد والعنصرية، وتجاوز كل المعايير والقيم الإنسانية، تقدم على نقل الأسير في نفس ليلة أو صباح يوم الزيارة إلى معتقل آخر..

ومسلسل الذل والقهر والمعاناة هذا ليس قصراً على الأهل وحدهم، فهناك أسرى ممن حرموا من الزيارة لفترات طويلة، وعندما يسمح لهم في الزيارة، ويبدأون بممارسة "طقوسهم" وتحضيراتهم لهذه الزيارة من حلاقة الذقن والرأس وكوي ملابس الزيارة، يصابون بالصدمة وخيبة الأمل، عندما يأتي السجان في المساء، وقبل صباحية يوم الزيارة، أو في صباحية يوم الزيارة نفسها، ليبلغهم بالنقل والترحيل إلى سجن آخر، أو يتم منع الأسير من الزيارة لأتفه الأسباب، وبتخطيط مسبق من إدارة السجن، بالقول أن لون القميص أو البنطلون الذي سيخرج به الأسير للزيارة، لا يتطابق والمعايير المحددة من قبلها، أو يجري تعمد تفتيش الأسير جسدياً بطريقة استفزازية، أو إجباره على التعري وخلع ملابسه، وكل ذلك بقصد منعه من الزيارة، أو القيام بعملية قمع شاملة للأسرى. وفي بعض الأحيان يتم استفزاز الأسرى من قبل السجانين وإهانتهم، هم وأهاليهم، وهم على شبك الزيارة، مما يؤدي إلى إلغاء الزيارات بأكملها للسجن.

ومسلسل المعاناة هذا يتواصل، حيث أن إدارات السجون، بعد وصول أهالي الأسرى الى ساحة المعتقل، تتركهم تحت حر أشعة الشمس اللاهبة وزمهرير برد الشتاء القارص لساعات طويلة. وفي أغلب الأحيان في العراء لساعات قبل أن تبدأ عمليات التسجيل للزيارة، وتقوم بممارسة ساديتها وطقوسها من خلال منع العديد منهم من الزيارة، أو منعهم من إدخال احتياجات الأسرى من الملابس والكتب المصرح والموافق على إدخالها، او بعدم السماح للأطفال ما دون سن الرابعة بالتسليم على أهاليهم والدخول عندهم على شبك الزيارة وهذا يتحكم به مزاجية السجانين وإدارة السجن.

أن مسلسل الذل والمعاناة هذا غيض من فيض، لما تمارسه إدارات السجون بحق الأسرى الفلسطينيين عبر عقابهم هم وأهاليهم بالحرمان من الزيارة. وهذا المنهج الرسمي يقصد به كسر إرادة المناضلين الفلسطينيين والضغط على أهاليهم، من أجل أن يضغطوا على أبنائهم ويردعونهم عن مواصلة الكفاح والمقاومة. فحتى بعد انتهاء الزيارة، لا يسمح للأهالي الذين أنهوا زيارة أسراهم بالمغادرة، فعليهم الانتظار، حتى تنتهي كل الزيارات، ومن ثم يرافق الجيش حافلات الزيارة مجدداً.

وفي حين تغادر العائلات بيوتها من أجل زيارة أبنائها في ساعات الفجر الأولى من يوم الزيارة، فإنها تعود إلى بيوتها في ساعات الفجر الأولى من اليوم التالي.. وتصورا الحال الذي سيكون عليه حال الأطفال والرضع وكبار السن والمرضى من معاناة وألم..

يذكر أن العديد من من الزائرين أدخلوا إلى المستشفيات من بعد رحلة المعاناة هذه. كما حصلت عدة حالات وفاة في طريق الزيارة أو لدى العودة من الزيارة.

إن وضع حد لمعاناة أهالي الأسرى وعائلاتهم والأسرى أنفسهم لن يتحقق بدون العمل الجدي من أجل تأمين الإفراج عنهم وإطلاق سراحهم، بعيداً عما يسمى بحسن النوايا الإسرائيلية، التي ثبت بالملموس أنها تحتاج إلى عشرات السنين، لكي يتحرر أسرانا من خلالها من سجون الاحتلال وبشروط مذلة ومهينة وتنازلات سياسية.

التعليقات